موسكو تقود تحالفاً للتخلص من الدولار

موسكو تقود تحالفاً للتخلص من الدولار

17 أكتوبر 2014
أوباما وبوتين (فرانس برس)
+ الخط -
ليس لروسيا وحدها أن تحدد مستقبل الدولار الأميركي، كما ليس لها وحدها أن تقلل من هيمنة واشنطن على سياسات العالم واقتصاداتها، عبر تقليص دور الدولار كعملة عالمية. لكن روسيا، في الواقع، ليست وحيدة في موقفها السياسي الاقتصادي من العملة الأميركية.
فدول كثيرة في العالم ضاقت ذرعاً بارتباط عملاتها واقتصادها بالدولار. فهل تتمكن روسيا من تشكيل حلف يزيح العملة الأميركية جانباً، بدرجة ملموسة تجبر واشنطن على مراجعة سياسات القوة والهيمنة التي تنتهجها دون أخذ مصالح الآخرين في عين الاعتبار؟

للصين مصلحة

في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري عقد المنتدى الاقتصادي الروسي-الصيني التاسع، في مدينة سوتشي الروسية، وقد شارك فيه أكثر من 400 من رجال الأعمال ورجال الدولة. وقد نقلت وكالة "تاس"، عن رئيس بنك الصين، تشن تسيتزين، قوله في المنتدى
الاقتصادي الروسي الصيني: "هناك ضرورة لتعزيز التعاون في مجال التعاملات بالعملات الأجنبية والقضاء على احتكار الدولار. وهذا يتفق مع المصالح الاستراتيجية لكلا الجانبين". علماً بأن بنك الصين واحد من أكبر خمسة مصارف حكومية صينية، وهو البنك الصيني التجاري الأول الذي افتتح فرعاً له في روسيا. وهناك اتفاق تم التوصل إليه بين روسيا والصين لتبادل العملات، وإجراء حسابات التصدير والتسديد بينهما بالروبل واليوان.
وفي السياق ذاته، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن نائب رئيس بنك التجارة الخارجية الروسي، ألكسندر إيفانوف، قوله في المنتدى بأن هذا الاتفاق" سيتيح للبنوك الحصول على السيولة اللازمة بالروبل واليوان".
ومع إقرار الصين بعدم شرعية العقوبات الغربية على روسيا، تتلمس خطوة مشابهة قد تُتخذ ضدها، فترى بكين نفسها في موقع الحليف غير المعلن لموسكو، في مواجهة الهيمنة الأميركية. علماً بأن الاقتصاد الصيني الذي شغل أخيراً المرتبة الأولى عالميّاً، من حيث الحجم، أقدر على مواجهة الضغوط الأميركية من نظيره الروسي الذي لا يزال يعتمد على تصدير المواد الخام ومصادر الطاقة بالدرجة الأولى.

ولإيران مصلحة ورغبة

تبحث طهران، عن حيلة للهروب من العقوبات الأميركية عليها، من جهة، وفتح بوابة جديدة لتعامل المتهيبين من أمثال الروس معها، من جهة ثانية، ولتجنب الدولار، من جهة ثالثة. وفي ذلك تجد نقطة مشتركة مع الروس. علماً بأن المستثمرين الغربيين بدأوا يعودون إلى إيران مع
الانفراج الملحوظ في ملفها النووي، تمهيداً لرفع العقوبات عنها، فيما لا يزال الروس المعاقبون بدورهم، ينتظرون أجواء أكثر وضوحاً.
وفي السياق ذاته، نقلت وكالة "تاس" عن رئيس غرفة التجارة الإيرانية الروسية المشتركة، أسد الله عسكر وليدي،:" انطلاقاً من أن البنوك الروسية لا تزال تخشى التعامل مع إيران بسبب العقوبات المفروضة عليها من الغرب، نريد تأسيس بنك روسي إيراني مشترك بدعم من بنكي البلدين المركزيين ومن القطاع الخاص.
ومن شأن هذا البنك أن ينجز عمليات تبادل عملتي البلدين. ومن خلال، ذلك التخلص من الحسابات الدولية بالدولار واليورو والجنيه الإسترليني". علما بأن "بنك آسيا" الروسي شملته قائمة العقوبات الأميركية في أغسطس/آب الماضي، بسبب تعاونه مع إيران، الحجة التي استندت إليها واشنطن في معاقبته إلى جانب بنوك روسية أخرى أنزلت بها العقوبات بسبب أوكرانيا. وهكذا، تبحث موسكو العازمة على تهميش الدولار الأميركي- ما أمكنها ذلك- عن التدابير والآليات التي تسمح بتجنب الحلقة الأميركية في سلسلة التعاملات المالية، في تعاملها التجاري مع شركائها وليس آخرهم إيران.

محاولة مع الإمارات

في السياق السابق ذاته، تناقش روسيا والإمارات العربية المتحدة إمكانية الانتقال إلى العملتين المحليتين، الروبل والدرهم، في حساباتهما البينية. ذلك ما أعلن عنه وزير التجارة والصناعة الروسي، دينيس مانتوروف، أثناء اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة التي عقدت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بموسكو.

وأكد مانتوروف أن هذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها هذه المسألة: " لقد انطلقنا من قرارات مماثلة تم اعتمادها مع عدد من البلدان، وخصوصاً مع الصين. علماً بأن هذه المسألة مطروحة على جدول الأعمال على أساس التجربة السابقة (مع الصين)، ونأمل أن يصل خبراء النظم المصرفية في بلدينا إلى فهم مشترك".
إلا أن الجانب الإماراتي لا يبدو متحمساً للطلب الروسي. فهو يرحب، كما تقتضي الدبلوماسية، ثم يوضح صعوبات تجنب الدولار في التعاملات المالية بين البلدين. فها هو وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، يتوقف عند الصعوبات التي تعترض الانتقال إلى التعامل المباشر بعملتي البلدين، والناجمة، بالدرجة الأولى، عن ارتباط العملة الوطنية الإماراتية ارتباطاص وثيقاً بالدولار الأمريكي، آملاً في الوقت نفسه أن يكون ممكناً التغلب على الصعوبات التقنية، بمساعدة خبراء البلدين الاقتصاديين، في حال توافر إرادة سياسية لتحقيق ذلك.
ومن الواضح أن القيادة السياسية الروسية حسمت أمرها في هذا الشأن، وهي تبحث عن شركاء يمضون معها في الطريق نفسه، وعن آليات مصرفية تسمح بتبادل العملات بصورة مباشرة دون المرور بنيويورك ماليّاً وواشنطن سياسيّاً. فهل تمضي الإمارات العربية المتحدة في هذه الخطوة، وهي العازمة على مضاعفة تبادلها التجاري مع روسيا ليصل إلى 6 مليارات دولار في العام؟ الأوساط الاقتصادية الروسية تُذكّرنا بين حين وآخر بالدينار الذهبي- العملة الخليجية الموحدة التي لا تزال فكرتها عالقة، وهي تسمي هذا الدينار بـ"العملة الإسلامية" الموحدة، مدغدغة مشاعر المسلمين لعلهم يتخندقون معها في حربها الاقتصادية- السياسية ضد الولايات المتحدة الأميركية.

المساهمون