"بعد عدة سنوات"... من يملك حكاية السوريين؟

"بعد عدة سنوات"... من يملك حكاية السوريين؟

24 ابريل 2021
لا دور يذكر لديمة قندلقت في المسلسل (مروان نعماني/فرانس برس)
+ الخط -

كاتبة سورية تعيش في دمشق، تهرب من القصف في إحدى ليالي سنة 2014، فتلجأ إلى أول منزل تصادفه، ليستقبلها رجل خمسيني يخبرها أنه يوم سعدها، وأنها ستحصل على جائزة "نوبل" إذا ما كتبت قصته التي تعود أحداثها لأواخر الثمانينيات، فتبدأ بتدوين القصة التي يسردها بطريقة الفلاش باك البطيء، وتقاطعه بين الحين والآخر بأسئلة سخيفة لا تضيف إلى الحكاية أي نكهة.

شخصية الكاتبة التي لا تكاد تظهر في كل حلقة أكثر من دقيقة، تؤديها ديمة قندلفت التي يتصدر اسمها شارة البداية، ليكون "بعد عدة سنوات" هو مسلسل جديد سُوِّق على اسم قندلفت المنفوخة إعلامياً من دون أن يكون لها فيه دور يُذكر.

وبغضّ النظر عن ترتيب اسم ديمة قندلفت بين أبطال العمل، فإن حضورها عام 2014 تحديداً يبدو غريباً بدوره؛ فما دامت فكرة المسلسل تدور حول سرد قصة حب تعود لعام 1989، فلماذا لا يجري سردها خلال الزمن الحالي؟ هل يحاول صناع المسلسل الهروب من الواقع السوري المنهك اقتصادياً اليوم إلى زمن الصراع العسكري في محيط دمشق الذي كان أكثر استقراراً، كما كان يهرب صناع الدراما بداية العقد الماضي من أجواء الثورة إلى سنة 2010؟

هذا الافتراض يعطي بطريقةٍ ما قيمة للمسلسل لا يمتلكها، ففيه نفترض أن المسلسل يحاول أن يقدم حكاية واقعية يهرب فيها من ظرف تصعب ترجمته درامياً. إلا أن المسلسل يبدو بشقيه: الماضي القريب والماضي البعيد، أبعد ما يكون عن الواقع. فهل يعتبر سرد قصة عن حب المراهقة بين شخصين غريبين يلتقيان صدفة في أثناء قصف المدينة واقعياً؟ بالطبع لا. لكن الأسوأ من ذلك أن الحكاية الرئيسية التي تعود للقرن الماضي تبدو أكثر انفصاماً عن الواقع.

يحاول المسلسل رسم صورة مثالية عن الواقع السوري في الثمانينيات، من خلال حكاية عائلة من الطبقة الوسطى وقصة حب ساذجة للغاية. فوفقاً للمسلسل، كان المجتمع السوري منفتحاً لأقصى الحدود، وليس مثالياً وحسب، بل يناقش القضايا الاجتماعية بلغة العصر الحالي؛ فزواج فتاة في السابعة عشرة ينتقده الجميع. قد تمرّ بعض الشخصيات التي تملك جانباً مظلماً في الحكاية، لكنها شخصيات مكروهة لا تمثل الحالة العامة، وترتكب أخطاءً فردية لتبرر كل التجاوزات والأخطاء التي كانت ترتكبها أجهزة الدولة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

فعلى سبيل المثال، هناك رجل معارض بين شخصيات المسلسل، وهو بخلاف الواقع يتمتع بحريته ويتمكن من الحصول على وظيفة بإحدى الدوائر الرسمية في الدولة. لكن حكاية هذا الرجل المعارض تنتهي مأساوياً بعد أن يُعتقَل ويقضي نحبه في السجن، كما هو حال معظم معارضي نظام الأسد في تلك الحقبة، لكن الفرق أنه لم يعتقل بسبب بطش النظام، ولم يمت تحت التعذيب، بل اعتُقِل بسبب كره الشعب له، ولأن أحدهم لفق له تهمة الاتجار بالمخدرات.

تصوير الواقع الاجتماعي بصورة مثالية في عهد الأسد ليس مشكلة "بعد عدة سنوات" الوحيدة، بل إن المشكلة الأكبر، هي أن حكاية المسلسل برمتها لا تستحق السرد، فهي مجرد حكاية عن حب سطحي في مرحلة المراهقة، يبدأ وينتهي من دون إثارة، ولا تصاحبه سوى مشاهد بكائية رديئة نصاً وأداءً. بالإضافة إلى ذلك، يبدو الإخراج ضعيفاً ومليئاً بالثغرات والأخطاء، فبعض الأزياء تبدو حديثة، ولا تنتمي إلى ذلك العصر، وتظهر في هوامش مشاهد السوبر ماركت منتجات لم تكن موجودة حينها.

فعلياً، لا يمكن توصيف تجربة "بعد عدة سنوات" إلا بكونها تجربة رديئة، نصاً وإخراجاً وتمثيلاً، لكن خطورتها تكمن بأنها تقدم صورة شاملة عن حكايات السوريين في ذلك الزمن، ليضعنا ذلك أمام السؤال: من يملك حكايات السوريين؟ وهل ستصبح الحكايات التي رسمها النظام السوري بالدراما عن هذه المرحلة الهامة مرجعاً لفهم التاريخ يوماً ما؟ ولا سيما أن المعارضة عجزت طوال 10 أعوام عن صنع بديل.

المساهمون