"أبطال" مُشتَبه بهم... كلينت إيستوود يستعيد حادثة "تاليس" الفرنسية

"أبطال" مُشتَبه بهم... كلينت إيستوود يستعيد حادثة "تاليس" الفرنسية

17 يوليو 2017
كلينت إيستوود (كريستين بوجولا/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أقلّ من عامين على وقوع الحادثة، تمّ الإعلان الرسمي عن اقتباس وقائعها في فيلم سينمائيّ، يُخرجه الأميركي كلينت إيستوود (1930)، لحساب "وارنر براذرز". وبعد عام واحدٍ على الحادثة نفسها، صدر كتاب ألّفه "أبطال الموقعة" الـ3، بالتعاون مع صحافي أميركي، رووا فيه حكايتهم. 

حدث هذا في 21 أغسطس/ آب 2015. يومها، استقلّ أنتوني سادلر وألك سكارلاتوس (عضو في الحرس الوطني في "أوريغان")، وسبنسر ستون (جندي في سلاح الطيران)، قطاراً تابعاً لشركة "تاليس"، متوجّهاً من أمستردام إلى باريس، حيث كانوا يمضون إجازتهم الصيفية. فجأة، ينقضّون على جهاديّ (تبيّن لاحقاً أنه مغربيّ، يُدعى أيّوب الخزّاني) يحمل بندقية "كلاشينكوف" مزوّدة بـ9 مخازن رصاص، أراد تنفيذ عملية قتل جماعي، بعد لحظات قليلة من دخول القطار الأراضي الفرنسية. لكن الخزّاني أصاب راكباً بجروح خطرة قبل وقوعه في قبضتهم.

حدث هذا بعد 7 أشهر من الاعتداء الإرهابيّ على الجريدة الأسبوعية الفرنسية "شارلي إيبدو" في 7 يناير/ كانون الثاني 2015.

إفشال العملية، الذي أنقذ أرواح كثيرين، بالتأكيد، تحوّل إلى الحدث الأبرز في الصحافة والإعلام الغربيين. بعد أشهر، تمّ توثيق الحكاية في كتابٍ يروي، بالإضافة إليها، مشاعر هؤلاء الـ3، وانفعالاتهم ومساراتهم وحياتهم اليومية، وتفاصيل كثيرة سبقت لحظة وقوع الحادثة، ولحقت بها.

والكتاب، الصادر بالإنكليزية في 23 أغسطس/ آب 2016، يحمل عنوان "قطار 15: 17 إلى باريس: القصّة الحقيقية لإرهابيّ، لقطار، ولثلاثة أبطال أميركيين"، بينما يكتفي إيستوود بـ"قطار 15: 17 إلى باريس" كعنوان للفيلم، الذي يؤدّي الأميركيون الـ3 أنفسهم الأدوار الحقيقية التي أدّوها أثناء العملية، وما قبلها وما بعدها، في سياق مشروع سينمائيّ جديد لمخرجٍ مهووسٍ بالعمل البصريّ على قصص واقعية، أبطالها أناسٌ غير معروفين، يعيشون لحظات مجد باهرة، قبل أن يسقطوا في القلق والارتباك والألم الذاتيّ إزاء أفعالٍ يقومون بها ظنّاً منهم أنها ستؤدّي إلى إنقاذ أرواح وحيواتٍ، فإذا بأسئلة أخلاقية جمّة تُطرح عليهم وعلى أفعالهم وسلوكهم في اللحظة تلك، ما يُعرّضهم لمساءلة ذاتية وقانونية واجتماعية، علماً أن الناس ينقسمون، سريعاً، بين مؤيد لهم ورافض لأفعالهم.

لا يزال الوقت باكراً لمعرفة المسار الدرامي الذي سيتّخذه مشروع إيستوود هذا. لكن أفلاماً سابقة له تعكس موقفه الإنساني والأخلاقي والسينمائيّ إزاء مسائل كهذه. فعام 2014، أخرج "قنّاص أميركي"، مستنداً إلى سيناريو لجايزون دين هال، عن السيرة الحياتية الحقيقية للجندي الأميركي كريس كايل (1974 ـ 2013)، أحد أبرز قنّاصي النخبة الأميركيين، والعضو السابق في Seal، القوّة الخاصّة التابعة للبحرية الأميركية.

