أحمر بالخط العريض: مالك مكتبي في استعراضه الفرجوي

أحمر بالخط العريض: مالك مكتبي في استعراضه الفرجوي

23 فبراير 2023
يلجأ إلى عناوين صفراء تذكّر بالمجلات الفضائحية (LBCI)
+ الخط -

يعرّف المذيع اللبناني مالك مكتبي حلقات برنامجه "أحمر بالخط العريض" بعناوين من قبيل: "الضعف الجنسي والكوارث الطبيعية". و"الحماة والصهر". و"أشعل سيجارتي وأتمايل إلى أن يسلمني نفسه". و"أقامت معي علاقة وأنا لا أريد...". عناوين لا تنطوي على أي مبالغة أو تحوير. إنما تشكل أصدق تعبير عن محتوى البرنامج الذي لن تقدم حلقاته ومقدمه للمشاهدين والمشاركين أكثر من هذه الجمل الصفراء.
قد تذكّر هذه العناوين بأخرى، مثل: "ماذا يحصل في شقة الأرملة الصبية؟" و"فتاة الهاتف... عندما تمارس الجنس بلا مقابل". هذه كانت عناوين مجلات جنسية وفضائحية صفراء، انتشرت في الفترة ما بين ستينيات وتسعينيات القرن الماضي، قبل أن تختفي.
لكن الفرق أن تلك المجلات لم تدّعِ غير ذلك: مجلات صفراء، تعنون وتقدم لقرّائها ما تدعيه. أما مالك مكتبي، فيريد أن يرسّخ لدى الرأي العام صورةً يظن أنه يمتلكها، وهي صورة الرجل ومقدم البرامج الرصين مناصر المرأة، والراقي، والمهذب الذي يختار مفرداته بالفصحى، كي لا يستخدم العامية التي تخدش "الحياء العام"، ويريد ربط اسمه بالجرأة والتمرد على المحظور، بتخطي الخطوط الحمراء، والارتقاء بضيوف برنامجه، ويريد أيضاً برنامجاً يضمن له "ترند" ومشاهدات مليونية على الإنترنت.
يظن مكتبي أنه إذا سمّع على آذان جمهوره وضيوفه قوانين حماية المرأة، وزايد باستنكاره تعدد الزوجات على إحدى ضيفاته الراضية بالتعدد، أو إذا كرّر ما مضمونه أنه مع قبول الآخر، يكون قد أعفى نفسه من المسؤولية الأخلاقية لعرض أوضاع الناس وحالاتهم، وضمَن لنفسه مكانةً كمتنورٍ يحمل شعلة التحضر.
إنما في الحقيقة، مالك مكتبي يعرف ما الذي يُغري الشريحة التي يختار ضيوفه منها، وكل ما يفعله أنه يلعب لعبته عليهم، وذلك بحكم سلطته كمقدم برنامج، وسلطة صناعة التلفزيون بشكل عام. ولعبته، أولاً، أنه جعلهم يثقون بأنه يهتم بهم، ويصدقون أنه أدرى بمصلحتهم منهم، وأنه باختياره استضافتهم؛ فهو يؤدي تجاههم خدمة سيشكرونه عليها، ثم يجعلهم يبوحون، ويعريهم أمام آذان وعيون الجميع، فيساهم في جعلهم أضحوكة أو ضحية، ثم ينتقل لغيرهم، من دون أن يقدم لهم أي شيء غير الظهور. وهو يشترك مع ضيوفه برغبة الظهور هذه. ولكن لأسباب مختلفة.
يقدم مكتبي نفسه كمحاور جدّي ولبق ورصين. وجل ما يفعله بهذه اللباقة والرصانة هو تقديم برنامج "فضائح"؛ برنامج "أصفر". وبدل أن تكون مواده مكتوبة في جريدة "صون العدالة" الفضائحية، جاءت على شكل برنامج تلفزيوني اختار اللون الأحمر جزءاً من عنوانه، ولوناً لديكوره، كربطٍ أصفر بين اللون الأحمر وبين المواضيع الساخنة. كاللمبة الحمراء التي كانت تضاء خارج غرف النوم في أفلام المقاولات المصرية.
زواج وطلاق وعلاقات جنسية وزواج مبكر وعمليات تجميل وخيانة وعلاقات متعددة، وأشخاص لديهم ميول جنسية مثلية، واعتداء، وتحرش... هي مواضيع برنامجه وحكايات ضيوفه، وهم ما يطلق عليهم في لغة التلفزيون والإعداد: الحالات.
الأسباب التي تجعل هؤلاء الضيوف/الحالات يشاركون في هذا البرنامج، الذي يظن مقدّمه أنه يعالج قضاياهم، في حين أنه يستعرض بهم، هي أسباب كثيرة. ولكنهم ضحايا قبل أن يكونوا حالات، وللضحايا دائماً أسباب تجعلهم يثقون بمن يسلّط عليهم الضوء، فعلى الأغلب يظنونه ضوء اهتمام، وستكون نتيجته لصالحهم.
يستضيف مالك مكتبي حالاته، بعد أن يتمرّن معهم على تمثيل عرضهم، لأنه لا يكتفي دائماً بأجوبتهم، يحتاجهم أن يمشوا ويستعرضوا ويمثلوا، خاصة عندما يكون الموضوع له علاقة بالجسد، ويكون الضيف على الأغلب امرأة. يجعلها تقف أمام المرآة، وتمشي، تقول ما تود قوله بأسلوب فيه من الدلع ما يكفي لندرك كم مرة تمرنت عليه، وما يكفي ليحصل مالك مكتبي على الذي يريده؛ يريد عرضاً يتيح له اقتطاع مقتطفات منه لتغدو "برومو" الحلقة؛ أي مادة الإعلان عنها.
المسرح في البرامج التلفزيونية يملكه المقدم (المخرج دوره فني تقني، خاصة عندما يكون المقدم "نجماً")، ولن يتحرك الضيف أو يتنفس خارج حدود النص والدور المرسومين سلفاً. كل من تابع وراقب البرامج التلفزيونية، أو عمل في هذه الصناعة، يدرك كيف يكون الضيف دمية المقدم.
يستضيف رجلاً يضرب زوجته، ويسأله الأسئلة التي يعرف أجوبتها بحكم التحضير المسبق، آملاً أن يجيبه الضيف كما أجابه أثناء التحضير، لأن التعقيب مبني على هذا الأساس. في هذا الوقت، يستمع الجمهور، والزوجة المعنَّفة الحاضرة في الاستوديو، لآراء الزوج "المتخلّفة"، التي يدرك مكتبي مسبقاً أنها متخلفة، فيعقب عليه بأسئلة استفسارية، ثم يمارس عليه ما يظنه، بل ما يريد أن يقنع الجمهور به؛ أي الأسئلة التي تشكك في تحضر الضيف وتظهر تحضر المقدّم. الأسئلة التي لن تفيد أجوبتها الزوجة، ولن تقدم حلاً لها، بل ستعمّق إحساسها بالمظلومية.
يعتمد مكتبي أداء التمثيل أثناء تقديم برنامجه. يدخل في شخصية المقدّم لحظة دخوله الاستوديو (أو ربما قبل). يقرر أن يصمت بعد سماع إجابة أحدهم. لحظات تطول لتصبح ثواني، موجهاً خلالها نظره إلى الكاميرا، كأنّه قرّر أن يعلن إضراباً عن الكلام اعتراضاً أو تأثراً. تأثر فصمت، علماً أنه يسمع ما سمعه من الضيف نفسه للمرة الرابعة على الأقل.
ولكن الدور الذي قرر لعبه يتطلب منه ذلك: تمثيل بعض الحكمة، ودور خائب الظن بما يسمع، وأحياناً يلعب دوراً توعوياً لنشل "الحالة" من بؤرتها. ولكنه مجرد دورٍ بلا توعية؛ دور تتخلله قهقهات ومزاح مع زوج معنف.

