الموسيقى ووسائل التواصل: واقع افتراضي يؤثّر في الواقع الحقيقي

الموسيقى ووسائل التواصل: واقع افتراضي يؤثّر في الواقع الحقيقي

24 سبتمبر 2018
سميرة سعيد (Getty)
+ الخط -
في السنوات الأخيرة، زاد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. ظهرت شخصيات كثيرة، تملك قاعدة جماهيرية أكبر من القاعدة الجماهيرية لأي فنان أو مطرب. وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، كفيلة بالنجاح والوصول للشهرة والمال، دون الوقف عند جودة المنتج، أو ماهية ما يقدمه هذا الشخص. وبالطبع، كان التأثير متبادلاً بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي. من ضمن تلك الجوانب، كانت الموسيقى. أثرت السوشيال ميديا في نجاح أغانٍ، وفشل أغان أخرى، أو في إعادة إحياء أغانٍ لم تلق نجاحاً في وقتها، أو في تقديم أغان كنوع من أنواع السخرية. نحاول هنا رصد أهم مظاهر هذا التأثّر، ومدى تأثيره على الموسيقى، وإذا ما كان ذلك يصب ذلك في مصلحة الموسيقى بالإيجاب أم بالسلب. 
بعد ما عاشته مصر تحديداً، والوطن العربي عامة، من "ربيع عربي"، أصبح جيلنا منهكاً من آثار ما حدث من أضغاث أحلام. فكانت صفحات "الكوميكس" هي الأهم في السنوات الأخيرة، والأكثر متابعة على مواقع التواصل الاجتماعي. قام كثير من الناس بإعادة تقديم أغانٍ معينة على شكل كوميكس، بتركيبها على مشاهد من أفلام أو مسلسلات، وكان ذلك بمثابة إحياء لهذه الأغاني، وإعادة تذكيرٍ الناس بالأغنية. رغم إن الكوميكس يقوم بالأساس في أغلب الأوقات على الوقوف على نقاط الضعف في تلك الأغاني، أو الجمل غير المنطقية، أو الكلمات التي لا تتوافق مع اللحن. فنجد اللحن الراقص تصاحبه كلمات حزينة. إذن، هي إعادة تقييم وإحياء للأغاني والموسيقى التي لازمتنا في الطفولة أو في مراهقتنا أو حتى المعاصرة. وعلى الرغم بأنَّه نقد ساخر، إلا أنّه أدى إلى نجاح تلك الأغاني، أو إعادة اكتشافها، مثل ما حدث أخيراً مع أغنية حكيم جاني، والتي بدأ الناس استخدامها على فيديو كليب "This is America". هذه الحركة أدت إلى إعادة إحياء تلك الأغنية، التي لم تنجح في وقتها، في ظل النجاح الساحق للأغنية الرئيسية في نفس الألبوم "افرض". كل ذلك، جعل حكيم يقرر تقديمها في حفلاته العامة أو في الأفراح، أي أن وسائل التواصل الاجتماعي أجبرت الفنان على أداء أغنية منسيَّة.


وساهمت وسائل التواصل في إعادة نشر أغانٍ صدرت قبل سنوات، مثل أغاني التسعينيات والثمانينيات، وحالة النوستالجيا التي عاشت فيها وسائل التواصل لفترة طويلة. أيضاً فتحت وسائل التواصل الأجتماعي، المجال لوصول أصوات كثيرة للجمهور، رغم إن هذا تأثير إيجابي أدّى إلى ظهور أصوات كثيرة جميلة، لكن، لهذا الأمر تأثيرٌ سلبي، في ضياع فكرة التجربة، والاكتفاء بإعادة غناء الأغاني القديمة، والإصرار على توضيح جماليات الصوت الطربي، دون التفكير في تقديم شيء جديد، والمغامرة مع الأغنية وشكلها وأدائها.



أيضاً كان لمواقع التواصل الاجتماعي تأثير واضح على موضوعات الأغاني، والتي تحاول نقل ما يثار من قضايا، من فضاء وسائل التواصل الاجتماعي إلى الموسيقى والأغاني. أفضل مثال على ذلك، ما قدمته سميرة سعيد في أغنية من ألبومها القادم، وهي أغنية "سوبر مان"، إذ تشعر لوهلة بأنَّ الأغنية ما هي إلا ترجمة لآراء كثيرة متداخلة ومتشابكة عن الرجل والمرأة منتشرة على مواقع التواصل. أيضاً، أصبحت وسائل التواصل هي المنصة الأولى لتسويق الأغاني، ومتابعة ردود الأفعال بشكل مباشر وصريح، وهذه هي نقطة إيجابيَّة، إذ يمكن لأي فنان معرفة رأي الجمهور بشكل محدد وصريح.



في الفترة الأخيرة، ظهرت أغان قدمت من باب السخرية من أغانٍ أخرى، ولكنها قدمت في شكل جاد، ومكتمل الإنتاج، وبالتعاون مع موسيقيين محترفين. على رأسهم أغنية "أنتِ أي كلام"، والتي غناها تميم يونس بمشاركة آخرين. والأغنية تحتوي على أنواع موسيقية مختلفة مع الاستمرار في ترديد جملة واحدة، وهي "أنتِ أي كلام". هي، ربما، أغنية صنعت للضحك والسخرية، لكنها تحمل كمّاً كبيراً من النقد للكلام الضعيف في الأغاني، ونقد لفكرة تقديم موسيقى المزج. يمكن الأغنية أن تتضمن هذه الفكرة النقدية، حتى ولو من دون قصد صناعها. حققت أغنية "أنتِ أي كلام" نجاحاً كبيراً، وأكدت نجاح هذه الموسيقى القائمة على اللا شيء.



أيضاً هناك أغان تستغل نجاح شكل من أشكال الغناء، مثل المهرجانات. فنجد مروان يونس، يقدم مهرجان "الفرافير"، بصحبة مجموعة كبيرة من الممثلين والفنانين والمطربين ومشاهير وموسيقيين. بالطبع لم يطلق عليه مروان اسم "الفرافير"، حتى لا يصنف ضمن هذه الأغاني البذيئة السيئة موسيقياً، كما يرى أغلب المشاركين في الأغنية، إذ تم سؤالهم عن رأيهم في المهرجانات في لقاء عام. أيضا مروان هو نفس الشخص الذي قام بالتحريض ضد مطربة، حتى ساعد ذلك في حبسها، لتقديمها فيديو كليب كان من وجهة نظره خارجاً عن الآداب العامة. إذن أصبحت الموسيقى وسيلة سهلة لزيادة الشهرة والنجاح على مواقع التواصل الاجتماعي.


أصبحت مواقع التواصل هي السوق الأول، والأكثر فعالية في عالم الموسيقى، وتدريجيا بدأ الجمهور يكتسب وعيا أكثر، لتقييم الموسيقى، واكتشاف وإعادة إحياء موسيقى أخرى عفا عليها الزمن. الجمهور هو الحكم الأول، حتى ولو كان ذوقه محدوداً، وفيه جزء كبير من التحفظ والأصولية في تقبل الموسيقى الجديدة والمختلفة.

المساهمون