أغاني الإعلانات... هل يتذكّر أحد تلك الفواصل التلفزيونية؟

أغاني الإعلانات... هل يتذكّر أحد تلك الفواصل التلفزيونية؟

11 ابريل 2023
أدّى محمد منير أغاني لأربعة إعلانات هذا العام (فضل داوود/ Getty)
+ الخط -

"يشتري الناس أغراضهم لأسباب عاطفية". هذه القاعدة المستقرة في عالم الإعلانات كانت وراء ظاهرة الاستعانة بنجوم الغناء المصري للترويج لمنتجات وخدمات متنوعة، عبر أغنيات جذابة قد لا تكون لها علاقة مباشرة بالمنتج أو الخدمة المعلن عنها. ويزدحم رمضان هذا العام بتلك النوعية من الإعلانات، ربما أكثر من أي عام مضى، بعدما نجح صناعها في إقامة ارتباط شرطي بين شهر رمضان والإعلان/ الأغنية.
شارك محمد منير هذا الموسم بأربع أغان أو أربعة إعلانات: إعلان لشركة مواد غذائية، وآخران لشركتي تطوير عقاري، بالإضافة إلى رابع لأحد البنوك. ورغم الاستقبال الإيجابي لأغاني النجم المحبوب، إلا أن ذلك لم يمنع من تمرير بعض التعليقات الساخرة من كثافة الحضور، وخصوصاً أن منير قدم إلى جانب ذلك شارات مسلسلين هذا العام، هما "سرّه الباتع" و"عملة نادرة".
وفي ظل استحواذ أهل المغنى على القسم الأكبر من إعلانات الموسم الرمضاني، قدم محمود العسيلي ثلاث أغان، هي "زهرة هي" مع الممثلة اللبنانية رزان جمّال لإحدى شركات العقارات، و"جوايا نور ما بينطفيش" مع حمزة نمرة لصالح أحد البنوك، و"شبر ونص" مع أنغام لمؤسسة مجدي يعقوب. بينما قدمت الأخيرة أغنية "أحلامنا" مع فرقة "كايروكي" لصالح إحدى شركات التطوير العقاري، ليتصدر أمير عيد، نجم الفرقة، إعلانا آخر لأحد البنوك بالاشتراك مع علي لوكا والممثل آسر ياسين.
في وسط هذا الزخم الغنائي، تصدرت أغنية عمرو دياب "تعالى مدينتي" التي شارك بها لاعب كرة القدم محمد صلاح بمصاحبة أسرته. أصبحت "تعالى مدينتي" من الأكثر تداولاً على "تويتر" بعد طرحها بساعات، وإن كان ذلك لم يمنع سخرية بعضهم من الأغنية، بسبب تكرار الجملة اللحنية "تعالى" بطريقة مبالغ بها.
وكانت مفاجأة رمضان هذا العام اشتراك الموسيقار عمر خيرت في إعلان إحدى شركات الاتصالات وتقديمه جملاً موسيقية من مؤلّفاته الشهيرة، بينما يشاركه الظهور الرابر ويجز، وهو أمر لاقى احتفاءً واسعاً من محبي المغني الشاب، إذ اعتبروه اعترافاً بما أنجزه من نجاح في الساحة الغنائية.
وللمرة الثانية على التوالي، تستعين إحدى شركات الاتصالات بالمغني الإماراتي حسين الجسمي، ليقدم لها أغنية "باب رزق"، بعد النجاح الكبير لأغنيته في العام الماضي "رمضان في مصر حاجة تانية"، بينما حرصت شركة الأدوات الكهربائية الشهيرة على الاستعانة بالنجمة روبي، لتقدم هي الأخرى إعلان الشركة للسنة الثانية.
في ظل هذه السيطرة شبه الكاملة لأهل المغنى على إعلانات رمضان، قدمت دنيا سمير غانم أغنية "هنرمضن رمضان"، لإحدى شركات الاتصالات، في حين تصدر محمد حماقي أغنية "رمضان نور" لإحدى المؤسسات الخيرية، بينما قدم بهاء سلطان "اللي يحبنا يعمل زينا" لإحدى شركات التكييف، وقدم رامي صبري "سحرها حقيقي" لشركة مشروبات غازية.

