صانع الأحلام: خيال علمي عربي مُشترك

صانع الأحلام: خيال علمي عربي مُشترك

20 فبراير 2019
من بداية تصوير المسلسل (تويتر)
+ الخط -
تستقي الدراما تأثيرها الواسع من المزج بين الواقع والخيال، وحيث تقف الدراما العربية في صف الطروحات الواقعية، تظل التجارب التي تمردت وسافرت للخيال محدودة. فما زال الجمهور، ولا سيما الشاب منه، يفصل بين الدراما المحلية والأجنبية كونه يجد في دراما الخيال العلمي منتجاً غربياً بحتاً، سيقع في فخ الفشل إذا ما صُنع عربياً. لكن قواعد المشاهدة تغيرت بعد دخول نمط المسلسلات الأجنبية العالم العربي بكثرة خاصة بعد انتشار شبكة نتفليكس عالمياً، ما رفع من نسبة التجارب الدرامية العربية القائمة على الخيال العلمي والافتراضات اللامنطقية.
وهذا ما شكلّ دافعاً لانتقاء رواية "قصة حلم" لتكون سيناريو مسلسل اسمه "صانع الأحلام" أوكلت مهمة كتابته للسيناريست السوري بشار عباس، في شراكة ثانية مع المخرج محمد عبد العزيز بعد مسلسل "ترجمان الأشواق" الذي عانى من تأجيل موسمين على التوالي.
أما الإنتاج، فكان من حصة مفيد الرفاعي العائد للدراما بعد تعثر في السنوات الأخيرة وقلق من المغامرة، عبّر عنه في انطلاق المؤتمر الصحافي للمسلسل مساء الإثنين في فندق The Smallville في بيروت؛ حيث صنف المادة الدرامية بالجديدة كلياً، وهذا ما يربك البعض بنظر الرفاعي، لكنّه بالمقابل لا يلغي فكرة الشغف في الإنجاز.
يقوم المسلسل على قصة باحث وعالم فيزيائي يتمكن من خلال أبحاثه عبر الدمج بين طب الأعصاب وفيزياء الكم في تطوير طريقة تجعله قادراً على التأثير في أحلام الآخرين، ما يؤدي إلى دخوله حرباً عاصفةً أكبر مما يتوقع وتغييره لمسار حيوات مجموعة من الشخصيات يلعب أدوارها كل من: طوني عيسى وجيسي عبدو من لبنان، أروى جودة ومي سليم من مصر، رنا ريشة وجهاد سعد من سورية. عدد شخصيات ليس بالكبير يناسب بنية مسلسل الخيال العلمي يقوم على بطولة الفنان السوري مكسيم خليل المغامر دوماً في دخول تجارب جديدة، إذ سبق وقدّم أول تجربة في مسلسلات البان آراب عربياً مع الفنانة اللبنانية سيرين عبد النور من خلال مسلسل "روبي".
مكسيم خليل عبّر، في حديث إلى "العربي الجديد" عن سعيه إلى تقديم تجربة مختلفة من ناحية الطرح، تقوم على بطولة مشتركة بين النص والإخراج والممثلين والفنيين، فهو ليس عملاً درامياً يقوم على البطولة المطلقة بنظر مكسيم أو يبنى لاسم نجم معين، بل شراكة طورّت لتصل إلى هذه الصيغة، والتي إن حملت المغامرة، فهي تأتي بناءً على انتشار هذه النوعية من الأعمال في السنوات الأخيرة، خاصة في ما بات يعرف بالدراما النفسية، من دون الخروج من نطاق الخيال العلمي الذي يشكل الفرضية الأساسية للعمل.
يعتبر مكسيم خليل المسلسل قائماً على مجموعة من الأبعاد، أبرزها النفسي والفانتازي، مع وجود مجموعة من الرسائل الإنسانية ضمّنت في تقاطع الشخصيات مع بعضها البعض. فالإعلان الأول للعمل يكشف عن خيال خصب بناه المخرج محمد عبد العزيز عبر افتراضات غير منطقية من ورد محترق إلى حمام سباحة في السرير، ما يدفع عين المشاهد للغرق في الدهشة والاستسلام لعدة للحظات أمام الصورة الجديدة كلياً في الدراما العربية.
مكسيم الذي رفض التصنيف التجاري للأعمال بناءً على جماهيريتها، حيث غيرت مسلسلات التسعين حلقة نمط المشاهدة بحسب قوله، عدّ الجماهيرية ليست المعيار الحقيقي اليوم بل ذكاء الجمهور في المتابعة، فما يقدمه اليوم في "صانع الأحلام" نوع من الدراما له جمهور يحبه وجمهور لا يحبه بالمقابل.
من ناحية ثانية، صرّح المخرج محمد عبد العزيز، في حديث إلى "العربي الجديد"، بأنه فضّل عدم الكشف عن تفاصيل المسلسل منذ البداية، واتفاقه المسبق مع شركة الإنتاج على عدم التسويق بشكل تجاري للعمل، مصنفاً عمله الدرامي الثاني والأول من الناحية العربية بالمختلف ولكنه بذات الآن يجذب الجمهور المتنامي لمتابعة هذه النوعية من الأعمال. ورغم تقاطع العمل مع روح اعتاد عليها الجمهور في الأفلام الأجنبية، إلا أنه لا يقوم على الاقتباس أو التعدي على ملكية أفلام آخرى من حيث اللقطات أو التصورات، حيث دافع عبد العزيز عن منتجه الإخراجي واصفاً إياه بـ "الأصيل" القائم على مستويين الأول يصب في الخيال العلمي والثاني في الروائي.

تتشابك خيوط العمل بحسب المخرج في شخصية الدكتور سامي عمران والتي يؤديها مكسيم خليل، ومن خلالها تتحقق بنية سردية في العمل تخالف معطيات السوق التجاري دون أن تشّذ كلياً عنه، بل عبر البحث في الزوايا الحادة جداً عن نقاط إيجابية بحسب تعبير عبد العزيز الذي يجد في المسلسل نقاط جذب قادرة على استقطاب شرائح منوعة من الجمهور دون الوقوع في السطحية.
يقدّم المسلسل في بطولته الفنانة المصرية أروى جودة لأول مرة في عمل عربي مشترك، وقد وصفت التجربة بالمجنونة مع تحدٍ كبير يعيشه الجميع فيما بينهم ويتحدّون خيالهم في نفس الوقت، وتشاركها الرأي الفنانة السورية رنا ريشة التي تجد في التعاون الفني مع زوجها المخرج محمد عبد العزيز علاقةً مهنية بين مخرج وممثلة، مشيدة بطريقة عمله في البحث بتاريخ الدور والعوامل التي تصنع بريقها، وكيف يمكن أن تؤثر في الجمهور. وهذا ما يحقق هارموني بين عناصر العمل الفني رغم اختلاف اللهجات. 
السؤال هل يحمل النص الروائي المطوّر في "صانع الأحلام" إلى صيغة تلفزيونية درامية مع توليفة إخراجية سينمائية رؤية مقنعة لتحقيق المتعة والإدهاش؟

دلالات

المساهمون