تخبط الحكومة الجزائرية.. شكوك وخلافات حول استيراد السيارات المستعملة

تخبط الحكومة الجزائرية.. شكوك وخلافات حول استيراد السيارات المستعملة

10 أكتوبر 2016
قرارات حكومية متضاربة حول استيراد السيارات(فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -


لا يزال الجزائريون يحاولون تبيان الخيط الأبيض من الأسود في ملف إعادة رفع التجميد عن قرار منع استيراد السيارات المستعملة، بعدما تحولت هذه القضية إلى كرة ثلج، تتدحرج بين الوزارات وتكبر مع مرور الأيام، لتشكل بوادر أزمة فعلية في الحكومة، وتطرح الكثير من التساؤلات حول مصير قرار رفع التجميد، وانعكاساته على السوق الجزائرية.
بدأ كل شيء في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، عندما أعلن وزير التجارة الجزائري، بختي بلعايب، عن قرار حكومي جاء في إطار مشروع قانون الموازنة لسنة 2017 يرفع التجميد عن قرار منع استيراد السيارات المستعملة، مقابل شروط معينة، ابتداء من يناير/كانون الثاني 2017، وذلك بعد إعداد دفتر شروط دقيق يمنع استيراد سيارات تعرّض السائقين للخطر، ما يعني تحديد شروط لعملية ترخيص الاستيراد قبل نهاية السنة الحالية.

وفور إعلان وزير التجارة الجزائري عن القرار، طفت الكثير من الأسئلة حول من سيستفيد من هذا الإجراء، المواطن العادي أم شركات مختصة في الاستيراد؟ وذلك في ظل تحدث بلعايب عن دفتر شروطٍ ينظم نشاط وكالات الاستيراد العاملة في البلاد.
بعد أيام من تصريح وزير التجارة، دخل وزير الصناعة و المناجم، عبد السلام بوشوارب، على خط الأزمة، حيث صرح في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي بأن "الحكومة تسعى لإعادة السماح باستيراد السيارات المستعملة أقل من 3 سنوات، وأنّ الإجراءات ستقتصر على المتعاملين المختصين في هذا المجال"، في إشارة إلى الوكلاء المعتمدين لإجراء عمليات الاستيراد، وذلك، وفق دفتر شروط يجري التحضير له لاحقاً، ومن المقرر بداية التعامل به فور الفراغ من إعداده، بينما تحفظ وزير الصناعة الجزائري على الخوض في قيمة الرسوم الجمركية المقرر فرضها على استيراد السيارات، من منطلق أن دفتر الشروط هو الفاصل في هذا المجال.

إلا أنه مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، نشرت صحف جزائرية تسريبات من داخل قصر الحكومة، تفيد بأن رئيس الوزراء الجزائري رفض فكرة حصر عملية استيراد السيارات المستعملة أقل من 3 سنوات بالوكلاء المعتمدين فقط، بل اشترط رفع الحظر تماماً، عبر توسيع عملية الاستيراد لتطاول المواطنين العاديين.
وقطع وزير الصناعة والمناجم، عبد السلام بوشوارب، الشك باليقين حين أكد في 5 أكتوبر/تشرين الأول الحالي أنه: "لن يكون هناك ترخيص لاستيراد السيارات المستعملة حالياً".
وأضاف أن "الحكومة تعمل على تنظيم سوق السيارات المستعملة وفقاً لدفتر شروط، ليتم إرساء نظام يضمن مسار تسويق السيارات".

وحسب الخبراء والمتتبعين للعمل الحكومي، فإن التضارب في الخطاب الرسمي حول السماح باستيراد السيارات المستعملة من عدمه يترجم حالة تخبط، باتت تميز حكومة عبد المالك سلال، بسبب الخلافات بين الوزراء، بالرغم من انتماء كل من وزير التجارة بختي بلعايب ووزير الصناعة عبد السلام بوشوارب إلى حزب سياسي واحد هو "التجمع الوطني الديمقراطي". لكنهما لا ينتميان إلى نفس "العصبة"، حسب مصدر من داخل الحزب. الأخير أكد لـ "العربي الجديد" أن "خلافات كثيرة تدور بين الوزيرين، منها ما يعود إلى سنوات عديدة، وهي سبب هذه الخلافات والتداخل في الصلاحيات".

وتابع المصدر: "بوشوارب يتمتع بثقة محيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهو يمسك بزمام الأمور في قطاع صناعة واستيراد السيارات. وبختي بلغايب يعتبر حامل لواء "تطهير" موانئ الجزائر من " لوبيات" ومافيا الفساد، التي كشفتها عدة تحقيقات أسفرت عن وجود تلاعبات وتصريحات تجارية مغلوطة، أبطالها شخصيات نافذة في الدولة ذات علاقة مباشرة ببعض التشكيلات الحزبية المعروفة".
من جانب آخر قالت الخبيرة المختصة في سوق السيارات، صوفيا باجي، أن "مافيا المال والأعمال المتحكمة في استيراد السيارات قد تكون وراء هذا الإلغاء المفاجئ للقرار، بعدما تخوفت من تضرر مصالحها، بعد تضرر أعمالها جراء تقليص الكميات المستوردة، التي سمحت بخفض فاتورة استيراد السيارات لـ 768 مليون دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، في مقابل 2.4 مليارَي دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي".

في غضون ذلك، رأى متتبعون أن جمعية وكلاء السيارات المعتمدين (تكتل يضم العلامات العالمية الممثلة في الجزائر)، ربما تكون قد ضغطت من أجل رجوع الحكومة عن قرار السماح باستيراد السيارات المستعملة، إذ أعلنت الجمعية بصراحة رفضها القرار الذي وصفته في بيان لها بأنه "غريب وليس له جدوى"، لأنه يتعارض حسبها مع مبدأ تحديد "الكميات" المسموح باستيرادها لدى الوكلاء، الذي جاء بهدف التقليل من فاتورة وحجم استيراد المركبات، وسيشجع القرار بحسبها فوضى الاستيراد وعشوائية التدفقات المالية، التي تصعب مراقبتها وتتبعها.

ومن بين "المخاطر" التي تتخوف منها جمعية الوكلاء، عرقلة مشاريع صناعة السيارات في الجزائر وتسريح العمال وإغراق السوق بسيارات غير مراقبة ولا تحتوي على ضمانات السير والسلامة المرورية.
بالإضافة إلى فوضى التعاملات المالية، وظهور سوق موازية للسيارات المستعملة ما يتسبب، حسب الجمعية، بزيادة فوضى الأسعار وخدمات ما بعد البيع.
وكانت الجزائر قد جمدت عمليات استيراد السيارات المستعملة لأقل من 3 سنوات قبل عشر سنوات، وهو بين النقاط التي تعرقل مفاوضات انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية بعد تحفظ العديد من الدول، منها المنضوية في الاتحاد الأوروبي، على القرار الذي تراه يتعارض مع مبدأ "حرية تنقل السلع".


المساهمون