واشنطن تخاطر بمركزها العالمي إذا فشلت العقوبات على إيران

واشنطن تخاطر بمركزها العالمي إذا فشلت العقوبات على إيران

05 نوفمبر 2018
الريال الإيراني من أكبر ضحايا الحظر (Getty)
+ الخط -

على الرغم من الخسائر الضخمة التي سيتكبّدها الاقتصاد الإيراني من الحظر المالي والنفطي الذي دخل فعلياً التنفيذ اليوم الإثنين، فإن تداعيات الحظر الأميركي لن تكون قاصرة على إيران فقط حسب محللين، وستكون له تداعيات سالبة ربما طويلة الأجل على موقع أميركا المالي والاقتصادي ينتهي تدريجياً إلى تهديد موقع الولايات المتحدة "كقوة عظمى" مهيمنة على النظام المالي العالمي والدولار كعملة تسوية للتجارة الدولية و"عملة احتياطي نقدي" عالمية لدى البنوك المركزية. 

ويسيطر الدولار حتى الآن على حصة 80% من التجارة العالمية وأكثر من 61% من احتياطات البنوك المركزية في العالم، وذلك وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي الأخير. 

وحتى الآن تمردت الصين على الحظر بشكل علني، وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هو جوينغ، في مؤتمر صحافي اليوم الإثنين، عن الأسف لتطبيق الحظر على إيران. 
وقالت المسؤولة الصينية، حسب ما نقلت شبكة الأخبار الأفريقية، "المتاجرة مع إيران شرعية ويجب احترام هذا الحق". 


وفي الصدد ذاته، ترفض أوروبا عدم التقيد بالحظر الأميركي، على الرغم من أن الشركات الأوروبية تتخوف من الحظر الثانوي الذي يحرمها من السوق الأميركي.

ويرى محللون أن هنالك مخاطر تترتب على واشنطن من الحظر الإيراني، ولا يستبعدون أن يفضي الحظر إلى تسريع عزلة واشنطن دولياً، بدلاً من عزلة طهران، خاصة أن هذا الحظر يأتي في ظروف مختلفة تماماً عن الحظر الذي نفذه الرئيس باراك أوباما في عام 2012، إذ يتم الحظر الحالي في وقت يحكم فيه أميركا ترامب، الذي يدخل في نزاعات تجارية مع العديد من دول العالم، بما في ذلك حلفاؤه في أوروبا وآسيا.

كذلك يتم الحظر في ظروف يحدث فيها تقارب بين الصين واليابان ودول الاتحاد الأوروبي، وولدت فيه كتلة "بريكس" الاقتصادية المتألفة من اقتصاديات ناشئة كبرى على رأسها الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، وبالتالي فإن هنالك تكتلاً اقتصادياً عالمياً يعارض سياسات ترامب الاقتصادية ويتحالف لحفظ النظام المالي والنقدي والسياسي العالمي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية ضد الحمائية التجارية وسياسات" أميركا أولاً".

وحتى الآن تم التركيز على تهديد الحظر الأميركي على إيران وعلى أسعار النفط في أسواق المال العالمية، حسب ما يقول محللون لوكالة بلومبيرغ.

وهذا صحيح، لكن الاقتصاد الإيراني ضعيف ويعاني من أزمات عدة حتى قبل الحظر. وربما يضاعف الحظر من متاعبه الحالية.

على الصعيد النفطي والمالي، يلاحظ أن تركيز ترامب حتى الآن ينصب على كسب انتخابات التجديد النصفي، وبالتالي فهو عملياً لا يرغب في ارتفاع سعر النفط الذي انخفض كثيراً عن مستويات في سبتمبر/ أيلول الماضي. وبالتالي لم تظهر آثار الحظر السالبة بعد، إذ إنه منح إعفاءات لثماني دول من مجموع 9 دول تستورد النفط الإيراني، على رأسها الهند ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا واليابان.

كما أن الإدارة الأميركية لم تضغط بعد على شبكة سويفت للتحويلات المالية التي يوجد مقرها في بروكسل لعزل البنوك الإيرانية عن الشبكة، وبالتالي حرمان إيران وبنوكها من تنفيذ أية صفقات بالدولار وحرمان الشركات العالمية من المتاجرة مع طهران.

لكن يجب النظر إلى هذا التساهل في تطبيق الحظر، وحسب موقع "زيرو هيدج"، في إطار كسب ترامب لانتخابات التجديد النصفي، فإن أسعار الجازولين في أميركا ارتفعت كثيراً في فترة حكمه، وفاتورة العائلة الأميركية ارتفعت بنحو 400 دولار خلال العام الجاري. وذلك وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وهذا الارتفاع في أسعار الوقود يعمل على تحول ناخبين من حزبه الجمهوري والتصويت لصالح الحزب الديمقراطي، وبالتالي فهو يرغب في عدم تضييق الخناق على النفط الإيراني. ولكن ماذا لو طبق لاحقاً تعهداته بوقف كامل صادرات النفط الإيراني وعادت أسعار النفط للارتفاع متجهة نحو مائة دولار للبرميل، كما توقعت سابقاً مصارف عدة، من بينها "ميريل لينش" و"جي بي مورغان" و"مورغان ستانلي". 

في حال حدوث احتمال كهذا، يرى مصرفيون أن أسعار النفط سترتفع وستضغط على اقتصاديات أوروبا وآسيا. ومن المتوقع أن يكون لهذه الدول ردة فعل على التقيد بالحظر الأميركي وربما تتمرد عليه، كما تمردت على قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي.

وخلافاً لتوقعات سابقة بارتفاع أسعار النفط بسبب تطبيق الحظر الأميركي على إيران، انخفضت أسعار النفط في تعاملات أمس الإثنين، وحسب رويترز، سجل عقد أقرب استحقاق لخام برنت 72.47‭‭‬‬‬ دولاراً للبرميل في التعاملات الصباحية بلندن بانخفاض ‭‭‭36‬‬‬ سنتاً أو 0.5% عن آخر سعر إغلاق. كذلك هبط سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 35 سنتا أو 0.6% إلى 62.79 دولاراً للبرميل. وفقد الخامان أكثر من 15% من قيمتهما منذ أوائل أكتوبر/ ‬تشرين الأول.

وتسعى أوروبا إلى مواصلة شراء النفط الإيراني عبر نظام مقايضة مشتريات الصفقات النفطية بالسلع. وهو نظام تم الاتفاق عليه بين طهران وبروكسل في سبتمبر/ أيلول الماضي. وفي تنفيذ الشركات الأوروبية لهذا النظام ونجاحه، فإن دولاً آسيوية مثل اليابان والهند ستنضم إليه.

على الصعيد المالي، يرى مصرفيون، أن الحظر الإيراني الذي تستهدف فيه أميركا عزل إيران عن النظام المالي ربما يضعف "دولرة" الاقتصاد العالمي، وسط التحول الملحوظ الجاري عن الدولار في تنفيذ الصفقات العالمية واتباع أسلوب المقايضة والصفقات التبادلية في التجارة العالمية التي تنشط فيها دول "بريكس" روسيا واليابان والهند وتركيا.

المساهمون