في المقطع المعنون بـ "أنا صاحبة أكبر صدر في العالم، لدي طابتين مرتفعتين"، يسأل مالك ضيفته التي خضعت لعمليات تجميل: "بلشتي بالصدر أول شي؟"، بعد أن جعلها تمشي وتتمايل على مسرح الاستوديو أمام الكاميرا.
متكئاً بذقنه على يده، ناظراً نحو إحدى ضحايا فقراته، يسألها: "اليوم لأول مرة إمك رح تسمعك علناً، شو بتقوليلها؟ شو بتوعديها؟". علماً أن الأم لم تعد بين الأحياء ولا تسمع ولا تشاهد أي خط عريض، بغض النظر عن درجة احمراره. هنا كان يلعب دور المستعطف، شاحذاً دموع المشاهدين وحبذا دموع الفتاة، فاستحضار الأم - أيّ أم - دائماً ما يكون ورقة رابحة لإثارة استعطاف الجمهور، خاصة عندما تخاطبها ابنتها برسالة مباشرة على الهواء من الاستوديو إلى العالم الآخر.

تحظى حلقات "أحمر بالخط العريض" المقسمة إلى مقاطع على الإنترنت بنسبة مشاهدة عالية، تصل إلى أكثر من مليون مشاهدة أحياناً، مشاهدات لا تفيد إلا مالك مكتبي. أما ضيوف هذه المقاطع، الذين جعلوا هذا تحقيق هذا الرقم ممكناً فلم يُنتشلوا، ولم يتغير وضعهم، ولم يتصالحوا مع واقعهم... ضيوف وُعدوا بشهرة الربع ساعة، مقابل شهرة سنوات لمكتبي.

المساهمون