أزمات المعيشة تفرض نفسها علي برامج الأحزاب في تونس

أزمات المعيشة تفرض نفسها علي برامج الأحزاب في تونس

20 أكتوبر 2014
التونسيون يتطلعون إلى تحقيق آمالهم الاقتصادية (فرانس برس)
+ الخط -


لم يبقَ على إجراء الانتخابات التشريعية في تونس سوى أيام، واحتدم السباق بين مئات القوائم على 217 مقعداً في أول برلمان منتخب بعد الثورة. ومع تسارع نسق الحملة الانتخابية التي وصفها بعض المراقبين بالباردة، فإن كثيراً من الأحزاب لم يفصح عن برامجه إلا في اللحظات الأخيرة، فيما أمسكت أحزاب أخرى عن تقديم أي معلومات عن برامجها، هذا إذا كان لها برامج.

وبقيت جميع البرامج في أغلب الأحيان في إطار العموميات، ولم تغامر مثلما كان الأمر عام 2011 بوعود غير قابلة للتطبيق، إلا أن الاقتصاد ظل محوراً مهما في الحملات الانتخابية.
وبدت برامج الأحزاب الاقتصادية متشابهة إلى حد كبير، باستثناء خطاب الجبهة الشعبية الراديكالي في يساريته، أو الليبرالية كما يتضح في برنامج حزب آفاق تونس.

من الناحية السياسية، فإن البرنامج المعلن لحركة نداء تونس الذي يتنافس حول المكانة الأولى مع حركة النهضة، يبرز رغبة في تحقيق ما يسميه بالنمط المجتمعي الذي تنادي به النهضة، وهو نمط تراجعت النهضة عن الكثير من مقوماته عندما مارست الحكم.

وفي مقدمة البرنامج اعتبرت الحركة أن نموذج التنمية في تونس "قد استُنفد، وأن انهيارا يعود إلى طبيعة النظام السابق"، نظراً لانعدام الحوكمة (الرقابة على المؤسسات) والنظرة الضيقة لمفهوم الدولة علاوة على الفساد والنهب.

وعلى هذا الأساس اعتبر البرنامج أن من بين أهدافه ما وصفه بـ "التحصين الأخلاقي في إدارة الشأن العام".

على مستوى التنفيذ، يلح "نداء تونس" على تحقيق الأمن والاستقرار، مع جذب استثمارات خلال السنوات الخمس المقبلة تتراوح بين 80 و90 مليار دولار، وهي فترة البرلمان المقبل.
ويقول الخبراء إن الطموح كبير، لكنه ليس مستحيلاً، باعتبار أنه لا يزيد إلا بنحو 40 % على السنوات الماضية، مما يجعله في المتناول، إذا قامت حكومة قوية واستتب الأمن في البلاد وانصرف التونسيون إلى العمل والجهد.

وسيتجه الاهتمام حسب هذا البرنامج إلى بعث مشاريع ضخمة وإقامة أقطاب صناعية تكون قاطرة للتنمية في البلاد.

ويتجه البرنامج لإصلاح مؤسسات القطاعين العام والخاص، ومع إنشاء 24 محوراً اقتصادياً بحسب عدد الولايات فإن البرنامج يتحدث عن مضاعفة القدرات الصناعية التصديرية لتبلغ 40 مليار دينار عام 2019، وهو أمر قد لا يكون واقعياً، كما يدخل البرنامج في تفاصيل تجعل منه أقرب إلى مخطط دولة منه إلى برنامج حزبي، كما خصص البرنامج فصلاً مطولاً للتنمية بحجم استثمارات في حدود 50 مليار دينار خلال خمس سنوات، فيما يوجد حاليا عجز واضح في الوصول لاستثمار 4.5 مليار دينار سنويا.

ويتوقع البرنامج رفع مستوى دخل الفرد، مما يؤدي إلى إنجاز تراجع وصف بالحاسم في البطالة. كما يتوقع الحزب تحقيق نسبة نمو بـ4% في 2015 ليصل بعد إضافة نقطة واحدة سنويا إلى 8% عام 2019 أو معدل 6% سنوياً، وهو رقم مناسب لتوقعات الاستثمار المنتظر، وإن كان ذلك يبدو غير واقعي، وفوق قدرة البلاد على تعبئة ذلك، حسب محللين.
وسيؤدي ذلك سنويا إلى توفير 90 ألف فرصة عمل حسب البرنامج، وهو رقم كبير بكل المقاييس، لكن من شأنه لو تحقق تشغيل الوافدين الجدد إلى سوق العمل مع تخفيض بـ 120 ألفا من البطالة الحالية البالغة 700 ألف مواطن.

ولكن الملاحظ أن برنامج نداء تونس لا يتحدث مثل برامج أحزاب أخرى عن ضرورة إقامة أقاليم اقتصادية تجمع عدة ولايات.

وإذا كان برنامج حركة نداء تونس قد كُتب في 63 صفحة، فإن برنامج حركة النهضة اقتصر على 48 صفحة فقط.

وحسب متابعين لبرامج الانتخابات التونسية "يتسم برنامج النهضة هذه المرة بالتواضع وإلى حد ما بالواقعية، قياساً ببرنامجها السابق عام 2011 الذي اقترح 365 نقطة، لم يحقق منها سوى القليل".

ويتجه برنامج النهضة إلى "بناء منوال تنمية اندماجي يرتكز على اقتصاد السوق الاجتماعي، ويتحول من اقتصاد ريعي إلى التنافسي، مع إعادة رسم دور الدولة كدافع لعملية النمو".
ولتحقيق ذلك فإن الهدف هو بلوغ نسبة نمو 5% في الأعوام الثلاثة القادمة و7% في عامي 2018 و2019 (معدل 6 % للأعوام الخمسة).

