أسعار الوقود تتهاوى عالمياً وترتفع روسيّاً

أسعار الوقود تتهاوى عالمياً وترتفع روسيّاً

15 ديسمبر 2014
عامل بمحطة وقود تابعة لشركة "جازبروم نفت" في موسكو(Getty)
+ الخط -

نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قوله أثناء لقائه أعضاء الحكومة قبل يومين: " بعض الأشياء تدعو بالطبع إلى التساؤل. فها هي أسعار المشتقات النفطية ترتفع بمعدل 10% حتى الأول من ديسمبر/ كانون الأول، مع انخفاض أسعار النفط بمعدل يزيد عن 35%".

كلام الرئيس الروسي ينسجم مع معطيات جمعية الوقود في موسكو، التي تفيد بأن سعر الوقود ارتفع في أسبوع واحد بمعدل 0.03%، فقد بلغ سعر ليتر البنزين بالمتوسط يوم الثامن من ديسمبر الجاري للنوع "آ.ي-92" مبلغ 33.39 روبلاً، وللنوع "أ.ي-95" مبلغ 36.22 روبلاً (وكان سعر صرف الدولار حينها يقارب 52 روبلاً)، وهو اليوم أعلى من ذلك في سباق مع سعر صرف الدولار في السوق الروسية. فلماذا يرتفع سعر البنزين؟

حسب البيانات الحكومية المتوفرة، تمتلك روسيا 33 مصفاة لتكرير النفط، لكن درجة التكرير وطاقتها الإنتاجية أقل بكثير من أن تلبي حاجة السوق الروسية. فلم يصل ما أنتجته المصافي الروسية من البنزين العام الماضي، 2013، إلى 39 ألف طن من البنزين من مختلف الأنواع، وتم تصدير أكثر من 4 آلاف طن منها إلى الدول المجاورة، في حين استوردت روسيا من البنزين في السنة نفسها حوالي 600 ألف طن. وهذه المعطيات تكاد تطابق معطيات السنة التي سبقتها.

والأمر لا يميل إلى التحسن هذه السنة التي نعيش أواخر أيامها، فمعطيات دائرة الإحصاء الفيدرالية الروسية عن الربع الأول من العام 2014، تفيد بأن إنتاج البنزين يقلّ عن 10 آلاف طن وتم تصدير حوالي 11% منها، مقابل استيراد حوالي 311 ألف طن من البنزين من درجات مختلفة.

ويؤكد موقع "إينفوبو.إس تي" الإخباري، غياب احتمال انخفاض سعر الوقود في روسيا في الأفق المنظور. ويشير إلى تأثير عدة أعطال في مصافي النفط الروسية، بما فيها "المناورة الضريبية" التي خططت لها الحكومة الروسية في أسعار الوقود.

رسوم متعددة ومناورة ضريبية

يرى بعض الخبراء أن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في روسيا، على الرغم من الانخفاض المستمر في أسعار النفط الخام، يعود إلى حصة الضرائب الكبيرة في السعر النهائي لمستهلكي البنزين والديزل وسواهما من منتجات النفط. فيتساءلون، مثلاً: كيف يتم تحديد سعر ليتر البنزين في روسيا؟

ويتحدث المدير التنفيذي في جمعية الوقود الموسكوفية، غريغوري سيرغيينكو، على موقع "لينتا.رو" الإخباري، عن هيكلية تشكيل السعر على مثال نوع البنزين آ.ي- 92، فيقول إن حصة استخراج النفط في سعر ليتر البنزين النهائي تبلغ 5.37%، مقابل 9.37% كلفة التكرير والنقل، و15.58% للتسويق في سوق الجملة والسوق القطاعي.

 والباقي كله ضرائب، وهي: ضريبة استخراج، وتبلغ 23.29% من سعر البنزين النهائي، وضريبة استهلاك (22.37 %)، و20.57% رسوم أخرى، بما فيها ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل. وهكذا، تشكل الضرائب 20 روبلاً من الروبلات الـ32 التي يدفعها المستهلك لقاء ليتر بنزين من النوع " آ.ي-92" في محطات الوقود.
 
ويتوقع الخبير سيرغيينكو أن يستمر سعر ليتر البنزين بالارتفاع، وخاصة أن "المناورة الضريبية" ستطبّق مع بدء العام 2015، وهي تأخذ في الاعتبار تخفيض ضريبة تصدير النفط الخام بمعدل 1.7 ضعف وضريبة تصدير المشتقات النفطية بمعدل يراوح بين 1.7 إلى 5 أضعاف (تبعاً لنوع المشتق النفطي).

ويعلّل الاقتصاديون ذلك بأن روسيا مضطرة إلى العمل بدءاً من يناير/ كانون الثاني 2015 باتفاقية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وبالتالي، فالمطلوب من المناورة الضريبية تقريب الضرائب المتباعدة عدة أضعاف بين روسيا الفيدرالية وكازاخستان على تصدير النفط الخام والمنتجات النفطية، الأمر الذي يسهّل الانتقال إلى التجارة البينية دون تقييدات في التعرفة والأسعار.

إلاّ أنّ هناك رأياً آخر يقول بأن ارتفاع أسعار البنزين في روسيا لا يرجع فقط إلى العبء الضريبي المفروض على النفط ومشتقاته، إنما المشكلة في بنية السوق الروسية النفطية نفسها. مثل هذا الرأي يتبناه الخبير في الوكالة المستقلة لـ"تحليل أسواق السلع"، ميخائيل توروكالوف، فهو يعبّر على موقع "لينتا.رو" عن أن سوق الوقود الروسية محتكرة من قبل قلّة ذات نفوذ.

ويرى أنه لا بد ـ من أجل ضبط الأسعارـ من تشديد الغرامات والعقوبات على التقصير في تزويد السوق المحلية بالبنزين.

وقال إن "العقوبات يجب أن تكون على مستوى الربح الذي تجنيه الشركات النفطية نتيجة القفزات في الأسعار".

وفي هذا السياق، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" الإخبارية عن ديمتري ماخونين، مدير إدارة مراقبة الضرائب والرسوم في هيئة مكافحة الاحتكار الفيدرالية، تأكيده أن الهيئة أبلغت الأسبوع الماضي، شركات النفط بعدم توافق أسعار البنزين مع حالة أسواق النفط الراهنة.

تبعية للدولار

الوزير الأسبق للوقود والطاقة، والمعارض الحالي البارز، بوريس نيمتسوف، تحدث على هواء إذاعة "صدى موسكو" عن عدة نقاط تتسبب في ارتفاع أسعار البنزين من وجهة نظره. فهو يرى أن السبب الأول لارتفاع أسعار البنزين في روسيا يعود إلى الاحتكار الذي يتجاوز حدود المعقول للسوق.

فثلاث شركات، كما يقول، تحتكر 75% من استخراج النفط في روسيا، وهي: شركة "روس نفط" (85 مليون طن)، و"سورغوت" (60 مليون طن)، و"غازبروم نفط" (50 مليون طن).

ويرى أن السبب الثاني في ارتفاع أسعار البنزين هو الدين الهائل المتوجب على شركة "روس نفط" والبالغ حوالي 70 مليار دولار، وأما السبب الثالث المهم، فيراه في انخفاض قيمة الروبل.

فطالما أن ديون الشركات النفطية عبارة عن قروض بالدولار من البنوك الغربية، فالشركات ترفع سعر البنزين لكي لا تقلّل أرباحها قياساً بسعر صرف الدولار، أي أن سعر البنزين يسير جنباً إلى جنب مع سعر الدولار في سوق العملة الروسية، وليس مع أسعار النفط في العالم.

المساهمون