عن هذه الظاهرة، يقول الناقد الفني وليد أبو السعود إنه منذ البداية والإعلانات المصرية قائمة على فكرة الموسيقى، ووجود ثيمة قابلة للغناء، لكن اشتراك النجوم لم يأتِ إلا بعد ذلك بزمن طويل، فقد كان يُنظر للأمر على أنه انتقاص من قدر الفنان، وبمرور الوقت تغير الأمر.
يتابع أبو السعود، موضحاً أن المطرب، في ما سبق، كان يعتمد مادياً على دخله من الألبومات إلى جانب الحفلات. اليوم، اقتصر الأمر على الحفلات، إلى جانب مشاهدات مواقع التواصل الاجتماعى. "لذلك، أتصور أن السبب المادي عامل رئيسي وراء حضور نجوم الغناء بهذه الكثافة على ساحة الإعلانات، خصوصاً في ظل الإغراءات المادية الضخمة التي تقدمها الشركات والمؤسسات المختلفة"، يقول أبو السعود.
وعن المستوى الفني لهذه الأغاني، يرى أبو السعود أن النجم لا يتعامل معها بالجدية نفسها التي تصاحب أغانيه العادية، لأنه يرى أن تلك الأغنية ستنسى بمجرد انتهاء الموسم، لن تتحول إلى أغنية في الشارع، ويقول: "على سبيل المثال، هناك عمل قدمه محمد منير خلال العام الماضي بالاشتراك مع الشاب خالد وكايروكي، لكن لا أحد يتذكر الأغنية، لأنها كانت موجهة إلى غرض تجاري صرف".
رغم ذلك، يرى أبو السعود أن عدداً من الأغاني التي قدمت هذا العام كان مقبولاً، في المقدمة أغنية عمرو دياب "تعالى مدينتي" التي منحها ظهور اللاعب محمد صلاح وأسرته زخماً كبيراً. هناك أيضاً أغاني منير، إلى جانب ما قدمه محمود العسيلي وأنغام "شبر ونص"، في حين جاءت أغنية دينا سمير غانم مكرورة، لذلك لم تلفت الانتباه.
ويستطرد أبو السعود: "جاءت أغنية سابق بكتير التي ظهر فيها عمر خيرت بمصاحبة مغني الراب ويجز كتجربة مختلفة، إذ حاولت تقديم مزيج بين نوعين من الموسيقى ليس من المعتاد أن يجتمعا. وفي اعتقادي أن الفكرة التي قامت عليها الأغنية ذكية إلى حد بعيد، أن يلتقى اثنان ليس من الطبيعي أن يشاركا في عمل واحد، لكن ربما التنفيذ لم يكن موفقاً".
في هذا السياق، يرى الناقد الموسيقي أمجد مصطفى أنه رغم توجه أغلب نجوم الغناء الكبار إلى الأغنية/ الإعلان، إلا أن ذلك لم يصاحبه تقدم في مستوى المعروض، خصوصاً في رمضان هذا العام، الذي جاءت أغانيه أقل في المستوى مما عُرض خلال الأعوام السابقة. يضيف مصطفى: "في رأيي أن هذا يعود بدرجة كبيرة إلى أن أغلب المغنين يتعاملون مع الأمر على أنه مصدر للربح السريع بأقل جهد، لا أكثر".
ويرى مصطفى أن الأغنية/ الإعلان قديماً كانت أفضل، فارتبطت بمعايير معينة، ليقدمها مغنون متخصصون في هذا اللون الذي كان أميل ربما إلى الشكل الغربي. يضيف: "من بين أشهر الأسماء التي برزت في هذا العالم عازف الغيتار الشهير أحمد الجبالي، والملحن المعروف سمير حبيب. تلك الأسماء وغيرها كانت لديها القدرة على تقديم عمل يستطيع خلال 20 أو 30 ثانية إيصال رسالة الإعلان، ولفت الانتباه إلى المنتج، ليُحفر اسمه وكذلك اللحن والكلمات في الذاكرة".
يتابع مصطفى: "أما ما يحدث اليوم، فيتمثل في أن فريق عمل الأغنية زحف إلى عالم الإعلانات، كما زحفوا في فترة سابقة إلى شارات المسلسلات، إثر اختفاء سوق الكاسيت حينها، فكنت تجد أسماء مثل إليسا وحسين الجسمي ونانسي عجرم تقدم هذا اللون الذي كان قاصراً قبل ذلك على أصوات بعينها لها مواصفات خاصة، ويمتلك سوق الإعلانات اليوم إغراءت كبيرة تحرض نجوم الغناء الكبار على الانتقال إليه حتى لو لم يرتبط بالقيمة الفنية".

المساهمون