ألمانيا ومعاداة السامية... خطوة على طريق محاصرة الداعمين لفلسطين

ألمانيا ومعاداة السامية... خطوة على طريق محاصرة الداعمين لفلسطين

20 يناير 2024
متظاهرة في برلين ترفع لافتة: ألمانيا متواطئة (مريم ماجد/ Getty)
+ الخط -

في تطور لافت لما تشهده الساحة الفنية والثقافية الألمانية من احتدام الصراع بخصوص العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقّع ما يزيد عن 4 آلاف من الفنانين والعاملين في القطاع الثقافي على رسالة مفتوحة، موجهة إلى مجلس الشيوخ في برلين، ضد اعتماده تعريف التحالف الدولي لإحياء المحرقة (IHRA) الخاص بمعاداة السامية، كشرط للحصول على أي تمويل من الدولة لصالح المؤسسات الثقافية.

كان ممثلون عن وزارة الثقافة الألمانية قد عقدوا عدة مؤتمرات عبر الفيديو في مجلس الشيوخ في برلين، مع أعضاء جميع الجمعيات الثقافية الرئيسية التي تمولها الدولة، لإبلاغهم بأنه يجب عليهم الالتزام بتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA).

التعريف المثير للجدل الذي وضعته المنظمة الدولية في 26 مايو/ أيار 2016، يحتوي على مبدأ توجيهي من 15 نقطة، تتضمن توضيحات وأمثلة لما يمثل أو لا يمثل معاداة للسامية. تعرض هذا التعريف إلى انتقادات واسعة بسبب دمجه بين معاداة كل من السامية والصهيونية. ففي أحد بنوده، يذكر أن معاداة السامية "هي تصور معين لليهود، ويمكن التعبير عنه على أنه كراهية لليهود. وقد تشمل المظاهر (الكراهية) استهداف دولة إسرائيل، التي يُنظر إليها على أنها جماعة يهودية".

هذا التعريف وقعت عليه الدولة الألمانية منذ عام 2017، لكن لم يُفرض كشرط للتمويل من قبل. وتأتي هذه الخطوة وسط مخاوف متزايدة من أن عقدة الذنب وسعي البلاد الدائم إلى التكفير عن المحرقة قد يؤديان إلى قمع وتجريم مجتمعات المهاجرين العرب، وكذلك اليهود الرافضين للممارسات الصهيونية وجميع الداعمين للقضية الفلسطينية في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.

يذكر أن البند الذي أقره البرلمان الألماني، ويستند إلى تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA) لمعاداة السامية، قدّمه عضو مجلس الشيوخ لشؤون الثقافة عن برلين، جو تشيالو. تشيالو، وهو ابن لتنزانيَين، عارض على مدار الأشهر الماضية جميع مبادرات المجتمع الفني الداعية إلى مقاطعة إسرائيل، كما قاد احتجاجات ضد جولة موسيقية لروجر ووترز، مغني فرقة "بينك فلويد" السابق الذي اتُهم على نطاق واسع بمعاداة السامية لمساندته القضية الفلسطينية.

ويأتي بند تشيالو في أعقاب موجة من الإلغاءات، طاولت عدداً من الفعاليات دعا إليها فنانون وعاملون في مجال الثقافة تضامناً مع فلسطين في مواجهة الجرائم الصهيونية، وذلك على مدى السنوات الماضية. وتنوعت الفعاليات الملغاة، ما بين عروض متاحف وحفلات لجوائز الكتب وحفلات موسيقية وغنائية، وغير ذلك. فيما يتوقع كثيرون أن تنفيذ القرار البرلماني سيفرض قيوداً كبيرة على أنشطة الفنانين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، كرمز للنضالات والموروثات المناهضة للاستعمار.

بهذا، حرّض أكثر من 5 آلاف من الفنانين والعاملين في مجال الثقافة على توقيع عريضة موجهة إلى مجلس الشيوخ في برلين، ترفض البند المثير للجدل. من بين الموقعين، المغني الأميركي مايكل ستيب، والمصور فولفغانغ تيلمانز، والكاتبة ديبورا فيلدمان، الحائز على جائزة تيرنر، وجيسي دارلينغ، وأجنيشكا بولسكا الحائزة على جائزة المعرض الوطني الألماني، والمصورة المعروفة كانديس بريتز وآخرون.

هذه الأسماء، وغيرها، نظمت احتجاجاً خارج برلمان العاصمة يوم الثامن من يناير/ كانون الثاني، بينما عُقد داخله اجتماع للجنة الثقافية، بغرض مناقشة مسألة معاداة السامية في مجال الفنون.

وجاء في بيان المجموعات الرافضة للقرار البرلماني أن "سحب الدعم المالي من المنابر الثقافية سيستخدم كوسيلة ضغط من أجل إقصاء المواقف المنتقدة لسياسات الحكومة الإسرائيلية بخصوص الحرب على غزة، وذلك من الخطاب العام". ونبه الموقعون إلى أن "البند المستهدف إقراره يسهل على الإدارة والسياسيين التسلط واستخدام نفوذ واسع من أجل تضييق مساحة الخطابات الضرورية". سلطت الرسالة الضوء، كذلك، على تعريف بديل لمعاداة السامية يُعرف باسم "إعلان القدس"، الذي لا يصنف الأمثلة المتعددة لمعاداة الصهيونية الواردة في تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست على أنها معاداة للسامية. كما أعلن البيان معارضته لما وصفه بـ"التسلسل الهرمي لأشكال التمييز"، مؤكداً أن النضال ضد العنصرية وكراهية الإسلام يستحق نفس القدر من الاهتمام الذي تحظى به معاداة السامية.

وصرحت الفنانة والناشطة الثقافية، زوي كلير ميلر، إحدى قيادات الحراك: "إذا لم يتم إلغاء هذا القرار، فسيمهد الطريق أمام برلين لتصبح غير ذات صلة بالخطاب الثقافي والفني العالمي"، بينما وصف الفنان والكاتب اللبناني المقيم في ألمانيا، باسم سعد، إقرار البند بأنه "يوم العار العظيم". وأضاف سعد أنه "بعد ثلاثة أشهر من الإبادة الجماعية في غزة، والدعوات الصهيونية المتصاعدة للتطهير العرقي، يتعين على الفلسطيني في برلين أن يعترف بشكل فعال بشرعية الاحتلال والفصل العنصري والحصار والإبادة الجماعية من أجل الحصول على التمويل العام في مدينته التي يقيم فيها ويدفع بها الضرائب الباهظة".

منذ اندلاع العدوان على غزة، تصاعدت الخلافات في المجتمع الألماني حول إسرائيل وفلسطين، ليتزايد الاستقطاب على المستوى السياسي، بينما تفاقمت حدة التوترات في القطاع الثقافي بعد سلسلة من الإلغاءات، بلغت نحو 40 مشروعاً في الفترة الأخيرة، أبرزها سحب ولاية برلين التمويل من مركز العيون الثقافي في المدينة، إثر تضامنه مع حدث نظمته مؤسسة الصوت اليهودي من أجل السلام العادل في الشرق الأوسط، وهي جماعة يسارية مناهضة للصهيونية، وكان مجلس الشيوخ في برلين قد دعا إلى إلغاء الحدث الثقافي بوصفه "مثيراً للانفجار من الناحية السياسية".

المساهمون