الدراما السورية... من تبجيل إلى تحقير وسائل التواصل الاجتماعي

الدراما السورية... من تبجيل إلى تحقير وسائل التواصل الاجتماعي

01 يوليو 2019
هاجم نجدت أنزور في "شيفون" وسائل التواصل (Getty)
+ الخط -
منذ أن اندلعت الثورة السورية سنة 2011، كان هناك توجه عام لدى إعلام النظام السوري لتحذير المواطنين من خطورة وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما موقع فيسبوك الذي كان منتشراً رغم حظره في سورية، وذلك بسبب ما لعبته هذه المواقع من دورٍ في ثورات الربيع العربي، وتحديداً في مصر، وبسبب خوف النظام من أهميَّة هذه الوسائل في فضح انتهاكاته. هذا التوجه انعكس في الدراما السورية أيضاً، فخلال الأعوام الثمانية الأخيرة، أنتِجَت عدة أعمال تصور وسائل التواصل الاجتماعي على أنها مصدر الخطر، وتناولت خطورة تلك الوسائل بطريقة سطحيّة لتنفير الناس منها. 

وقبل سنة 2011، كانت الدراما السورية تصوّر التطور التقني ومواكبة وسائل الاتصال الحديثة، على أنها أمرٌ حضاري. وقد تمّ التسويق للتطور التقني على أنه إحدى أبرز إنجازات بشار الأسد الذي تسلم زمام الحكم بعد وفاة أبيه. إذْ صوّر مسلسل "أنت عمري" مثلاً عام 2001 لأيمن زيدان والمخرج هشام شربتجي، أن الابتعاد عن التكنولوجيا يدلُّ على التخلف، وأكَّد على ضرورة إدخال أجهزة الكومبيوتر ووسائل الاتصال الحديثة إلى مؤسسات الدولة، وأنَّ ذلك تحقّق في فترة حكم بشار الأسد، وإن كان ما تحقق على أرض الواقع، ليس له أثرٌ فعليّ في تحسَّن حال تلك المؤسسات. كما كان يتم تصوير الرجل العارف بوسائل الاتصال الحديثة، على أنَّه محطّ إعجاب النساء في عدة مسلسلات مثل: "هومي هون" و"الفصول الأربعة - الجزء الثاني" وغيرها.

وفي عام 2011، قام مُخرج النظام الأول، نجدة إسماعيل أنزور، بإخراج مسلسل "شيفون"، من نصّ للكاتبة هالة دياب. ويتناول المسلسل حياة مجموعةٍ من المراهقين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل دوري. ومن خلال الإنترنت يتواصل معهم زعيم مافيا اسمه "كينغ"، يؤدي دوره الممثل مصطفى الخاني، والذي رمّزه أنزور على أنه عميل صهيوني أو من الاستخبارات الأميركية، إذْ يقوم باستغلال الظروف المادية والاجتماعية السيئة التي يمر بها هؤلاء المراهقون، لتجنيدهم ضد البلد، من خلال خطة ممنهجة. في البداية، يقوم بإقناعهم ببيع المخدرات، وبعد أن يتورطوا، يستغل اندفاعهم، ويحرضهم لتشكيل تجمعات معارضة للدولة، والقيام بثورات. ولا تختلف الرواية التي قدمها أنزور، عن الرواية التي تبنّاها إعلام النظام السوري في تلك الفترة حول نظرية المؤامرة. وكان الهدف من العمل حينها، هو تحريض الأهالي لمنع أولادهم من استخدام الإنترنت.

بعد ذلك، بدأ صناع الدراما السورية يستندون إلى القيم المجتمعية المحافظة والمتشددة لتكريس فكرة خطورة وسائل التواصل الاجتماعي على العائلة السورية، بسبب خطورتها على المرأة. فروّج بشكل واضحة لضرورة منع النساء من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو على الأقل ضرورة ضبط استخدام النساء لهذه الوسائل، كنوع من الحفاظ على العرض أو الشرف. إذْ تناولت العديد من الأعمال الدرامية حالات من الخيانة الزوجية وبيع القاصرات جنسياً كان سببها الإنترنت. مثلاً، في مسلسل "فوضى" الذي عرض في العام السابق، تقوم شخصية "ختام" (إمارات رزق) بإنشاء صفحة لابنة أخيها التي لا تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها على تطبيق، لتزويج الفتيات القاصرات لرجال مقيمين في أوروبا. وخلال تصفحها للموقع، تقع في حب أحد المستخدمين الذي يوهمها بأنّه يعيش في بريطانيا، ويطلب منها أن تترك زوجها ليتزوجها؛ فيخدعها ويستغلّها جنسياً ويسرقها. وبعد ذلك، يعلم زوجها بالأمر، ويقوم بضربها والانفصال عنها، ويلومها المجتمع على فعلتها.

كما تروج الدراما السورية لموقع فيسبوك على أنه مساحة غير آمنة للنشر، وأنّه يُستخدَم في عمليات الابتزاز الجنسي. ففي مسلسل "عن الهوى والجوى" الذي تم عرضه هذا العام، وفي سداسية "ذنب"، تتعرض شخصية "لمى" (علياء سعيد) للاغتصاب من قبل شخص، يقوم بتوثيق فعْلة الاغتصاب بالفيديو. ويقوم بعد ذلك بابتزازها وتهديدها بنشر الفيديو على صفحتها الشخصية على فيسبوك، وإرساله إلى أصدقائها وأقربائها على تطبيق "واتس آب" إن لم تلتزم الصمت، ليتحول جهاز الموبايل الذي كان يلعب دوراً حاسماً بتوثيق المظاهرات ضد الأسد وانتهاكات جنده، و"فيسبوك" الذي كان المنصة الشعبية للثوار في سورية، إلى وسائل اتصال يستخدمها المجرمون لتصوير وقائع لا تعكس الواقع، وتضع الضحية في موقع الاتهام.

أما المسلسلات الكوميدية، فكانت تلعب دوراً مختلفاً. فهي تقوم دائماً بتقليل شأن التطور الرقمي الذي نحن عليه اليوم، وتسخيف وتحقير كل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، أو يعتبرها من أساسيات حياته اليومية، وتصورها على أنها مضيعة للوقت وثرثرة ليس لها قيمة. ففي مسلسل "ببساطة" الذي عرض في بداية العام، هناك كم هائل من اللوحات التي حاكت التقنيات الحديثة بشكل سطحي، كحلقة "سفرة ولايك"، إذْ تقوم الشخصيات حول مائدة الطعام بتصوير أطباق الطعام، طيلة الوقت دون أكله، بهدف الاستعراض فقط. وفي حلقة "خطبة"، يتم تصوير الشباب اليوم، على أنهم شباب سخيف بسبب التكنولوجيا، إذْ يطلب شاب الزواج من فتاة، ويتباهى بأنه "يوتيوبر"، وتتباهى الفتاة بأنها "فشنيستا"، وتتم السخرية من المصطلحات الجديدة التي رافقت التطور التقني، وانتقادها بشكل فاقع، لتعمّم اللوحة بعض المفردات السطحية.

المساهمون