"العصر الذهبي الهوليوودي": أفول سريع لـ"الانقلاب الثوري"

"العصر الذهبي الهوليوودي": أفول سريع لـ"الانقلاب الثوري"

20 اغسطس 2018
روبرت دي نيرو في "سائق التاكسي" لمارتن سكورسيزي (فيسبوك)
+ الخط -
تحتفل المجلة الأسبوعية الفرنسية "باري ماتش" بذكرى مرور 60 عامًا على تأسيسها عام 1949. تُصدر، في هذه المناسبة الممتدة إلى العام المقبل، أعدادًا خاصّة، تُقدِّم ملامح من سيرتها المهنية المرتبطة بفرنسا والعالم، وبالتحوّلات الكثيرة لفرنسا والعالم معًا، خلال تلك الفترة كلّها. أعدادٌ خاصّة تمنح الصُوَر الفوتوغرافية ـ الملوّنة وتلك المُلتَقَطة بالأسود والأبيض ـ مساحةً أوسع من الكتابة. صُوَر كثيرة مع تعليقات صغيرة الحجم، ومقالات تُذكِّر وتقول شيئًا من تاريخ مجلة، وتاريخ بلد، وتاريخ عالم. 

التحوّلات كثيرة. الأحداث أيضًا. للسينما مكانها. المجلّد الـ3 في سلسلة الأعداد الخاصة (1949 ـ 2019) يعيد نشر بعض المشاركة الصحافية للمجلة بلحظات سينمائية تُشكِّل منعطفًا تجديديًا في صناعة الفن السابع، وفي العلاقات الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية، التي ستُتابعها السينما وتُنتج أفلامًا عنها ومنها، لا تزال (الأفلام) لغاية اليوم محطّات لافتة للانتباه في الذاكرة الجماعية.

المواضيع كثيرة. لكن "باري ماتش" لن تتغاضى عن إحدى أجمل الثورات الفنية في صناعة السينما: "هوليوود الجديدة". فالسبعينيات الفائتة ـ أي تلك المنبثقة من حروب الربع الثالث للقرن الـ20 وحركات التحرّر المنتشرة في أنحاء العالم، التي تعرف ذروتها عام 1968 ـ تشهد انقلابًا جذريًا في هوليوود لصالح التجديد الإبداعي، والتمرّد على تسلّط الاستديوهات الكبيرة على المخرجين، والذهاب بعيدًا في مقاربة مسائل غير مستساغة سابقًا، كالعنف والنقد الحاد لحرب فيتنام وللإدارة الأميركية في سياستها إزاءها وللعلاقات القائمة بين الناس.. إلخ.



لكن عام 1967 هو الأساس. فيه، يُطلِق "بوني وكلايد" لآرثر بن (1922 ـ 2010) تلك الثورة المنتظرة، بتحريض السينمائيين الشباب (حينها) ضد سلطة الاستديوهات عليهم، التي (الاستديوهات) تعاني حينها "أزمة وحي قاتلة". هذا ما تُذكِّر به المجلة الفرنسية، التي ستُنبِّه إلى كون عام 1970 لحظة النضج المتنوّع لهؤلاء الشباب، وبداية ظهور جيل جديد من المخرجين سيكون لهم دورٌ فاعل في الانقلاب الثوري هذا، والذين "يستلمون زمام الأمور": ويليام فريدكن (1935) وستيفن سبيلبيرغ (1946) وفرنسيس فورد كوبولا (1939) وجورج لوكاس (1944) ومارتن سكورسيزي (1942).

فالأول يُنجز French Connection عام 1971، العام نفسه الذي يشهد واحدًا من أهمّ الأفلام المُساهمة في تفعيل الانقلاب المذكور، وواحدًا من أبرع الأفلام التي تُصوِّر الصراع الرهيب بين الفرد وسلطة المؤسّسات القامعة التي تُطارده كي تقضي عليه بشتّى الوسائل. الفيلم المذكور يحمل عنوانًا لافتًا للانتباه: "مبارزة" لسبيلبيرغ.

بعد ذلك بعامٍ واحد، يُحقِّق كوبولا "العرّاب" (1972)، أول أفلام الثلاثية الشهيرة، التي لن تكتفي بقراءة يوميات رجال "المافيا" الإيطالية في أميركا الطالعة من الحرب العالمية الثانية، لانتباهها الشديد إلى عمق الأواصر العائلية والنظام العائلي المعمول به بين أفراد العائلة الواحدة.

عام 1973، يُقدِّم لوكاس American Graffiti، في محطة بين بدايات اهتمامه بالخيال العلمي عام 1971 مع THX 1138، وانطلاق سلسلة "حرب النجوم" عام 1977. أما آخر "عصابة الخمسة" (كما يوصف هؤلاء)، فهو سكورسيزي، الذي سيصدم صناعة السينما ومشاهديها برائعته "سائق التاكسي" (1976).

لن يكون سهلاً اختصار فعل الانقلاب السينمائي، لما فيه من معطيات تبدأ من علاقة الاستديوهات بالمخرجين، ولا تكاد تنتهي عند الجماليات المصنوعة في مقاربة الحكايات المتنوّعة. فالتذكير بتلك المحطة المهمّة في تاريخ السينما لن يكتمل من دون التنبّه إلى أفعال هؤلاء السينمائيين وغيرهم، قبل تلك المرحلة وبعدها، وهي أفعال منبثقة من قناعات ثقافية وأخلاقية وإنسانية إزاء الحرب والإدارة الأميركية والاجتماع المعقود على العنف والجريمة والاضطرابات الاقتصادية والمالية المختلفة.



لـ"باري ماتش" في عددها هذا تعليقٌ يختزل شيئًا كثيرًا من أحوال هؤلاء المخرجين ومن سينماهم التي تعكس بعض تلك الأحوال: "سينماهم المليئة بالضجيج والغضب تتحدّى الاتفاقيات والترتيب التقني المُحكم، وتكسر ثنائية الخير والشرّ، وتنتفض على النهايات السعيدة". المهمّ أيضًا أن المرحلة تلك ستشهد، للمرة الأولى في تاريخ الفن السابع، انتقال السلطة من الإنتاج إلى الإخراج. لكن الحكاية لن تستمرّ طويلاً: عام 1981، الذي يُنجز فيه مايكل تشيمينو (1939 ـ 2016) "أبواب الجنّة"، سيكون عام نهاية "العصر الذهبي"، الممتدّ بين "سينما المؤلّف" و"نجاحات شبّاك التذاكر"، الموصوفة بـ"الكارثة". ذلك أن الاستديوهات ستستعيد سلطتها، وستفرض نمطّا جديدًا من العمل السينمائي: أفلام ذات إنتاجات ضخمة، تحتاج إلى ميزانيات كبيرة.

المشكلة الأكبر كامنةٌ في أن بعض هؤلاء المنضوين في "الانقلاب الثوري" سيُنجز بعض أبرز أفلام الإنتاجات الضخمة وأهمها، تقنيًا وجماليًا وتجاريًا.

المساهمون