هل تكون المفاعلات النووية خياراً لدول الخليج لتوليد الكهرباء؟

هل تكون المفاعلات النووية خياراً لدول الخليج لتوليد الكهرباء؟

16 مارس 2024
الطاقة النووية مثار جدل دائم في مختلف البلدان (مروان نعماني/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المفاعلات النووية تعتبر خياراً فعّالاً وصديقاً للبيئة لتوليد الكهرباء بانخفاض تكلفتها وقلة انبعاثاتها، مما يجذب اهتمام دول الخليج رغم تباين مواقف الدول العالمية.
- تواجه دول الخليج تحديات في التحول نحو الطاقة النووية بما في ذلك التكلفة العالية، مخاوف الاعتمادية على روسيا لليورانيوم، ومشكلات تخزين النفايات النووية.
- الإمارات تبرز كنموذج ناجح في تشغيل محطة براكة للطاقة النووية، لكن الخبراء يرون أن الطاقة المتجددة تظل الخيار الأمثل لدول الخليج بفضل توفر الشمس والرياح.

تعد المفاعلات النووية واحدة من الطرق عالية الإنتاجية غير المكلفة لـتوليد الكهرباء، كما أنها من الطرق الأقل انبعاثاً للغازات العادمة، باعتبار أنّ مصدر الطاقة هو اليورانيوم، الذي لا تنتج مفاعلاته انبعاثات غازية، ما دعا بعض الدول الخليجية أخيراً للتفكير في التوجه إليها، ضمن تحوّلها نحو المشروعات صديقة البيئة.

وتسلك دول العالم اتجاهين متضادين في التعامل مع الطاقة النووية، حيث أنهت دول مثل ألمانيا والنمسا التعامل تماماً مع الطاقة النووية كمصدر للكهرباء، بينما تتوسع في استخدامها دول أخرى مثل فرنسا وهولندا والتشيك، وأيضاً بولندا التي تخطط لإنشاء عدة مفاعلات بتكلفة 40 مليار دولار بعد 10 سنوات.

لكن تحوّل دول الخليج نحو الطاقة النووية لن يكون سهلاً، بحسب الخبير الاقتصادي علي العبسي، الذي أوضح أن هذه الدول تتميز بوفرة المصادر المتجددة، سواء كانت الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، ولديها إمكانيات غير محدودة في هذا الإطار، بعكس إمكاناتها في مجال الطاقة النووية المعقدة والمكلفة. 

وأشار العبسي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إلى أنّ شركة روسية (روساتوم) تستحوذ على نحو 70% من إنتاج اليورانيوم اللازم لتشغيل المفاعلات النووية حول العالم، رغم العقوبات المفروضة على موسكو.

ولفت إلى أن النسبة الكبيرة للشركة الروسية دفعت الدول الغربية إلى استثنائها من العقوبات، ما يعني أن الارتباط بالطاقة النووية قد يسفر عن "اعتمادية" في مجال الطاقة على روسيا بشكل أو بآخر. 

وأضاف أن "نفايات المفاعلات" تمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجهها الدول التي تعتمد على الطاقة النووية، مشيراً إلى أن ألمانيا، على سبيل المثال، لا يوجد بها "مخزن نهائي" لهذه النفايات، ويتم نقلها في مخازن مؤقتة. وقال: "هناك مشاكل كبيرة بين الولايات الفيدرالية الألمانية في تحديد المكان الذي يجب أن يستضيف تخزين هذه النفايات في أرضه، خاصة أنها نفايات يستمر إشعاعها لآلاف السنين، ولها أضرار غير عادية، والتعامل معها حساس جداً".

وأوضح العبسي أن تخزين النفايات النووية يحتاج إلى دفنها في طبقات معينة من الأرض وفق شروط تمنع الاستثمار لاحقاً، سواء للإسكان أو لأي عمل آخر، ولذا فإن الطاقة النووية ليست الخيار الأمثل لإنتاج الكهرباء في دول الخليج، بينما قد تكون الخيار الأفضل في بعض الدول الأوروبية؛ لأنها لا تجد بدائل للطاقة، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة.

وأكد أن إنتاج الكهرباء من الألواح الشمسية يواجه صعوبة في العديد من البلدان الأوروبية نتيجة أجواء لا تسمح بسطوع الشمس، فضلاً عن مشكلات أخرى لطاقة الرياح، نتيجة الكثافة السكانية، إذ يصعب إنشاء مزارع الرياح في مناطق تلك الكثافة بسبب شكاوى السكان من الضوضاء الناشئة عنها، فضلاً عن مناهضة بعض نشطاء البيئة لها باعتبارها مسببة لتأثيرات بيئية ضارة، مثل قتل الطيور وإزعاجها.