وهذا الطموح كما هو الشأن لدى نداء تونس غير واقعي (نسبة النمو المنتظرة عام 2014 لا تفوق 2.7%).

كما أن الحركة تتوقع أن يكون التحكم في مديونية الدولة في حدود 45% وعجز الميزانية 3%، وهو هدف يشترك فيه النداء والنهضة، ولا يبدو واقعياً.

والفارق هنا هو اعتماد برنامج النهضة على تمويل عبر الصكوك الإسلامية بنسبة 50%، وهو باب غائب تماما في برنامج نداء تونس.

على أن برنامج حركة النهضة قد بدا شديد الحذر في التعامل مع الأرقام، ولم يسقط فيما سقط فيه سابقه من سخاء بدا غير واقعي في برنامج 2011، ولذلك وإلى حد ما كان إنشائياً سخياً فيما يعلنه من دون أرقام محددة، معتمداً توصيفاً للسياسات أكثر من مجرد تحديد لأهداف مضبوطة، وبذلك تجنب ما وقع فيه برنامج نداء تونس الذي وضع مخطط تنمية لخمس سنوات، دون أن تتوفر له الوسائل والأدوات اللازمة.

هناك تشابه غريب بين الحزبين في مستويات المعالجة الاجتماعية بشأن التعليم والصحة والسكن والتوازنات المالية والتجارة الخارجية.

وهكذا فإن برامج الحزبين تجعل كل واحد منهما حزبا حاكما، ومستعدين لتقلد السلطة أكثر من الأحزاب الأخرى، وحسب خبراء يمكن تصنيف الحزبين الكبيرين، النهضة ونداء تونس للفكر الليبرالي، وإن حاولا أن يزيناه بجرعة من الاجتماعية المعلنة.

أما برامج اليسار، فكانت مختلفة، ومنها حزب المسار الذي ينحدر من رحم الشيوعية الدولية، وينقسم برنامجه الاقتصادي والاجتماعي إلى جزأين، يتضمن الأول تصورا لعمل الحكومة لمدة مائة يوم، ويقترح ضمن برنامج استعجالي إجراءات تهدف إلى استكمال تركيز مؤسسات الجمهورية الثانية، وسن القوانين المنسجمة مع روح وفلسفة الدستور الجديد.

أما الجزء الثاني، فيتضمن جملة النقاط لإصلاح مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفي مقدمتها القطاع المالي والضريبي والمنظومة التربوية.

وقال الناطق الرسمي باسم الحزب سمير الطيب إن البرنامج "منحاز إلى الفئات الفقيرة والمهمشة، وحتى المتوسطة التي قاربت خط الفقر"، كما إنه يراعي خصوصيات كل جهة، حيث تتمثل الأولوية في دعم الاستقرار والأمن، وفي تحسين البنية التحتية ودعم الاستثمار، وتوفير المياه، ومواجهة المشاكل في القطاعين الصناعي والسياحي.

ويحتوي البرنامج العاجل لحزب الاتحاد من أجل تونس حسبما صرح به سمير الطيب، على خمسة أفكار أساسية تتمثل الأولى في وضع مشاريع قوانين للمؤسسات الدستورية الموجودة في الدستور، والثانية في مقاومة الفقر وتحسين القدرة الشرائية للفئات الضعيفة من التونسيين، أما الفكرة الثالثة فهي تسعى إلى وضع أسس الإصلاح من أجل النمو والتنمية، مؤكداً أن الاستثمار الحكومي هو جانب أساسي إذ يجب البدء في إنجاز بعض المشاريع حتى وإن لم تكتمل في الوقت المحدد لها.

ويبدو واضحاً أن الحزب يتجنب الحديث عن توجهات شيوعية أو اشتراكية، ولا يطرح قضية ملكية أدوات الإنتاج، ويكتفي فقط بملامسة مسألة توزيع الثروة المنتجة في اتجاه عدالة أكبر.
أما الجبهة الشعبية، فإنها تبدو الأكثر سخاء في معالجة الواقع المعاش، ولكن بعيداً عن واقعية ضرورية لمواجهة القضايا. وينطلق فكر الجبهة الشعبية من قواعد الفكر اليساري المتجذر، ويبدو برنامج الحزب مناوئا للسلطة ناقداً بشكل واسع لتوجهاتها مبرزة حقيقة نواياها التي تراها مضادة للطبقات الشعبية.

وأكّد عضو دائرة الدراسات في الجبهة الشعبية مصطفى الجويلي أنّ الحكومة ستواصل سياستها في مضاعفة أسعار المواد الاستهلاكية والترفيع فيها بصفة دورية كلّ عام تقريبا، وإنّ الزيادة ستحدث في أسعار بعض المواد الغذائيّة الأساسيّة في خطوة للتخلي تدريجيّا عن الدّعم، مفيدا أنّ سعر رغيف الخبز سيصل إلى 430 مليماً أي ضعف السعر الحالي تقريباً.

ويقول قياديون في الجبهة الشعبية إن السلطة ومختلف الأحزاب القائمة، تتاجر بمعاناة الشعب وقوته، عبر التمييز لفائدة القوى المالية وعلى حساب القوى العاملة والمسحوقة، فيما يحتاج الأمر لعكس المسيرة، ورفض خصخصة مؤسسات الدولة، وزيادة أهمية دور الدولة في الاقتصاد، وتحقيق عدالة ضريبية حقيقية، وزيادة كبيرة في الأجور للفئات المفقرة.

المساهمون