مؤتمر لندن لدعم سورية

مؤتمر لندن لدعم سورية

11 فبراير 2016
مؤتمر لندن جمع 9 مليارات دولار أميركي دعماً لسورية(Getty)
+ الخط -
شهدت لندن، يوم الخميس الماضي، انعقاد مؤتمر "دعم سورية والمنطقة"، انتهى إلى جمع ما قدره 9 مليارات دولار أميركي دعماً لسورية، واللاجئين السوريين في دول ثلاث مجاورة، الأردن ولبنان وتركيا.
وقد أُعِد للمؤتمر إعداداً كبيراً حتى لا يفشل. وبذلت كل من الدول المانحة والدول المستفيدة جهوداً كبيرة، من أجل أن تحصل على المساعدات. وعلى الرغم من وصف المؤتمر بأنه ناجح بكل المقاييس، كما قال رئيس وزراء المملكة المتحدة، ديفيد كاميرون، في مؤتمر صحافي بعد انتهاء المؤتمر، إلا أن هنالك نقاطاً مطلوب تسليط الضوء عليها.
هنالك تباين واضح في المقترب الذي انتهجه رؤساء الدول المانحة عن خطاب الدول المحيطة بسورية والمستضيفة للاجئين فيها، فقد ركز رئيسا وزراء بريطانيا والنرويج ومستشارة ألمانيا على أن الدعم مقدم لسورية وأهلها الذين يعانون من الحرب وويلاتها داخل بلادهم وخارجها. وقدموا مفردات مثل "الجيل الضائع"، و"المشردين"، و"ضحايا الحرب"، و"المساعدات الإنسانية". وتشكل هذه لغة الخطاب الإنساني الموجه لنصرة السوريين. أما الدول المضيفة، فقد ركّزت على نفسها، وما تعانيه من ضغوط وتحديات اقتصادية تنوء بها بناها التحتية، ومرافقها التعليمية والصحية، وما يتحمله سوق عملها من منافسة العمالة القادمة من سورية.
ومما لفت النظر في الكلمات الملقاة في افتتاح المؤتمر الكلمة التي ألقاها العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني. فقد كانت جمله قصيرة، ولغته صريحة مباشرة. فقد قال إن في الأردن حوالى 1.3 مليون سوري، نصفهم كان موجوداً قبل انفجار الأزمات والحرب في سورية، والنصف الآخر لجأ إليها بعد الأحداث الجسيمة. ويشكل رقم اللاجئين السوريين في الأردن خمس سكان المملكة الأردنية، أو ما يساوي نقل كامل سكان بلجيكا إلى بريطانيا العظمى. وأكد الملك أنه يتحدث نيابة عن شعبه الذي طفح به الكيل، وقدّم فوق المتوقع منه، وأن في الأردن مئات الألوف من اللاجئين القادمين من العراق، واليمن، وليبيا، ودول أخرى، هذا عدا بالطبع عن 2.1 مليون لاجئ فلسطيني، كما تعكسه أرقام "أونروا" (وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة).
وقد قارب الملك عبدالله الثاني على الإنذار بأن الأردن قد وصل إلى الحد الأقصى لطاقته الاستيعابية. وفي حديث له مع "بي بي سي" قبل المؤتمر، وفي مقال له نشرته جريدة الإندبندنت البريطانية قبل المؤتمر بيوم، أكد الملك على أهمية دعم الأردن، وهو لا يطلب هذا الدعم منةً، أو لأن بلده فقير، بل يطلب ذلك تقديراً لما يتحمله الأردن، نيابة عن المجتمع الدولي، والأوروبي خصوصاً، ولما يتكبده الاقتصاد الأردني في سبيل منح اللاجئين ملاذاً آمناً من شرور الحرب الأهلية والدولية في بلدهم الأم.
ومن الواضح أن كل القادة كانوا يخاطبون قواعدهم وشعوب بلدانهم، فالقادة الأوروبيون يرون تغييرات جوهرية في أمزجة الشعب الأوروبي، وجنوحاً واضحاً نحو اليمين الذي يأخذ من الأجانب ذريعة للشعبوية. ولذلك، كان خطاب القادة الأوروبيين إنسانياً في تعابيره، ومؤكداً على أن الهدف الأساسي من المؤتمر إبقاء السوريين في أماكنهم التي لجأوا إليها خارج أوروبا.
