"صدمة في الجزائر": الخبز من الإمارات

"صدمة في الجزائر": الخبز من الإمارات

05 أكتوبر 2014
الجزائر تحتل المرتبة الخامسة عالمياً في استيراد القمح (أرشيف/getty)
+ الخط -
بدا الخبر، الذي تصدر صفحات العديد من الصحف والمواقع الجزائرية، خلال الأيام الماضية "سرياليا" وصادماً للجزائريين: "الجزائر تستورد الخبز المجمد من الإمارات"! حيث نقلت صحف جزائرية عن رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، ما أسمته "فضيحة من العيار الثقيل" تتعلق بتلقيه معلومات تؤكد استيراد كميات هائلة من الخبز المجمد من الإمارات العربية المتحدة، تصل إلى 11 حاوية، وأنها وصلت إلى الميناء الجاف بالرويبة (ضواحي العاصمة)، لمواجهة ندرة الخبز بسبب غلق المخابز خلال أيام عطلة عيد الأضحى المبارك.
وذكر زبدي أن مبرر المستوردين بأن "الشباب الجزائري يحب الخبز الأوروبي المستعمل لإعداد الساندويشات"، وهو ما اعتبره "عذرا أقبح من ذنب".
وأكد أن الكميات المستوردة موجهة لمطاعم الوجبات السريعة والفنادق، واعتبرها "سابقة خطيرة" في تاريخ الجزائر، قد تكون لها تبعات خطيرة على المخابز المحلية، وقد تؤدي إلى غلق بعضها، وإحالة ملاكها والعاملين فيها إلى البطالة.
وقد أسال هذا الموضوع حبرا كثيرا في الصحافة الجزائرية، ودعوات إلى طرحه للنقاش في البرلمان، وردود أفعال غاضبة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءل كثيرون كيف يمكن للجزائر، التي كانت تعرف منذ عهد الرومان باسم "الخزان الممون لروما ولأوروبا بالقمح"، أن تتحول إلى مستورد للخبز من بلد صحرواي لا يزرع ولا يحصد القمح؟
كما تساءل الكثيرون حول "أنه حتى لو كانت هناك حاجة إلى توفير الخبز الموجه لإعداد الساندويشات، فهل الجزائريون عاجزون عن إنتاج وتوفير الخبز حتى يتم استيراده، ومن الإمارات، وهي غير معروف عنها تقاليد عريقة في إعداد الخبز الأوروبي، والفرنسي بشكل خاص، عكس الجزائر، التي لا تبعد عن أوروبا إلا بنصف ساعة طيران، والمستعمرة الفرنسية سابقا، والتي لا تعرف مخابزها إلا إنتاج "الخبز الفرنسي"، إلى جانب الخبز أو الرغيف التقليدي، الذي يحضر في البيوت والمسمى "كسرة" أو "مطلوع".
وبرغم تفاعل الموضوع "لم تسارع" الحكومة الجزائرية، إلى التعليق على الخبر، بل انتظرت أربعة أيام على الأقل، لتنفي على لسان عبدالعزيز آيت عبد الرحمن، مدير ضبط النشاط التجاري وتنظيمه في وزارة التجارة صحة ما تداولته الصحف، وأن الجزائر ليست بحاجة إلى استيراد مادة الخبز من أي بلد.
لكن عبد الرحمن، اعترف في المقابل، بأن الجزائر استوردت "مادة من العجينة مجمدة" من الخارج، من أجل صناعة أنواع الخبز، بالإضافة إلى مواد أخرى.
وبقدر ما ترك الموضوع من صدمة، فقد أثار كذلك شبهات حول مدى النجاعة المالية، التي يجنيها مستوردو الخبز، خاصة وأن الخبز مدعوم في الجزائر من قبل الحكومة، ولو يبقى هامش الربح ضيقا لأصحاب المخابز.
وفي هذا السياق نقلت تقارير صحافية محلية عن الطاهر بولنوار، المتحدث باسم التجار الجزائريين، قوله، إن موضوع استيراد الخبز مجمدا ليس جديدا، وإن حديثا مماثلا "كان قد طرح منذ عامين، حين اقترح مستوردون على الخبازين فكرة استيراد الخبز المجمد، بحجة أن هامش الربح ضعيف، وهو ما رفضه اتحاد التجار".
واعتبر المتحدث "استيراد الخبز المجمد محاولة لإغراق السوق بالخبز بهدف القضاء على إمكانات إنتاج الخبز في الجزائر، وبالتالي التمهيد لرفع أسعاره".
وقد طرح البعض إمكانية أن يكون استيراد الخبز مجمدا، مبررا لتحويل العملة الصعبة للخارج من قبل ما تسمى بـ"مافيا الحاويات" أو "بارونات الصادرات" في الجزائر، والذين يحاجج كثيرون بأنهم أصبحوا في السنوات الأخيرة الرقم الأكبر في معادلة اتخاذ القرار السياسي في البلاد.
وكان أحمد أويحيى، الوزير الأول الأسبق، والمدير الحالي لديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حذّر في تصريح أثار جدلا حينها، مما أسماه ''لوبي الحاويات''، وقال إن لوبي بارونات المال ''بدأ يحكم في الجزائر بضغط من دوائر مافياوية".
ويثير الارتفاع "الجنوني" للواردات في الجزائر، والتي تشكل المنتجات الغذائية جزءًا كبيرا منها، تحذيرات كثيرة خاصة مع توقعات أن تصل قيمتها إلى 70 مليار دولار بنهاية هذا العام.
وضمن سياستها لدعم المواد الواسعة الاستهلاك، فإن الحكومة الجزائرية تنفق يوميا، بحسب تقديرات، مليوني دولار لدعم الخبز أو ما يقارب المليار دولار سنويا، حيث إن السعر الحقيقي للخبزة الواحدة المفروض أن يتراوح ما بين 40 و70 دينارا جزائريا (0.47 -0.83 دولار أميركي)، حسب نوع الخبز. غير أن المواطن الجزائري لا يدفع إلا ثمانية دنانير جزائرية أي ما يعادل 0.09 دولار.
وشن أصحاب المخابز في الجزائر إضرابات من أجل رفع أسعار الخبز، بدعوى أن هامش الربح الذي يحققونه ضئيل جدا. واعتبر كثيرون أن انخفاض أسعار الخبز يؤدي إلى التبذير، وفي هذا الإطار أكد رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، أن الجزائريين يتلفون يوميا ما يصل إلى ثلاثة ملايين خبزة.
وتعتبر الجزائر، أكبر بلد عربي وأفريقي من حيث المساحة، من أكبر مستوردي القمح بأنواعه، حيث تحتل المرتبة الخامسة عالميا، والثانية عربيا بعد مصر، بعد أن كانت، من أكبر منتجي الحبوب، والقمح بشكل خاص، ومصدريه في العالم.
واللافت أن الجزائر، كانت تصدر القمح إلى فرنسا، وأن الديون المترتبة على باريس منها، كانت أحد أسباب غزوها واحتلالها للجزائر في 1830.
وإذا كان الكثير من الجزائريين استحضروا بجدية، في تعليقاتهم على خبر "استيراد الخبز من الإمارات" هذا المعطى التاريخي ، فان بعضهم ربطوا هذا الخبر، وبشيء من الدعابة والحسرة كذلك، بموضوع آخر متفاعل، ومرتبط بالإمارات، وهو ما تنقله الصحافة الجزائرية، من قرار أبوظبي تعليق التأشيرات للمواطنين الجزائريين دون الاربعين عاما لأسباب "قيل أنها أمنية".

المساهمون