مسلسل "مسافة أمان": الرواية كما يريدها نظام الأسد

مسلسل "مسافة أمان": الرواية كما يريدها نظام الأسد

11 مايو 2019
عبد المنعم عمايري في المسلسل (سالم حاجو/فيسبوك)
+ الخط -
بعد فشل لمسلسل "الواق واق" الذي تم عرضه في الموسم الرمضاني الماضي للمخرج السوري الليث حجو، يعود الأخير هذا الموسم بمسلسل "مسافة أمان". العمل من تأليف إيمان سعيد، وبطولة كاريس بشار، وسلافة معمار، وقيس الشيخ نجيب، ومن إنتاج شركة "إيمار الشام" للإنتاج الفني.

تم التسويق للعمل على أنه لا يتناول الحرب السورية كـ"تيمة" للمسلسل، وإنما يحكي عن مرحلة ما بعد الحرب. وأكد حجو هذا الأمر من خلال تصريحاته في المؤتمر الذي أعلن من خلاله عن بدء مرحلة التصوير في دمشق. وبرر ذلك، بأن مرحلة ما بعد الحرب هي أكثر حساسية وخطورة من مرحلة الحرب نفسها، وأن العمل يرتكز على العلاقات الإنسانية، كالحب والخوف وانعدام الثقة بين الناس، بعد ما مر على البلاد. وعلى الرغم من أن استخدام مصطلح "ما بعد الحرب"، يشبه لحد كبير مصطلحات إعلام النظام السوري كـ"الانتصار" و"انتهاء الأزمة"، إلا أنه كان من الصعب الحكم على العمل بأنه سيحتوي على أي بعد سياسي قبل عرضه، اعتمادًا على تلك التصريحات.
ولكن بعد عرض الحلقات الثلاث الأولى، نرى كمية التكثيف السياسي والترميز الذي سخره صناع العمل لإيصال رسالتهم السياسية التي تخدم بروباغندا النظام. فجميع المشاعر والمخاوف والحبكات الدرامية تعمل على إلقاء اللوم على جميع المعارضين السوريين، سواء في الداخل أو في الخارج، وتحميلهم مسؤولية ما وصل إليه حال المواطن السوري اليوم في الداخل، من تشرد وفقر وانعدام الأمان، دون إلقاء أي لوم على الدولة. ويبدأ العمل بصوت الراوية (شكران مرتجى) التي تسرد ما يلي: "كل يوم بتفيق من النوم وفي بقلبك غصة، ليش فقت وصار معي هيك، ما في شيء بصير صدفة، هي سلسلة أقدار متشابكة بيناتنا. بحياتك فكرت أنو توصل معك أنك تدعم الجريمة كرمال شخص بتحبه، وهاد الشخص يلي بدك تعمل جريمة لأنك بتحبه يا ترى أنت بتحبه عنجد....عايشين بنفس المكان وكل واحد عم يغني على ليله، وبفكر أنو ما دخله بالوجع يلي عم يصير مع التاني".

يعطي العمل انطباعاً عاماً بكره الشارع السوري للمعارضين فيه، الأمر الذي يتمثل بشخصية وفاء موصللي في العمل، والتي تقوم بشتم وضرب ابنها المعارض، وإلقاء اللوم عليه لتغريره بابنها الثاني، ودفعه للخروج في مظاهرات، وهو الأمر الذي أدى إلى اختفائه.

وتقوم موصللي بتذكير ابنها على الدوم بأن أحوال البلد كانت جيدة، وبأن الشعب كان مرتاحاً، إلى أن قام هو من معه بـ"تخريب بلدهم"، فتكرر: "ما كان ناقصنا شيء، أجيتوا أنتوا وخربتوها". والمصيبة أن هذه الكلمات لا تطرح كوجهة نظر من المحتمل مجادلتها، فابنها يكتفي بالصمت وتلقّي الإهانات والندم عند سماعه لهذه العبارات، وكأنه ارتكب جُرماً بالفعل، وليس لديه ما يدافع به عن نفسه.

ولا يكتفي "مسافة أمان" بمهاجمة المعارضين وتحميلهم مسؤولية دمار سورية، وإنما يحاول أن يبرر كل ما ارتكبه النظام من جرائم من خلال تعليقها على شماعة الإرهاب. ويبدأ بالحلقة الأولى بتبرئة النظام من مجازر الكيماوي. فيقدم رواية خاصة وغريبة عن هذه الجريمة، إذ يتهم "الإرهابيين" بتنفيذها، ويتهم المدنيين بالمشاركة فيها. فالمسلسل يبدأ باختطاف زوج بطلة العمل الدكتورة "سلام" (سلافة معمار)، ويقوم الخاطفون بتهديد معمار ومساومتها على حياة زوجها مقابل وضع حقيبة مليئة بالغاز السام الكيميائي داخل المشفى الذي تعمل فيه، لتختار الشخصية المصلحة العامة على مصلحتها الشخصية بعد تردد، وتخبر السلطات بمكان الحقيبة، فيقوم الخاطفون بقتل زوجها. وهنا يظهر العمل النظام والحكومة السورية بطريقة شاعرية، لا تشبه الواقع أبداً. ففي البداية تتهم أجهزة الأمن الدكتورة "سلام" بتواطئها مع الإرهابيين، ولكنهم يقدرون ظرفها ويفرجون عنها بعد يوم واحد، لأنها "إنسانة وطنية غرر بها الإرهابيون"، ولأنهم يقدرون ظرفها.

المساهمون