وعام 2016، أخرج "سولي" (Sully)، المقتبس عن القصّة الحقيقية (أيضاً) لقبطان طائرة مدنيّة أميركية يُدعى تشيسلي "سولي" سولينبرغر (1951)، تمكّن من إنقاذ ركّابها جميعهم، وعددهم 150 (بالإضافة إلى 5 عاملين على متنها)، بعد دقائق قليلة من إقلاعها من "مطار لاغارديا الدولي" (كوينز)، إثر تعرّضها لعطلٍ ما، دفع القبطان إلى الهبوط بها في نهر "هودسن".

في "قنّاص أميركي"، يستعيد إيستوود حكاية كايل (برادلي كووبر، 1975)، البارع في قنص أعدائه، ما جعل رفاقه يلقّبونه بـ"الأسطورة"، لإنقاذه مئات الجنود الأميركيين من الموت، في الحرب العراقية. والحكاية لا تقف عند تلك "البطولات" العسكرية، بقدر ما تطرح أسئلة الذنب والفعل الجُرميّ، رغم أن هذا الأخير يؤدّي إلى إنقاذ أرواح. زوجة كايل، تايا ستودبايكر (سيينا ميلر، 1981)، لم تعد قادرة على تحمّل الفترات الطويلة لخدماته العسكرية، وعند عودته، سيتعرّض لحادثة لن تنجلي حقائقها بسهولة: سيُقتل أثناء مساعدته "رفيق سلاح"، يعاني تمزّقات روحية ونفسية خطرة، جرّاء مشاركته في الحرب العراقية هو أيضاً.

وفي "سولي"، يُصاب "البطل" سولينبرغر (توم هانكس، 1956)، بأزمة أخلاقية رهيبة، بعد خضوعه لمساءلة "المكتب الفيدرالي للتحقيقات"، استندت إلى سؤال جوهريّ: ألم يكن ممكناً للتصرّف الذاتي للقبطان أن يؤدّي إلى مقتل الركّاب، رغم أن قراره المتّخذ سريعاً أنقذهم من الموت؟ هذا كلّه في إطار سينمائي يعكس التحوّل النفسي والروحي للشخصية الرئيسية، من "بطلٍ" وطني إلى موضع شبهات، من دون تناسي أسئلته المطروحة على ذاته إزاء فعله هذا.

يُعرَف كلينت إيستوود بمحاولاته السينمائية الدؤوبة لتفكيك الصُوَر الأميركية "الرسمية"، التي تتحوّل إلى أساطير تتحكّم بلاوعي جماعي أميركي، وتسيطر على مسالك كثيرين وأساليب عيشهم وتفكيرهم ورؤيتهم للأمور. وهو، باشتغاله الحريص على تحقيق أفلامٍ "بديعة"، لا يتردّد عن "تحطيم" بعض تلك الأساطير، وفضح خفاياها وأسرارها. ولعلّ "رايات آبائنا" (2006)، يبقى الأبرز في هذا المجال، إذْ يفضح المخفيّ في الحكاية الرسمية للصورة الأميركية الأشهر، التي تتضمّن جنوداً أميركيين يرفعون العلم الأميركي (الصورة متداولة ومعروفة كثيراً)، في إحدى الجزر، أثناء الحرب العالمية الثانية.

ما الذي سيفعله إيستوود مع "أبطال" قطار "تاليس" هؤلاء؟ المعروف لغاية الآن أن قصّتهم الحقيقية ستُنقل إلى الشاشة الكبيرة، وأنهم هم من سيؤدّونها سينمائياً. لكن، هل سيطرح إيستوود، مجدّداً، السؤال نفسه: ألم يكن ممكناً لعملهم أن يؤدّي إلى مجزرة حقيقية، مع أنهم أنقذوا ركّاب القطار من عملية إرهابية "مؤكّدة"؟


المساهمون