المغرب كواحة سينمائية باهرة

المغرب كواحة سينمائية باهرة

08 يونيو 2018
من "غلادياتور" لريدلي سكوت المُصوَّر في المغرب (فايسبوك)
+ الخط -
في نهاية عام 2014، تمّ قطع طريق للسيارات في منطقة مراكش، لأن شركة أميركية استأجرت 30 كلم لتصوير "مهمة مستحيلة: 5" (2015)، لكريستوفر ماك كاري (تمثيل توم كروز). حينها، تصدَّر الخبر الصحف، وفتّش كثيرون في تاريخ التصوير في المغرب، فاتّضح أن لوي لوميير جاء إلى المغرب عام 1897، وصوّر فيلمًا وثائقيّا قصيرًا بعنوان "الفارس المغربي". كما ظهر أنّ مدير تصوير فرنسيًا يدعى فيرمان أقام في القصر الملكي المغربي عام 1912. 

في خضمّ الجدل الدائر حول تأجير طريق عمومية، اكتشف معظم المغاربة أن السينما يمكن أن تؤمّن دخلًا ماليًا، وأنها ليست "قُبَلًا في الظلام"، كما يُشيِّع حراس النوايا. منذ ذلك الحين، يحاول المغرب استقطاب استثمارات سينمائية أجنبية، بلغت عام 2017 أكثر من 55 مليون دولار أميركي، تراوحت بين تصوير أفلام طويلة وقصيرة ووثائقية ومسلسلات وأشرطة إعلانية أجنبية. في العام نفسه، منح "المركز السينمائي المغربي" 574 رخصة تصوير.
لا يخاف المغرب من الكاميرات الأجنبية. لزيادة الاستثمار، أطلق "المركز السينمائي المغربي" بداية عام 2018 حملة لاستقطاب شركات إنتاج لتصوير أفلامها عبر تسهيلات ضريبية وقانونية، ومساعدات مالية، لتصوير أعمال سينمائية وتلفزيونية. وتتوجّه الحملة إلى المشاريع التي تبدأ ميزانياتها بمليون دولار أميركي وما فوق، على ألا تقلّ المدّة الأدنى المخصّصة للتصوير عن 18 يومًا، بما فيها أيام عمل بناء الديكورات. والجائزة كامنة في استرجاع خُمْس المصاريف.






للحصول على ذلك، يكفي تقديم طلب للمركز قبل بداية التصوير يُبيِّن طبيعة الإنتاج ومدّة التصوير المتوقّعة، وتحديد المبلغ الإجمالي المزمع استثماره في المغرب. خلال 30 يومًا بعد تقديم الطلب، تُمنح الموافقة. في المقابل، يطلب المركز من المنتج السماح له بالاستغلال الثقافي للفيلم داخل المغرب، بعد عام واحد من عرضه التجاري الأول على الصعيد العالمي، والسماح للمركز أيضًا باستعمال مقتطفات من العمل في الحملات الإعلانية التي تروِّج للمغرب كوجهة لتصوير الأفلام.

بهذه الحملة التسويقية، يتصرّف "المركز السينمائي المغربي" كـ"شركة" أكثر منه كـ"مؤسّسة حكومية" بيروقراطية. يتعزّز هذا التوجّه بسمعة راسخة للبلد بفضل تصوير أفلام مشهورة فيه، كـ"عطيل" (1952)، للأميركي أورسون ويلز، الفائز بالجائزة الكبرى، مناصفة مع "بذرة أمل" للإيطالي ريناتو كاستلّاني، في الدورة الـ50 (23 إبريل/ نيسان ـ 10 مايو/ أيار 1952) لمهرجان "كانّ" السينمائي، كما مثَّل المغرب في "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي؛ و"لورانس العرب" (1962)، للبريطاني ديفيد لين (تمثيل: بيتر أوتول وعمر الشريف وأنتوني كوين)، الذي "يؤرِّخ" لخروج الشرق الأوسط من أيدي العثمانيين ووقوعه في قبضة الإنكليز، الذين فهموا الفسيفساء السياسي للمنطقة. هناك أيضًا "الإغواء الأخير للمسيح" (1988)، للأميركي مارتن سكورسيزي، و"غلادياتور" (2000)، للبريطاني ريدلي سكوت.