الإمارات ومحطة براكة للطاقة النووية

وقبل أسبوعين، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة بدء التشغيل التدريجي للمفاعل الرابع في محطة براكة للطاقة النووية، ليكتمل بذلك تشغيل المحطة بكامل مفاعلاتها، ما اعتبره خبراء قصة نجاح مغرية لباقي دول الخليج، بينما اعتبرها آخرون نموذجاً لا يمثل الخيار الأمثل لدول مجلس التعاون.

وبحسب المندوب الدائم للإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حمد الكعبي، فإنّ التشغيل التدريجي سيرفع بصورة تدريجية مستوى الطاقة في مفاعل براكة الرابع، حتى يصل إلى التشغيل التجاري الكامل خلال العام الجاري، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية "وام".

واعتبر الكعبي، في تصريحات على هامش أعمال القمة العالمية للحكومات 2024 في دبي، أنّ اكتمال تشغيل براكة يدعم "توجهاً دولياً كبيراً لتعزيز الاستخدام السلمي للطاقة النووية كإحدى الركائز الرئيسية، في ما يتعلق بالتحول للطاقة النظيفة على مستوى العالم".

وكانت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية قد أعلنت، في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2023، إتمام عملية تحميل الوقود في مفاعل براكة الرابع، ضمن مساعي بدء التشغيل خلال عام 2024، وفق تخطيط المشروع.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية إصدار رخصة تشغيل المفاعل الرابع لمحطة براكة للطاقة النووية لصالح شركة نواة للطاقة، التي تتولى بدورها مسؤولية تشغيل المحطة الواقعة في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي.

وبموجب الرخصة، أصبحت شركة نواة للطاقة مفوضة بتشغيل الوحدة الرابعة من محطات براكة النووية في الإمارات على مدى الأعوام الـ60 المقبلة، بحسب بيانات رسمية.

ويشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن قدرة محطة براكة بعد التشغيل الكامل ستصل إلى 5600 ميغاواط، ما يمثل ربع حاجة الإمارات من الكهرباء، وبالتالي "ستوفر جزءاً كبيراً من الطاقة المستخدمة في توليد الكهرباء بالبلد الخليجي"، وفقاً للشوبكي.

وقال إن من شأن ذلك تمكين الإمارات من زيادة قدرتها على تصدير الطاقة، وإيجاد إيرادات إضافية للدولة، سواء عبر محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز أو تلك التي تعمل بمشتقات النفط. وأشار إلى أن ذلك ينطبق أيضاً على دول الخليج الأخرى، التي تسعى لإنشاء مفاعلات كهرونووية.

 ويوضح الشوبكي أن الهدف الأول من هذه المفاعلات النووية هو زيادة نصيب الطاقة النظيفة من الطاقة الكلية المستخدمة لدول الخليج وتحقيق التزاماتها المناخية في المحافل الدولية، وعلى رأسها الوصول إلى تصفير الانبعاثات الكربونية في عام 2050.

ولفت الخبير الاقتصادي، في هذا الصدد، إلى أنّ وكالة الطاقة الدولية اعتمدت المفاعلات الكهرونووية كمصدر نظيف للطاقة، ما يعني أن اتجاه دول الخليج إلى إنشاء تلك المفاعلات النووية من شأنه أن يخفف من بصمتها الكربونية.

وهناك خلاف على موضوع سلمية هذه المفاعلات النووية وآثارها الجانبية، بحسب الشوبكي، خاصة بالنسبة للدول صغيرة المساحة، بينما قد يكون خيار الطاقة النووية أكثر عملية بالنسبة لدول ذات مساحة واسعة مثل السعودية.

ويرى الشوبكي أن استخدام دول الخليج لهذا النوع من الطاقة سيوفر لها تقنية مفيدة لمستقبل الطاقة لديها، خاصة في الدول التي تملك احتياطات من اليورانيوم الطبيعي، مثل السعودية.

لكن يظل الاتجاه نحو الطاقة المتجددة أو الطاقة النظيفة هو الخيار الأمثل في دول الخليج، حسبما يرى الشوبكي، سواء كانت عبر الألواح الشمسية أو مزارع الرياح، رغم تذبذب إنتاجها للكهرباء، مشيراً إلى أن "توفير بطاريات تخزين للطاقة" يحل هذه المشكلة، ويحقق كافة أهداف دول الخليج المناخية والاقتصادية، خاصة أنها دول تمتلك سطوعاً شمسياً على مدار العام، ولديها مصادر لتيارات رياح متوفرة في العديد من المناطق.

المساهمون