"مهرجان جونيه": احتفال بالسينما في مدينة بلا صالات

"مهرجان جونيه": احتفال بالسينما في مدينة بلا صالات

22 يناير 2018
تكريم المخرج التونسي لطفي عاشور (الملف الصحافي للمهرجان)
+ الخط -
رغم قلّة عدد الحاضرين، في الأيام الـ3 الأولى على الأقلّ، تمكّن "مهرجان جونيه السينمائي الدولي" في منح دورته التأسيسية (17 ـ 22 يناير/ كانون الثاني 2018) حيّزاً متواضعاً، بفضل جهود منظِّميه، جويل البيطار زند والياس خلاط، اللذين يريدانه نوعاً من تحريضٍ على استعادة المدينة (20 كلم شمال بيروت) جانبها السينمائيّ شبه المفقود. ورغم اكتفاء مؤسّسات، رسمية وخاصّة، ببعض الدعم المتنوّع، تمكّن المهرجان من دعوة سينمائيين عربٍ وأجانب، ومن إقامة عروضٍ متفاوتة المستويات الجمالية والدرامية والإنسانية والثقافية، ومن ترتيب زيارات "سياحية" للضيوف، إلى مناطق مختلفة. 

ومع أن أزمة الكهرباء، المزمنة في بلدٍ يُعاني مآزق شتّى في جوانب مختلفة من الحياة اليومية، تتفاقم يوماً تلو آخر، وتؤدّي إلى توقّف العرض دقائق عديدة؛ إلاّ أن المثابرة على تنظيم دورة أولى جدّية، تمّ إطلاقها في احتفال متواضع، بهدف جعلها لحظة تأمّل في الذاكرة السينمائية للمدينة، الفاقدة صالاتها القديمة، الموزّعة في أحياء ومناطق عديدة، قبل أن تغيب بشكلٍ شبه كامل. وهذا سببٌ لاختيار "المسرح التاريخي" في "المدرسة المركزية" صالةَ عرض، يجتهد متطوّعون شبان على جعلها مكاناً أفضل للمُشاهدة واللقاء.

والمدينة زاخرةٌ بصالاتٍ سينمائية، خصوصاً في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الـ20، قبل أن يُتيح السلم الأهلي الهشّ والناقص، بدءاً من تسعينيات القرن نفسه، مجالاً واسعاً لازدهارٍ، يتمثّل باتّساع رقعة الصالات، السينمائية والمسرحية، قبل أن تخبو هذه الظاهرة، بعودة موزّعين ومستثمرين إلى بيروت ومحيطها، وإلى المراكز التجارية الكبيرة، كي يفتتحوا صالاتٍ، ويعرضوا أفلاماً. بهذا المعنى، يحاول "مهرجان جونية السينمائيّ الدولي" التنبيه إلى أولوية اللامركزية السينمائية، إنْ يصحّ التعبير. وهذه تُترجَم بإعادة بعض الصالات، على الأقل، إلى الحياة اليومية، خصوصاً أن في المدينة مدارس وجامعات، وحركة اقتصادية وتجارية، وحياة ليلية متنوّعة.

أما الأفلام المختارة للمسابقة الرسمية، فتتوزّع على 6 عناوين روائية طويلة و4 وثائقيات، بعضها مُنتجٌ عام 2017، كالمصري "بلاش تبوسني" لأحمد عامر، واليوناني "عيد ميلاد سعيد" لكريستوس جيورجيو، والإيراني "كيس النوم" (بحسب العنوان الفارسي، أو "مكبوت" بحسب العنوان الإنكليزي) لحامد نعمة الله (3 أفلام روائية)، بالإضافة إلى الوثائقي "بلد كالابريا" للثنائي شو آيلّو وكاترين كاتيلاّ. الأفلام الأخرى مُنتجة عامي 2015 و2016، وهذا صائبٌ بالنسبة إلى دورة أولى لمهرجانٍ وليد، غير فارضٍ مكانته، وغير متمكِّن من حثّ السينمائيين على المُشاركة فيه.

لكن الخطوة الأولى كفيلةٌ بإعلان ولادة، وكافية للقول إن جونية داخلةٌ إلى خريطة النشاطات السينمائية المُقامة في لبنان، وجديرةٌ بأن تُساهم في تفعيل العلاقة المطلوبة بين السينما والمدن اللبنانية. انفضاض سينمائيين لبنانيين، ومسؤولي شركات إنتاجية ومؤسّسات رسمية، عن حفلة الافتتاح، دليلٌ على انعدام التواصل بين الجميع، أو على ارتباكٍ أمام انطلاقة مهرجان جديد، خارج العاصمة اللبنانية. علماً أن لطرابلس (شمال لبنان) مهرجاناً تُقام دورته الـ5 بين 19 و26 إبريل/ نيسان 2018 (إلى جانب نشاطات سينمائية مختلفة)، وأن لمحافظة الجنوب (النبطية وصور) نشاطاتها السينمائية، التي يجتهد البعض لتثبيتها، رغم موانع كثيرة.

لافتتاح الدورة الأولى هذه، اختير الفيلم التونسي "غدوة حيّ" للطفي عاشور، المُكرَّم في سهرةٍ مُقامة في اليوم التالي. وعاشور، المسرحيّ ومخرج أفلام قصيرة مختلفة، يُقدِم على تحقيق أول روائيّ طويل له، إثر عودته إلى بلده (مُقيم في فرنسا) غداة "ثورة الياسمين" (17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 ـ 14 يناير/ كانون الثاني 2011). و"غدوة حي" يغوص في أعماق تلك الحالة العامة، عبر مسارات 3 شخصيات، تستعيد تلك "اللحظات المجيدة"، بعد أعوام عليها.



المساهمون