"قابيل"... قاتل يقتبس جرائمه من هوليوود

"قابيل"... قاتل يقتبس جرائمه من هوليوود

29 مايو 2019
مط المخرج الأحداث إلى 30 حلقة بطيئة (فيسبوك)
+ الخط -
قبل عدة أشهر عرض فيلم "عيار ناري" للمخرج كريم الشناوي في الصالات السينمائية. إلى جانب الجدل الذي أثاره حول تناوله لبعض أحداث الثورة المصرية، كانت المشكلة الكبرى هي ضعفه على المستوى الفني؛ من حيث الإيقاع البطيء والتمثيل الآلي والصورة القاتمة من دون روح. نفس تلك العوامل تتكرّر مرة جديدة في المسلسل الأول لنفس المخرج والذي يحمل اسم "قابيل". ورغم بذور أفكار جيدة -حتى لو كانت مكررة- في حبكة المسلسل وأجوائه، إلا أنه يعاني منذ حلقاته الأولى من البطء والتكلُّف البصري والتمثيلي. 
تبدأ أحداث المسلسل بصفحة في "فيسبوك" تحمل اسم "قابيل"، تنشر صوراً لجرائم قتل متتابعة وغامضة، ويكون أول ضحاياها سما (أمينة خليل) ثم آدم (محمد فراج). يتولى التحقيق في القضية الضابط طارق (محمد ممدوح)، الذي يعاني من هلاوس بصرية وتخيل أشخاص غير موجودين إثر تعرضه لصدمة موت زوجته. ومع محاولته تجاوز أزماته لحل القضية، تزداد الأمور تعقيداً حين يقتل قابيل رجل الأعمال حمزة الكومي (أحمد كمال)، غريم طارق والمسؤول -من وجهة نظر الأخير- عن قتل زوجته بسبب نشاطه الإجرامي، وإثر عدة مصادفات غريبة وغير منطقية يتم اتهام طارق بقتل الكومي، لتصبح قضية "قابيل" أمراً شخصياً يسعى فيه لتبرئة نفسه والخروج من أزماته.
يبدو الشناوي، في كلا عمليه، مغرماً للغاية بأفلام الـ"نوار" في السينما الأميركية؛ حيث الأجواء القاتِمة على خلفية جريمة ملغزة، وشخصية بطل/محقق ذات ماض شخصي يؤثر على تصرفاته. وحتى نمط الشخصيات المساندة وطبيعة العلاقة بينها. لكن الشناوي لا يأخذ من تلك النوعية إلا السطح؛ سطح الصورة وسطح التفاصيل، من دون أي روح حقيقية للشخصيات أو إيقاع مشدود للأحداث. فرغم "الإثارة" المفترضة في مسلسل يبدأ بجرائم قتل، إلا أن الحلقات نفسها بطيئة للغاية، والمشاهد طويلة من دون أن تضيف للأحداث إلا أقل القليل، ما ينقلنا للنقطة الأهم: هل الأحداث التي شاهدناها في 23 حلقة معروضة حتى الآن تحتمل أن تكون مسلسلاً؟ أم أنها فيلم جرى مَطّه لآخر مدى كي يصنع 30 حلقة؟
الحقيقة أن قصة "قابيل" هي مادة لفيلم مدته ساعتان ولا يمكن أبداً أن تخلق 15 ساعة درامية! حتى في شكل بناء أحداثه التي تنقسم لجزئين: 15 حلقة أولى يبحث فيها الضابط عن لغز الجرائم (وتعاني للغاية من غياب الأحداث والمحاور الدرامية) ثم "انقلاب درامي" ضخم بكشف حقيقة "قابيل"، وتحول العمل لسباق قط وفأر بين الضابط والمجرمين، وبعيداً عن الكثير من مشاكل المنطق والدوافع لكل ما يحدث على الشاشة من أحداث، لكن المشكلة الكبرى -بمنظور المتعة والتسلية حتى- أننا نغرق تماماً بعد ذلك الانقلاب في مشاهد "فلاش-باك" وأحداث من الماضي على مدار الحلقات من دون أي إضافة! كان كافياً مثلاً أن نعرف معلومة أن سلمى (بسنت شوقي) زوجة آدم كانت تخونه مع شخص آخر، من دون أن نرى ذلك في مشاهد طويلة على مدى أربع حلقات أو أكثر! يكفي أن ندرك بالحوار ألم سما من تعرضها للتحرش عن طريق مديرها من دون العودة لتلك الفترة أكثر من مرة دون أي معلومة درامية جديدة أو تفصيل آخر له علاقة بالشخصية! ولكن هذا اللغو البطيء والممل والذي يقتل الإيقاع حتى بالنسبة لصراع الحاضر يحدث لأنه لا يوجد ما يكفي في القصة لصنع مسلسل! 
من ناحية أخرى، يتأثر (أو يقلد) الشناوي ببعض مخرجي السينما الأميركية، لدرجة تضر المسلسل لأنه يلوي الأحداث ويحركها نحو تقليد (أو "تحية" كلفظ إيجابي) مشاهد أو تفاصيل يحبها. أكثر من تأثر بهم بشكل واضح هو ديفيد فينشر؛ فإلى جانب القالب العام لاثنين من المحققين يبحثان في جرائم قاتل متسلسل (بشكل شبيه بـ Se7en ومسلسل Mindhunter)، هناك شخصية سما التي تبدو خليطاً من بطلتي Fight Club وThe Girl with Dragon Tattoo، مع لقطات ومشاهد محددة مكررة من الفيلمين في المسلسل، وصولاً لشكل بناء الكشف عن اللغز والحل في المنتصف، مثلما فعل فينشر في Gone Girl وقلب السؤال الدرامي من "من فعل؟" لـ"ماذا سيحدث الآن؟".
لكن المشكلة أن ذلك التأثر يظهر كتأثر هاوٍ أو محب للأفلام أكثر منه صانِعاً يدرك ما يحتاجه مسلسله وما يصلح له، والنتيجة أن "قابيل" للوهلة الأولى يبدو عملاً جاداً ذا شكل بصري مختلف عن الدراما المصرية، ولكن يكفي مشاهدة عدة حلقات لإدراك أنه لا يوجد شيء فوق هذا السطح غير تكرار أنماط أفلام "النوار" والجريمة الأميركية، الفارق فقط أنه بدلاً من ساعتين مشدودتين يتم مطها هنا إلى 30 حلقة بطيئة!

المساهمون