تقارب مصري إيراني ينتظر عروضاً سخية

تقارب مصري إيراني ينتظر عروضاً سخية

13 نوفمبر 2016
مصر قلقة من نقص الوقود (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
زاد الحديث خلال الفترة الأخيرة عن مساعي إيران ومصر لتحقيق تقارب اقتصادي، بالاستفادة من ظروف السياسة التي خلفتها تطوّرات إقليمية أبرزها توقف الإمدادات النفطية من شركة أرامكو السعودية لمصر التي تعتمد على المساعدات الخارجية بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية، خاصة الخليجية.

ورجّح محللون اتجاه الطرفين إلى التقارب الاقتصادي، مستغلين هذه الفرصة، لا سيما أن الموقف المصري من بعض قضايا المنطقة، ومنها السورية، بات أقرب إلى الموقفين الإيراني والروسي.

وكانت أولى المناسبات التي أثبتت تقارب البلدين، حين أصرّت إيران على مشاركة مصر خلال محادثات لوزان السويسرية التي عقدت الشهر الماضي حول الأزمة السورية بحضور فاعلين من الإقليم والعالم.

وترددت إشاعات، أخيراً، عن وزير البترول المصري طارق الملا، وزيارته لإيران للحصول على نفط هذا البلد، لكن مسؤولين من كلا البلدين سارعا لنفي الأمر، على الرغم من أن مواقع إعلامية رجّحت أن سبب تعليق الزيارة يعود لضغوطات خليجية.

وزارة الخارجية الإيرانية أكّدت خلال المؤتمر الأخير للمتحدّث باسمها بهرام قاسمي الأسبوع قبل الماضي، أن مصر لم توجه أي رسالة دبلوماسية لطهران ولم تبد أي رغبة بإرسال مسؤولين لزيارتها، واصفاً المعلومات حول زيارة الملا بغير الدقيقة، وعلى الرغم من أن قاسمي أبدى اهتمامه بتطوير علاقات بلاده مع القاهرة، لكنه أيضاً أشار إلى أن تحقيق هذا السيناريو يحتاج إلى سعي جاد من قبل الطرفين، في إشارة منه إلى أن الاتصالات، وإن وجدت، إلا أنها لا تزال غير كافية لرفع مستوى العلاقات الاقتصادية والمرتبطة أصلاً بوضع سياسي بارد بين كلا البلدين منذ ما بات يقارب الأربعة عقود.

لكن وكالة مهر الإيرانية كانت قد نقلت عن رئيس الدائرة الدولية في وزارة النفط الإيرانية حسين زماني نيا، قوله إنه لا توجد أي قيود تتعلّق بتطوير العلاقات الاقتصادية مع مصر ، سواء تلك المتعلّقة بالقطاع النفطي أو البتروكيماوي وحتى الغاز الطبيعي.

وتواجه مصر أزمة إمدادات نفطية على وقع وقف شركة أرامكو السعودية شحناتها المتفق عليها للشهر الثاني على التوالي، وكان البلدان قد وقّعا اتفاقاً تمدّ على أساسه السعودية شحنات نفطية تقدّر بنحو 23 مليار دولار إلى مصر، على مدار خمس سنوات، بحيث تحصل القاهرة على 700 ألف طن مشتقات نفطية شهرياً من الرياض.

وفي هذا السياق، يقول الخبير في الشأن الاقتصادي الإيراني علي إمامي، لـ"العربي الجديد"، إن المحددات السياسية تسبق الاقتصادية، معتبراً أن لدى الطرفين في الوقت الراهن رغبة في توطيد العلاقات.

وأضاف إمامي أن لدى إيران عروض مغرية للمصريين، لكنها ليست بسخاء العروض الخليجية، فلا يمكن لإيران أن تقدّم نفطاً بالمجان أو تسهيلات من دون مقابل، فلم تعتد في علاقاتها الاقتصادية مع الآخرين على اتخاذ خطوات من هذا النوع، حسب رأيه.

