سينما المواجهة

سينما المواجهة

02 فبراير 2018
(Getty)
+ الخط -
يعيش العالم عنفاً متنوّعاً. الناس، في بلدانٍ كثيرة، يُقيمون في خرابٍ لا يُحتمل. هذا واقع. الشاشة الصغيرة تُذكّر دائماً بالعفن والجنون، بينما ترتبك السينما في منح حيّز مختلف، أو فضاء مفتوح على بعض جمالٍ، يندثر يوماً تلو آخر. لكنها لن تعجز، كلّياً، عن ذلك. فهي، بين حين وآخر، تُنتج أفلاماً تذهب بمُشاهديها إلى ضحكٍ أو تسلية، ثم تعود سريعاً إلى تلك الوقائع القاسية، فتنقل شيئاً منها، منتقدةً أو محلِّلة أو محايدةً، وتحاول أن تقول شيئاً مفيداً لمواجهة الخراب وتأثيراته.
عاماً بعد عام، تنهار حكايات وتقاليد، فتبرز حكايات وتقاليد بديلة، لن تكون كسابقاتها بقدر ما تذهب بالعالم وناسه إلى مزيدٍ من الضياع والألم والفوضى والدمار. إزاء هذا، تمارس السينما دور المتابع أو المراقب أو الناقل، من دون التنصّل، في أوقاتٍ كثيرة، من مسؤولياتها كمُنبِّهٍ ـ بصريّ وجماليّ وتأمليّ ـ على المقبل من كوارث أو متاهات أو فوضى أو عفن. فبفضل تاريخها الحافل بالاختبار والتجربة والمواجهة والتحدّي، قادرةٌ هي على رؤية أفضل لأحوال مجبولة بالقهر والتعب والفقدان والغياب والترحال. وبامتلاكها أدوات معرفة وبوح، تسبق الجميع في قول أشياء، تحدث أو ستحدث، مستفيدةً من ماضٍ تاريخي وإنساني مديد، ومتمكّنة ـ دائماً ـ من أن تستلّ منه ما تراه نافعاً لجمالياتها الدرامية والفنية والحكائية.
العالم يغرق في الموت، والسينما ـ رغم كلّ شيء ـ تتمسّك بحياةٍ تصنعها فيحلو العيش ولو لثوانٍ إضافية. تقول ذاكرة وراهناً، فتُصبح المشاهدة فعل عيشٍ ومواجهة. ومع أن الاقتصاديَّ ـ التجاريَّ للصناعة السينمائية غالبٌ، لحاجة الفن السابع إلى أموال، إلاّ أن البصريَّ قادرٌ على إحالة القصص إلى متتاليات تُثير متعاً عديدة في المُشاهدة والتحليل والتأثّر والنقاش. ومع أن أفلاماً كثيرة تُنتَج بهدف التسلية ـ وبعض التسلية مقبول، لكن البعض الأعمّ ساقطٌ في فراغ اللغة، وسطحية المواضيع والمعالجة، وخواء القول ـ إلا أن الصناعة برمّتها تبدو كمن يجتهد، يومياً، لتثبيت توازنٍ بين خراب العالم وجمال الصُوَر، وإن تنبثق صُوَر كثيرة من خراب العالم نفسه.



وفرة الأفلام، وما يؤدّي بصناعتها إلى مزيدٍ من السجال والمواجهة في شتّى الأمور، تتطلّب متابعات أكبر، ومواكبات أعمّ وأعمق، ومحاولات دائمة لتبيان قدرة الصورة السينمائية على صنع كلّ جديد ممكن، إنْ يكن الجديد معقوداً على المعالجة والتمثيل والاستخدام السليم للتقنيات، أو إنْ يكن تكراراً لقديمٍ مقبول، لكن بلغة مختلفة. وفرة الأفلام تعني، أيضاً، وفرة في قضايا تطرحها الأفلام أو تُسبِّبها، في صناعات رديفة، كالمهرجانات والجوائز والتنافس والمواضيع. هذا مطلوبٌ، لأنه يمنح العقل والمتخيّل معاً فرصاً لإنجاح كلّ جديد ممكن في بلوغ مرتبة الإدهاش والمتع.
فهل تتمكّن السينما من تخفيف حدّة الخراب في هذا العالم، المتحوّل، يومياً، إلى مزيدٍ من العفن والموت؟

المساهمون