ولذلك، جاء تركيز ديفيد كاميرون، في المؤتمر الصحافي الملخص نتائج المؤتمر، أن قادة دول اللجوء من جيران سورية قبلوا فكرة إدماج العمال المهاجرين في أسواق عملهم ومنح تراخيص لذلك، بينما فتحت المدارس للطلبة السوريين، حتى لا يكونوا جيلاً ضائعاً جاهزاً للتطرف والإجرام.
ولا تقف مشكلات أوروبا عند التحيز نحو اليمين المُغالي، لكن ديفيد كاميرون بالذات يواجه مشكلة مستعصية، فهو تقدم بعدد كبير من المقترحات للمفوضية الأوروبية في بروكسل، طالباً إدخالها على النظام الأساسي للاتحاد الأوروبي. أبرزها التعهد بعدم بناء دولة أوروبية، أو اتحاد أوروبي يأكل من سيادات الدول، وهذا مرفوض.
وإذا أصرّت المملكة المتحدة على موقفها، فهنالك احتمال أن يجري تصويت عام داخل المملكة المتحدة على بقائها ضمن الاتحاد، أو خروجها منه. وفي كلا الحالتين، فإن موقف كاميرون معرّض للاهتزاز، وقد يجد نفسه أمام احتمالات الخسارة في الانتخابات العامة المقبلة.
أما قادة الأردن ولبنان وتركيا، فكان خطابهم موجهاً للمجتمع الدولي من ناحية، وإلى المواطنين في بلد كل منهم من ناحية أخرى. فالأردن ولبنان يعانيان كثيراً من الهجرة، وقد تعهدا بالسماح للعمال السوريين بالعمل. ومن الواضح أن هذا القرار كان سوف يؤخذ، إن طال الزمان على اللجوء السوري، قبل أن تصل الأطراف إلى حل سياسي، وحتى بوجود ذلك الحل الذي يبدو خارج نطاق الأمل في المدى المنظور، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع غير ممكن قبل سنوات. وهذا يعني أن اللاجئين السوريين سيكونون مضطرين إلى البحث عن وسائل عيشٍ غير مشروعة إن بقوا محرومين من فرص العمل مدة طويلة.
تواجه الدول المضيفة صعوبات جمة، أولها أن أعداد اللاجئين تميل نحو الزيادة مع الوقت، خصوصاً هذه الأيام التي يشتد فيها القتال، ويذهب مئات الضحايا من المدنيين، ما يعني مزيداً من الهجرة. وثانيها أن "داعش"، والمنظمات الإرهابية الأخرى، سيجدون أنفسهم، تحت وطأة الهزيمة العسكرية، مضطرين للتخفي، واللجوء إلى الدول المجاورة، ما يشكل تحدياً أمنياً خطيراً لتلك الدول. وثالثها أن أوروبا أغلقت أبوابها أمام المهاجرين، بحجة أن كثيرين منهم يأتون من دول غير منكوبة، مثل إفريقيا. وتواجه أوروبا احتمالات وصول إرهابيين إليها عبر الشواطئ الليبية. ولذلك، تبقى إمكانات تناقص أعداد اللاجئين في الدول المضيفة قليلة. ورابعها أن الشواهد تدل على (وتؤكد) أن ملامح الكرم الأوروبي أتت من أجل منع وصول اللاجئين السوريين إليها. وإذا تحقق ذلك، أو تضاءل ذلك التهديد، فسوف ينقطع ذلك الكرم.
ولذلك، ليست النتائج المالية مغرية لدول الجوار السوري، كما يبدو من الأرقام التي وصلت إلى 9 مليارات دولار، فمعظم هذه المبالغ سوف يأتي على شكل قروض ميسرة، تنفق على مشروعاتٍ لتحسين قدرة الدول على استيعاب اللاجئين. كما أن جزءاً كبيراً منها (وهو المساعدات بدون مقابل) سوف يوجه نحو إطعام المشردين داخل سورية، أو أولئك المحاصرين في المناطق المتنازع عليها.
وبدا واضحاً أن مساهمة الدول العربية النفطية، في ظل الواقع الاقتصادي الذي تعرفه، كانت ضئيلة، قياساً إلى ما قدمته أوروبا والولايات المتحدة.
المؤتمر حل مشكلات أوروبا أكثر مما حل من مشكلات الدول المضيفة.

اقرأ أيضا: أواه يا شام

المساهمون