وأضاف أن إيران تستطيع تأمين النفط لمصر، فضلاً عن رغبتها وقدرتها المرتبطة بتصدير المحاصيل الزراعية والمواد الخام، وكل هذا قد يكون مقابل الحصول على امتيازات في القطاع السياحي المصري على سبيل المثال، إذ يبحث الإيرانيون عن وجهات بديلة في منطقة مشتعلة.

كما اعتبر أن إيران تستطيع تقديم تسهيلات لمصر كالقروض، لكن الحفاظ على علاقات اقتصادية قوية يتطلب بناء علاقة تبتعد عن المفهوم ذاته المعتمد في علاقات مصر مع الدول الخليجية، حسب تعبيره.

وحصلت مصر على مساعدات خليجية تقدّر بأكثر من 60 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز عام 2013 الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وعلى الرغم من ذلك تفاقمت الأزمات الاقتصادية في ظل الاضطرابات الأمنية والتفجيرات وعدم الاستقرار.


الجدير بالذكر أن إيران المعنية بتطوير علاقاتها الاقتصادية مع الآخرين بعد تطبيق اتفاقها النووي عملياً مطلع العام الجاري، وهو الذي تم إبرامه مع السداسية الدولية في شهر يوليو/تموز العام الماضي، تحاول التقارب مع بعض الأطراف العربية للاستفادة من توقيع الاتفاق النووي وتحسين أوضاعها الاقتصادية التي تأثرت بسنوات الحظر.

وقد يكون الموقف المصري إزاء سورية الباب الذي سيفتح المجال أمام تطوير هذه العلاقات، لكن في الوقت ذاته يعتبر خبراء اقتصاد أن إيران التي تسند الاقتصاد في سورية والعراق بالكثير من الأموال والدعم الاقتصادي والسياسي، لا تستطيع لعب ذات الدور مع مصر، وهو ما يعني استبعاد خيار العروض السخية، حتى لو توجه المصريون للحصول على النفط الإيراني.

من جهته يرى السفير الإيراني السابق في مصر مجتبى أماني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هناك محددات عدة ما زالت تواجه تطوير العلاقات بين البلدين، والتي تأثرت سابقاً بخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى قائم بالأعمال، وتوترت كثيراً منذ توقيع الرئيس السابق أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد، وكل هذا تزامن والقلق من إيران التي انتصرت ثورتها الإسلامية، وهو قلق أميركي وإسرائيلي مشترك.

وأكد أن التوتر عاد للواجهة بعد وصول عبد الفتاح السيسي لكرسي الرئاسة وارتفاع مستوى الدعم السعودي والأميركي لمصر، وهذا كله لم يسهم في تحقيق تقارب بين طهران والقاهرة.

وأضاف أماني أن مصر اعتادت على أن تكون لها مكانة إقليمية وحتى دولية مهمة، وهو ما قد يجعلها تتراجع عن الصورة التي هي عليها في الوقت الراهن، والتي تجعلها تبدو مرتبطة كثيراً بدول أخرى.

وأشار إلى أن ابتعاد السعودية عن مصر سيجعل المعنيين في هذا البلد يبحثون عن بدائل وتسهيلات بشكل طبيعي، معتبراً أن إزاحة المحددات الخارجية قد تسمح بتطوير العلاقات الاقتصادية مع إيران.

وحسب أماني، فإن برود العلاقات السياسية بين إيران ومصر حدث منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، فتأثرت علاقات الاقتصاد بين البلدين كثيراً، واستقبلت مصر الشاه الإيراني المخلوع محمد رضا بهلوي بعد انتصار الثورة، كما تسبب إطلاق طهران لاسم خالد الإسلامبولي (قاتل الرئيس أنور السادات) على واحد من أهم شوارعها بشرخ كبير، وكل هذا جعل البلدين في حالة تباعد مستمر، ترافقت والتأثر بظروف الإقليم المتغيرة دائماً.

وقبل أربعة أعوام تقريباً، استقبلت إيران، في سابقة ملفتة، وفدا من رجال أعمال مصريين وقدمت طهران عروضا تتعلق بتطوير قطاع صناعة السيارات المصري، وأبدت البلاد رغبتها بالاستثمار في مصر أيضا، ومع هذا ما زالت العلاقات متواضعة.

المساهمون