"فوضى": الهامشي والعابر وقد صار بطلاً

"فوضى": الهامشي والعابر وقد صار بطلاً

17 يونيو 2018
الممثلة السورية ديمة قندلفت (فيسبوك)
+ الخط -
كان من الجيد أن تأتي بعض أعمال الدراما العربية في رمضان وقد حملت بطولة الناس العاديين، الهامشيين. دائماً ما كان إنتاج أعمال الدراما العربية يحضر على صورة البطل الواحد. لا يُنكر أن حالات نادرة، طوال سيرة الأعمال الدرامية، جاءت فيها تلك الأعمال حاملة شكل البطولة الجماعية. يمكننا هنا ربط ذلك بحالة العقلية العربية المربوطة بصورة البطل الواحد، والزعيم الواحد، وشيخ القبيلة الأوحد، وشيخ الحارة الواحد، ورب الأسرة الواحد، سيدها ومالك أمرها. ولنا في حجم الأعمال الدرامية المصرية، طوال تاريخها، لخير مثال في ذلك.

لكن هذا العام رأينا أعمالاً لافتة ظهرت فيها أسماء هامشية، وقد صارت قلب العمل وتدور القصة حولها. أسماء لم تكن مشهورة، أو لم تكن معروفة بالقدر الذي يضعها في واجهة العمل، وقد نزلت أسماؤها في ترتيب متأخر في لائحة التعريف بتلك الأعمال. وهي نفسها تلك الشخصيات الهامشية العابرة التي لم يكن أحد يلتفت إليها. تأتي في العمل الدرامي وتمر بلا تنويه في حقها وقد كانت بلا شك تستحقه.

وفي خلال هذا الحصاد النقدي لدراما رمضان هذا العام يمكن التوقف عند شخصيات استطاعت أن تبرز بصمتها وصارت في الواجهة، وهنا أمثلة، وعلى وجه الخصوص من العمل الدرامي السوري الإشكالي "فوضى".

فادي صبيح
هو ليس بطل العمل. لكن كل الممثلين في دراما "فوضى" يدورون حوله. هذا العمل الدرامي من إخراج سمير حسين وكتابة مُشتركة بين حسن سامي يوسف ونجيب نصير. المفروض أن بطل العمل هو الفنان سلّوم حدّاد (راتب)، واسمه مكتوب على واجهة العمل. لكن في ثنايا العمل سنجد غيره من يفعلون ظهورهم. "أبو الخيل" والبعض يناديه بـ "أبو الخير" من فرط الخير والحب والمحبّة التي ينثرها حوله (قام بالدور فادي صبيح "1974"). في مشهد لافت نجد مالك المحل الذي يعمل فيه أبو الخيل وهو يشكو من أن كل الناس الذين يمرون على المحل نفسه لا يسألون سوى عن أبو الخيل. كأنه صاحب المكان الأصلي ما يؤدي هذا لغضب صاحب المكان "يعني ما في في المدنية غير أبو الخيل!"، يقولها صائحاً وغاضباً حين يعود أبو الخيل من مهمة كان يقوم بها خارج المنطقة. وحين يتحدث فادي صبيح عن دوره اللافت في "فوضى" والذي يعكس جزءاً من الـ"فوضى" السوريّة الحاصلة اليوم، يقول عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "والله ما عملنا شي، وهذا فقط من لطفكم". البساطة نفسها التي يتعامل بها فادي صبيح مع تلك التعليقات الكثيرة في الواقع هي البساطة نفسها التي تظهر في تفاصيل الـ "فوضى"، كأنه بتلك البساطة يقوم بوضع ذلك القدر المطلوب من التوازن كي تستقيم تلك الفوضى ولا تصبح طافحة وزائدة عن الحد.

إلى ذلك، سنجد قدرته على الربط بين معظم عناصر العمل. من مزايا هذه الـ"فوضى" ملاحظة أن الدراما هنا لا تسير على نحو مستقيم أو تأتي بقصة كل واحد على نحو منفصل، وكأنه ووجوه متعددة وكل واحد من تلك الوجوه يحكي قصته. لقد ابتعد هذا العمل عن تلك الاشتغالات السهلة البسيطة التي يمكن عن طريقها تمرير أكثر من 30 حلقة بلا أي اجتهادات ملموسة.


أبو الخيل يقع في غرام وصال (ديمة قندلفت)، ووصال هي والدة دانا (هيّا مرعشلي) التي تقع في غرام فارس (سامر إسماعيل)، وفارس هو شقيق زيدان (عبد المنعم عمايري)، وفارس وزيدان، الشقيقان يجمع بينهما حب عجيب ومستحيل، إنهما يُحبّان المرأة ذاتها، فتحية (رشا بلال). يتزوجها الأول ويتم توقيفه اعتباطياً وإخفاؤه قسرياً بعد الزواج، على سيرة أعمال الاعتقال التعسفي الحاصلة تحت مظلة النظام السوري. ليتزوجها الثاني، من غير أن تحصل على طلاقها من الزوج الأول. يعود المغيب أي فارس ليجد حبيبة قلبه وقد تزوجت شقيقه وصارت حاملا. (سيُعرف لاحقاً أن الحمل قد صار بسبب اغتصابها من قبل أربعة أشخاص). يعود أبو الخيل للعب دور الوسيط وحلّال المشاكل. يخترع حلاً لهما وتنتهي المشكلة مؤقتاً. لا تنتهي المسألة هنا، سنجد أبو سامر (أيمن رضا)، وسامر هو الصبي النازح مع أهله ( وكلهم نازحون)، وقد صار يعمل في ورشة أبو الخيل، وسامر هو من يقوم بتوصيل قناني الخمر الأصلية المستوردة لبطل العمل المُفترض (سلّوم حداد) العاشق لأم سيف (نادين تحسين بيك)، وهي نفسها من تقوم بتدريس مادة الفن للصبي سامر. واحدة من جماليات هذا العمل استمرار وجود تدريس مادة الفن وسط كل هذه الفوضى وبين كل هذا الدمار الحاصل. 


هيا مرعشلي
تقوم هذه الفتاة بدور أكبر من عمرها، كأنها تسابق الوقت كي تصير أُنثى كاملة. وهي الشخصية الهامشية/ الأصليّة في العمل. دانا. أو دانة، بحسب نُطق اللسان لاسمها. لو بالإمكان هنا إمساكنا لشيء سطحي فعلته هذه الصبيّة، في أداء دورها سيكون محاولتها تقليد بطلة فيلم "مالينا" (مونيكا بيلوتشي)، وهي تقوم بسيرها على إيقاع خطوات فاتنة لها أن تُسحر كل الرجال القاعدين على طول الشارع وكانت عدسة الكاميرا متركزة على شكل وجوههم وتعابيرها الصاغرة أمام الجمال السائر قبالتها. لكن مع ذلك، وهذا يُحسب لها، صراخها في أكثر من مشهد في مواجهة لمس جسدها والنيل منه، محاولة اغتصابها، من قبل عناصر النظام السوري مرّة، ومرة أُخرى من قِبل أفراد عناصر لا نعرف أشكالهم، لكنهم يقيمون في منطقة النزوح ذاتها ويمارسون أفعال خطفهم في ضوء النهار. وهنا تنطلق صرختها "شووو بدكن". ويمكن اعتبار هذه الصرخة في وجه كل من تسبب في هذه الـ"فوضى". النظام والشبيّحة والعصابات على حد سواء. كما وهناك والدها المخطوف، وهي تبحث عنه طوال العمل. طوال تلك الـ"فوضى" وما تزال قائمة إلى اليوم.

المساهمون