ما الذي يجعل المغرب جذّابًا للتصوير؟
أولًا: امتياز الجغرافيا. فالمغرب يبتعد عن أوروبا 14 كلم، ولديه روابط جويّة يومية منظّمة وكثيفة وغير مُكلفة بين مراكش ومعظم المدن الأوروبية.

ثانيًا: الطبيعة المتنوّعة بين جبل وصحراء وبحر في أمكنة متقاربة. توفّر هذه المناظر الطبيعية ديكورات ملائمة لأفلام ذات قصص ومواضيع مختلفة، وغالبًا ما تُستخدم القلاع القديمة كديكور جاهز للأفلام التاريخية.

ثالثًا: الأمن. فالدولة مسيطرة تمامًا في هذا المجال. لا تحصل عمليات خطف في الصحراء في المغرب، ويمكن لفريق تصوير أن يتوغّل مئات الكيلومترات في الكثبان الرملية ويعود سالمًا. أحيانًا، يضع جهاز الأمن والجيش معدّات له بتصرّف شركات الإنتاج لتسهيل عملها.

رابعًا: المجتمع منفتح، رغم وجود حالات تشدّد. فالدولة تعتبر حرية النساء وسلامتهنّ خطًا أحمر، والمجتمع لا يخاف الكاميرا الأجنبية. لذلك، فإنّ الحصول على رخص تصوير مسألة سهلة. يتعزّز هذا بسياسة تشجيع التصوير الأجنبي، تحت عنوان "السينما أحسن دعاية لأي بلد".

خامسًا: توفّر تقنيين مهرة في مجالات الديكور والإضاءة والتأطير والمونتاج والمؤثرات. اليد العاملة ماهرة، و"الأسعار" زهيدة، مقارنة بأوروبا. وكلّما زاد عدد المشاريع المصوّرة، زادت المهارات. حاليًا، هناك في مراكش معهد سينمائي مُصنّف ضمن المعاهد الـ10 الأولى في العالم.

سادسًا: توفّر كومبارس بملامح مختلفة وسمات عديدة. ففي منطقة "وارزازات"، الموصوفة بـ"هوليوود أفريقيا"، هناك مغاربة بسحنات متباينة جدّا: شقر وسمر وسود. هذا يوفّر على المنتجين البحث عن كومبارس ونقلهم إلى أماكن التصوير. شهدت سبعينيات القرن الـ20 هجرة كثيرين إلى أماكن التصوير للعمل ككومبارس. هذا أغنى السحنات والملامح، وساهم في تنوّعها. صُوِّرت أفلام كثيرة عن هؤلاء، كـ"في انتظار بازوليني" (2007)، للمخرج المغربي داوود أولاد السيد، علمًا أن الكومبارس عرفوا المخرج الإيطالي بيار باولو بازوليني لسخائه، عندما صوّر أحد أفلامه هناك.

سابعًا: ضوء الجنوب المغربي دافئ، لا ضباب فيه، ويسمح بتصوير لقطات عامة من دون إضاءة اصطناعية. ضوء قوي يبقى وقتًا طويلًا، وهذا يزيد من ساعات التصوير، وبالتالي يقلّص كلفة الإنتاج ومدّته. ضوء طبيعي يجعل الصُوَر مُشرقة ودقيقة من دون ضباب، وهذه ميزة يندر وجودها في مناطق أخرى.

كلّ فيلم يُصوَّر في المغرب يُعتَبَر ربحًا ماليًّا، وفرصة تعلّم للشباب المغاربة، عاشقي السينما.

دلالات

المساهمون