"باكوراو": القرية والطبق الطائر

"باكوراو": القرية والطبق الطائر

05 ديسمبر 2019
يتحرك العمل بين خمسة أنواع سينمائية (مهرجان روتردام الدولي)
+ الخط -
لعلّ فوز فيلم Bacurau، للبرازيلي كليبير ماندوزا فيلو، بجائزة لجنة التحكيم، في الدورة الـ72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي، كان مفاجئاً، نظرا إلى جرأته ومخاطرته اللذين ينتهجهما في أسلوبه السينمائي. لكن الاستغراب يخفّ، لحصوله على الجائزة مناصفة مع "البؤساء"، للفرنسي لادج لي، ولأنّ "السعفة الذهبية" ممنوحة لـParasite، للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو. 

لذا، تُحلَّل المسألة انطلاقاً من مزاج عام، سيطر على لجنة التحكيم، برئاسة المخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليس إيناريتو. فرغم الاختلاف الأسلوبي الشديد بينها، تتناول الأفلام الثلاثة تلك مواضيع متقاربة، عن الصدام والصراع والعنف كردّة فعل، إزاء الاختلافين الطبقي والثقافي، والقهر السلطوي.

بعيداً عن الجانب الفكري ـ السياسي فيه، فإنّ Bacurau عمل سينمائي بحت، يتعلّق بالطريقة الفريدة التي يدمج بها أنواعا سينمائية مختلفة، بشكل متكامل، يجعله جديراً بالمشاهدة، ومُثيراً للانتباه، وإنْ لم تكن النتيجة النهائية بالقوة نفسها لأسلوبه.

أول نوع يسمّيه منظّرون سينمائيون Cultural Drama، المقصود به التعبير عن "ثقافة" مغايرة، وهذا يحدث في الـ30 دقيقة الأولى: قرية برازيلية صغيرة جدا (Bacurau)، لها عادات وتقاليد مختلفة عن العالم المعاصر، وتُقام فيها حاليا مراسم وداعية لجدّة إحدى فتياتها.
بانسيابيةٍ، تحدث تفاصيل غريبة تنقل الفيلم إلى خليطٍ من "الخيال العلمي" و"الفانتازيا"، إذْ تختفي القرية تماما عن الخرائط الإلكترونية، وتتوقّف شبكات الاتصال عن العمل، قبل ظهور "طبق طائر" صغير، أشبه بذاك الذي يظهر في أفلام "الكائنات الفضائية"، يحوم حول المنطقة، بالتزامن مع اختفاء بعض سكّانها، ووصول غريبين عنها، لا يُعرف ماذا يريدان، وما هي خطتهما.

المفاجأة أنّ الغريبين ينتميان إلى مجموعة أكبر، جاءت إلى تلك المنطقة لممارسة ما يُشبه اللعبة المشهورة Pubg، أو Battlegrounds، حيث يتّخذ كلُّ لاعبٍ شخصيةً، وبهدف البقاء على قيد الحياة، يقتل أكبر عدد من الشخصيات الأخرى. بهذا، يقترب الفيلم من سلسلة Hunger Games، لكن بأسلوب أكثر قتامة، ملامساً أفلام الرعب، على مستوى إيقاع المَشَاهد، ومساحة الترقّب، والمفاجأة، والخضات في لحظات مختلفة.

لا يتوقّف التجريب أو الدهشة عند هذا الحدّ. فمع فهم أبعاد الحبكة في منتصفه، ينتقل الفيلم إلى مرحلة تعامل أبناء القرية مع هذا الاعتداء، ما يجعل الأحداث تنساب أكثر نحو "قصّة" تقترب من "الساموراي السبعة"، إذْ يستعين هؤلاء بمقاتلين، ويُشكّلون خططا لمواجهة المعتدين، الذي يرغبون في قتل أكبر عدد منهم. مع الأساليب المعتمدة، وأشكال المَشاهد، يبرز نوع "أفلام الغرب الأميركي"، المستمرّ بإيقاعٍ مشدود من العنف والتحوّلات غير المتوقّعة، شكلا وأسلوبا، حتى النهاية.

أخيرا، لا يبقى من الفيلم شيئا كثيرا على مستوى الجوهر، فهو مباشر في تعبيره عن صراع أطرافه، وعن أبعاد الفجوة الثقافية بين دول أميركا اللاتينية والغرب، وهذا أساسي في استقباله.
مع ذلك، فالفيلم عمل سينمائي غريب وغير متوقّع، يتحرك بين خمسة أنواع سينمائية بذكاء وحرية، فيفاجئ ويُدهش في لحظة قلّت فيها المفاجأة والدهشة.

دلالات

المساهمون