أغاني وداع رمضان: "يا بركة خليكي في الدار"

أغاني وداع رمضان: "يا بركة خليكي في الدار"

02 يونيو 2019
يردد المسحراتي عبارات وداع رمضان (فرانس برس)
+ الخط -
في أيامه الأخيرة، يكثر الحديث عن "لوعة" فراق شهر رمضان الذي أوشك على الانتهاء. ومنذ زمن بعيد، تسربت هذه "اللوعة" إلى الفنون الشعبية إنشاداً وغناءً. وقد كان معلوماً أن معظم الأغاني والقصائد والابتهالات الدينية التي تُنشد في أواخر هذا الشهر تبدأ عادة بمطلعٍ واحدٍ معروف يقول: "لا أوحش الله منك يا شهر الصيام/ رمضان"، ولذلك سميت هذه الأقوال والأغاني والابتهالات بـ "التوحيش" دلالة على الوحشة التي يشعر بها الناس لمفارقة شهر رمضان. لدرجة أنهم يسمّون آخر جمعة في ذلك الشهر بالجمعة اليتيمة أو الحزينة، لأنها لن تتكرر إلا في العام المقبل.

اعتاد المسحراتي أن يعيد على مسامع الناس في أواخر رمضان عبارات وداع الشهر، ويتفنن في أدائها. فقد أوشك الشهر أن ينقضي، بما تضمّنه من أجواء عامرة بالمحبة والتواصل والخشوع. ومما يردده المسحراتي في تلك الليالي: "لا أوحش الله منك يا شهر..."، ثم يضيف بعد كلمة شهر ما يناسبه من صفات؛ فتكون: شهر الصيام، شهر القيام، شهر الولائم، شهر العزائم، شهر الكرم والجود، شهر التراويح، شهر المصابيح... إلخ. وهي نفس العبارات التي كان يرددها المؤذنون على المنابر في الأيام الأخيرة من رمضان. وفي نهاية الشهر، يطوف المسحراتي على بيوت الناس يتقاضى منهم أجره على إيقاظهم لتناول السحور طوال الشهر.

يذكر الكاتب فؤاد مرسي في كتابه "معجم رمضان" أن المجتمعات الشعبية لم تكتف بإنشاد التوحيش مظهراً لتوديع رمضان، وإنما أضافت إلى ذلك مظاهر احتفالية أخرى. ففي واحة باريس في الوادي الجديد، رصد الباحثون في التراث الشعبي الأهالي وهم يقيمون مأدبة وداعية، وبعد أداء صلاة العشاء والتراويح يتحلّقون في جانب من المسجد للإنشاد الاحتفالي، وكان من بين إنشادهم:

"شهر الصيام مفضل تفضيلا/ أنويت من بعد المقام رحيلا

قد كنت شهراً طيبا ومباركاً/ ومبشراً بالعفو من مولانا"

بالله يا شهر الهنا ما تنسنا/ لا أوحش الله منك"

كما أن أطفال بعض القرى في الواحات البحرية يقيمون، في آخر الشهر، مأدبة إفطار جماعية وداعية، استمراراً لتقليد يسمّونه "الضهور"، يتناول فيها الأولاد وجبات مشتركة. وفي هذه المناسبة الوداعية يقيم الأطفال قبة صغيرة من الطوب تتسع لما جلبوه من الطعام، حيث يضعونه بداخلها ثم يشرعون في الطواف حول هذه القبة وهم ينشدون بفرح:

"يا رمضان يا شريف/ يا لابس التوب النضيف

لا إله إلا الله يا جنوده/ القطة خطفت الفروجه"

وإذا كان الأطفال يغنون منذ بداية الشهر فرحاً بلياليه الساهرة التي تكسرت معها رتابة الحياة، وأضاءت بفوانيسهم بعد ظلام، وبما تضمّنه الشهر من خير وتواصل، فإنهم في نهاية الشهر أيضاً يغنون له ولوداعه، ومن أغانيهم:

"يا رمضان يا ابو صحن نحاس/ يا داير في بلاد الناس

سقت عليك أبو العباس/ تخليك عندنا الليلة"


انسحبت فكرة وداع رمضان على الأغاني العربية، فمن أشهر الإبداعات في هذا الغناء موّال للمطرب الشعبي محمد طه، بعنوان "رمضان مروّح"، وفيه يقول: "رمضان مروح وجايب لنا عيده/ وعودي يا ليالي الهنا نور النبي يعيده/ وتعود علينا وعليكو بخير ولا يخلف مواعيده". كما غنت وردة الجزائرية من كلمات فتحي قورة ومن ألحان فؤاد حلمي أغنية "في الليالي الحلوة". ومن كلماتها: "اللي نوَّر نُور هلاله والقلوب حنت إليه / شوف جماله وقولي ماله.. ليه بيجري بسرعة ليه؟!".


كما غنّى كارم محمود: "لا أوحش الرحمن منك قلوبنا/ لا أوحش الرحمن منك بيوتنا". وغنى محمد رشدي "يا بركة رمضان خليكي.. خليكي في الدار". أما أشهر الأغنيات في وداع رمضان على الإطلاق وأكثرها استماعاً؛ فهي أغنية "تم البدر بدري والأيام بتجري/ والله لسه بدري والله يا شهر الصيام" لشريفة فاضل، وهي من كلمات الشاعر عبد الرحمن مصطفى وألحان عبد العظيم محمد.


أيضاً ارتبطت الابتهالات الدينية بصلاة الفجر كل ليلة، وفي الأيام الأخيرة يقوم المبتهل بإنشاد توحيشات رمضان قبل أن يؤذّن لبداية صيام الليالي الأخيرة. ومن بين الابتهالات التي احتفظت بها الإذاعة المصرية ابتهال بعنوان "السلام عليك يا شهر الصيام" للشيخ طه الفشني، وابتهال "يا عيون جودي بالدموع وودعي شهر الصيام" للشيخ محمد عمران، وابتهال "وداعاً أيها الشهر الحبيب" للشيخ النقشبندي وغيرها.

دلالات

المساهمون