"يا ويل ويلي"... "سفر" في بيت دمشقي مظلم

"يا ويل ويلي"... "سفر" في بيت دمشقي مظلم

03 اغسطس 2021
تحضر في العمل لهجة مُستلهمة من التراث الغنائي السوري (يوتيوب)
+ الخط -

على أضواء الليدات والبطاريات (إنارة بديلة) في العاصمة السورية دمشق، التي تكاد تفقد الكهرباء تماماً، تكتب وتنفذ الكثير من المشاريع الفنية؛ بعضها يتمكن من تجاوز عقبات الواقع الصعب، بفضل الإنتاجات الضخمة الباذخة، التي تتمكن من إضاءة دروب وحكايات غير واقعية في مدينة البؤس والظلام، لتنتج صورة فنية عن مدينة جامدة لا تشبه شيئاً. في المقابل، هناك تجارب فنية موازية لها، تنتج بميزانيات منخفضة، ولا تجد سبيلاً أمامها سوى استخدام ما يتاح لها من الطاقات البديلة، لتعكس جانباً أكبر من الواقع، من دون تكلف؛ وهذا ما نراه واضحاً في أغنية فرقة "سفر" الجديدة.

"سفر" هي فرقة موسيقية سورية، مضى أكثر من عشرين عاماً على تأسيسها، وتتكون من عازف العود وافي عباس، والمغني وعازف الغيتار شادي الصفدي، بالإضافة للعديد من الوجوه الموسيقية المتبدلة. هذه الفرقة المهمشة، التي نشطت منذ بداية الألفية، بتقديم أغان من التراث السوري، مكسورة بتوزيعات غربية، استفادت من الشهرة التي حققها شادي الصفدي كممثل في الدراما السورية والدراما العربية المشتركة، فبدأت برسم خط جديد لها قبل أربعة أعوام، لتنتج ألبومها الأول بعنوان "تجربة رقم 1"، الذي يضم أغاني خاصة بها. وحقق بعض الأغاني انتشاراً معقولاً على المستوى المحلي.

إلا أن "سفر" قفزت إلى مستوى جديد قبل أيام، عندما أصدرت أغنية "يا ويل ويلي"، أولى عينات ألبومها الجديد "تجربة رقم 2"؛ إذ يقترب عدد المشاهدات في الفيديو كليب الجديد من عتبة الثلاثة ملايين مشاهدة على يوتيوب، وهذا الرقم يزيد عن عشرة أضعاف الأرقام التي حققتها أغاني ألبوم "تجربة رقم 1"؛ ذلك ما وصلت إليه رغم أنّ كليب الأغنية بسيط للغاية، صوره المخرج يزن شربتجي في غرفة عادية في بيت دمشقي ممسوح الملامح، وعلى إضاءة بديلة (الليدات) التي تبدو أبرز إيحاء يدل على مكان التصوير.

بالإضافة للكليب، الذي حصل على الكم الأكبر من الإطراءات، هناك العديد من العوامل التي تستحق الإشادة في أغنية "يا ويل ويلي"، ابتداءً من الكلمات البسيطة التي تُغنى بلهجة سورية قريبة من البدوية، وهي لهجة يعزف عنها عادة المغنون السوريون، إذ يفضل معظمهم الغناء باللبنانية أو المصرية، أو بلهجة بيضاء لا تقترن بأيّ هوية ثقافية تحمل محددات منطقة بعينها.

هذه اللهجة في الغناء تجعل الأغنية تبدو امتداداً للتراث الغنائي السوري، الذي يبدو مفصولاً تماماً عن كلّ النتاج الغنائي السوري في العقود الأخيرة (باستثناء النتاج الفني بمدينة حلب). يزيد من ذلك الإحساس الموضوع الفضفاض الذي تتناوله الأغنية، والذي يبدو منسجماً مع الكليب، رغم عدم تطرقه بشكل مباشر للواقع المعيش؛ فمن خلال التلاعب على ألفاظ في ثنائية الأسود والأبيض، أو الظلّ والنور، نلاحظ إحساساً مبهماً يمكن التماسه في الكليب، حيث يرد بلازمة الأغنية: "يا ويل ويلي شاب الشعر يا بنية ونجوم ليلي تضوي هالدرب عليّ".

من ناحية أخرى، فإنّ فقر الإنتاج، يبدو أكثر وضوحاً بالتسجيل الموسيقي من الكليب؛ إذ إن الفرقة التي تعتمد على موسيقى الروك البديل عادةً، تلجأ في هذه الأغنية إلى بعض المؤثرات والنغمات الإلكترونية، لكنّها تبدو بدائية للغاية؛ ورغم ذلك فإنّها تتمكن من صناعة إيقاع فقير، لكنّه لا يخلو من التركيب، يتناغم بشكل جيد مع أداء شادي الصفدي على مقام الحجاز، لتكوّن هذه العناصر جميعها مجتمعة أغنية دافئة، من الممكن أن تكون حجر الأساس لنجاح مشروع موسيقي تأخرت انطلاقته الفعلية كثيراً.

وعلى الرغم من احتواء الألبوم الأول للفرقة على بعض الأغاني الجيدة، مثل: "منذ الأزل" و"روح"، فهي تفتقد في التجارب السابقة لبعض الملامح الخاصة، التي تجعل "سفر" تتميز عن باقي فرق الروك السورية التي عاصرتها وحققت نجاحاً أكبر، مثل "جين" و"كلنا سوا"؛ وهو ما وجدته في "يا ويل ويلي".

المساهمون