"طريق الحرير"... عالمٌ يدور خارج الدولة وسوقها

"طريق الحرير"... عالمٌ يدور خارج الدولة وسوقها

08 يوليو 2021
يظهر أولبريك في الفيلم كأنه بطل ثوري (عن "أمازون")
+ الخط -

يلخّص الشاب الأميركي، روس أولبريك، فلسفته الاقتصادية التحررية بالاقتباس الآتي: "كلّ عملية تجارة تحدث خارج السوق، تضعف الدولة وتزيد قوة الاقتصاد". هذه الكلمات ردّدها عالم الاقتصاد لودفيك فون مايس (1881-1973)، وبقيت أسيرة مخيلة أولبريك، إلى أن قرّر تأسيس موقع "طريق الحرير"؛ أول شبكة تجارية في الـ"دارك ويب (شبكات مشفرة موازية للإنترنت المفتوح تُستخدم في أنشطة عدة منها ما هو غير قانوني)" يمكن عبرها حرفياً شراء "كلّ شيء" من الأسلحة إلى مخدرات، مروراً بالأطفال والقتلة المأجورين. والهدف الحرية للأقصى، والعمل خارج هيمنة الدولة على السوق.
نكتشف مغامرة "طريق الحرير" في الفيلم الذي بث مؤخراً على شبكة "أمازون".

الفيلم الذي يحمل ذات اسم الموقع الشهير من إخراج تيلر راسل، ويستند إلى الحقيقة والمخيلة للإضاءة حياة وفلسفة الشاب أولبريك، الذي، ومن خلال المعادلة الآتية "متصفح تور+ بيتكوين+ موقع على الدارك ويب" تمكن من تأسيس واحد من أكبر مواقع البيع والشراء في السوق السوداء عام 2011. إثر ذلك وصلت ثروته إلى ما يزيد عن البليون بيتكوين، قبل أن يتم إغلاق الموقع من قبل مكتب المباحث الفيدرالية (FBI) عام 2013، ومصادرة الأموال، والأهم، سجن أولبريك مدى الحياة.


نتعرف في الفيلم إلى أولبريك بوصفه عبقرياً، لا يجد المساحة المناسبة لاستثمار عبقريته، وتحقيق حلمه بتغيير العالم، وضمان حرية الجميع القائمة على أساس الوقوف في وجه سلطة الدولة وهيمنتها على الاقتصاد. هو، بصورة ما، قرين مارك زوكربيرغ؛ فكلاهما كان صاحب فكرة رائدة هدفها "الحرية" والتشبيك الأفراد، لكن الاختلاف أنّ زوكربيرغ لم يهدد السلطة مباشرة، أي لم يستهدف الاقتصاد، بعكس أولبريك، الذي ببساطة ينتصر للحرية الفردية حدّ الإجرام. يظهر الاختلاف أيضاً أنّ زوكربيرغ يراهن على العلنية والترويج للأنا بوصفها سبيلاً للحرية، أما أولبريك فيرى أنّ السرية التامة المرتبطة بالتجارة في السوق السوداء هي ما تضمن الحرية من دون أي حدود.

لا يمكن إنكار الصورة السلبية المرتبطة بموقع "طريق الحرير" والجهود التي بذلت لإغلاقه، ليس فقط بسبب ما يباع ضمنه، بل لنشاطه الاقتصادي غير القابل للتقنين، والأهم أنّ النموذج الذي يعتمده طريق الحرير يهدد الشكل الرأسمالي بأكمله. هذا النموذج أساسه الصدق، أي لا كذب ولا إعلانات، ولا تسويق، فكلّ شيء يعرض بالصورة الأنسب من أجل تلبية الاحتياجات بدقة. وفي حال لم يتم ذلك، فإنّ ردود أفعال وتعليقات "الزبائن" هي ما تضبط النوعية واستمرار العمل، وهذا ما كان سبب انجذاب الكثيرين لهذا "السوق" فلا يوجد ما هو مضلل، والأهم أنّ هناك "الثقة" فطالما هي موجودة، إذاً، عمليات البيع مستمرة. وهنا تبرز أهمية أنّ الباعة والمشترين مجهولون، إذ لا مكان للحذلقة أو الترويج، وفي حال كُسرت الثقة، بطلت الصفقة.
يظهر أولبريك في الفيلم كأنّه بطل ثوري، هدد "الدولة" بالمعنى الواسع، خصوصاً أنّ الممنوعات التي يتم بيعها على "طريق الحرير" تتجاوز الجرائم الفردية (مخدرات، دعارة، سلاح... إلخ)، إذ وصلت إلى ما يهدد دولاً، بأكملها كحالات بيع البلوتونيوم والأسلحة الثقيلة، الأمر الذي لا يمكن أن تسكت أيّ دولة عنه.
رغم كلّ ما سبق، فإنّ ما تحويه حكاية أولبريك من احتمالات، لا يمكن وصف الفيلم بالرائعة الفنية، ولا يمكن مقارنته، مثلاً، بـ"الشبكة الاجتماعيّة" لديفيد فينشر؛ فـ"طريق الحرير" يبدو باهتاً في بعض الأحيان، وأداء الممثلين متفاوت، والقسم المتخيل من الحكاية المرتبط بالشرطي السكير الذي وضع في قسم الجرائم الإلكترونيّة يبدو مصطنعاً، ومحاولة غير متقنة لخلق صراع بين نظام الشرطة التقليدي، والشكل الجديد المرتبط بعباقرة الحاسوب والقراصنة.
ما يثير الاهتمام في الفيلم هو تسليطه الضوء على هشاشة أشكال السلطة الحاليّة، وإمكانية مراكمة الثروة الفردية في عالم الإنترنت، خصوصاً أنّ الفيلم يقارن، بصورة مباشرة أحياناً، بين "أمازون" و"طريق الحرير" فالمساحتان قادرتان على خلق الملايين لأصحابهما فقط، بسبب توفر الفضاء الذي يوفر إمكانية التواصل بين الأفراد، ما يطرح سؤالاً عن طبيعة العالم الذي نعيشه الآن.

هكذا، نكتشف أنّ ضربة حظ واحدة، أو فكرة واحدة (لا داعي لأن تكون عبقرية)، قد تكفي كي يُخلق مليونير جديداً. والصراع في هذه الحالة سيكون مع السلطة نفسها، واقتصادها وقوانينها، التي تصنّف وتضمن توزع الثروة داخل السوق، بعكس ما يريده أولبريك، وهو الاستقلال التام للسوق عن الدولة، كونها في النهاية ليست إلّا جهازاً قمعياً، ومحدداً لحرية الإنسان، وهذا ما تحاول، نوعاً ما، شركة "أمازون" القيام به: التهرب الضريبي، والصعود للفضاء، وتهديد ثروة الدولة نفسها، التي تقف في بعض الأحيان بوجه الثروة الفرديّة، وتحاول تقويضها.

المساهمون