نار الأسعار تهوي بالمبيعات في معرض القاهرة الدولي للكتاب

نار الأسعار تهوي بالمبيعات في معرض القاهرة الدولي للكتاب

05 فبراير 2023
إقبال متزايد من الجمهور لم ينعكس على المبيعات (العربي الجديد)
+ الخط -

خرج الجوعى للقراءة ومحبو الكتاب من أسْر الوباء ليقعوا أسرى للدولار وارتفاع الأسعار. بعد أيام معدودات من الدورة الـ54 لمعرض الكتاب في القاهرة، التي شهدت إقبالا واسعا من جمهور متعطش للقراءة، بدأ الناشرون من 53 دولة عربية وأجنبية، حزم أمتعتهم للعودة من حيث أتوا.

حرّك الجمهور الحياة الثقافية الراكدة، طيلة 3 سنوات، عاشها الناس تحت حصار حالة الطوارئ الصحية، والمخاوف من انتشار الوباء، وخرج العارضون بصيت لم يصبهم بغنى، من ندرة الشراء.

لم يجن الناشرون الكثير من المال، وفضّل بعض العارضين الدوليين التنازل عن كتبهم لنظراء محليين مقابل أموال زهيدة، على أن يتحملوا تكاليف مضاعفة للشحن في رحلة عودة مكلفة، لتجنب المزيد من الخسائر.

حصيلة زهيدة للمبيعات

كان طحنا بلا طحين، كما قال أمير إبراهيم، مدير دار نشر للكتب القانونية، لـ"العربي الجديد"، عندما سألناه عن حصاد البيع بعد عشرة أيام من المشاركة في معرض الكتاب الدولي المنعقد في القاهرة، والذي ينتهي غدا الاثنين 6 فبراير/شباط.

أضاف إبراهيم أن الإقبال كان ملفتا، حيث جاءت الأسر بكثافة وبصحبتهم الشباب والأطفال بأعداد لم نعهدها منذ انتقل السوق قبل 4 سنوات من هيئة المعارض في مدينة نصر، إلى مركز مصر للمعارض الدولية، في القاهرة الجديدة، ولكن المشتريات نادرة ولم نحقق أية نتائج.

لكن إبراهيم عبّر عن خيبة أمله في إحراز أية مبيعات تسد الحد الأدنى من تكاليف المشاركة في المعرض، بينما يبدي تفهّمه لعدم إقبال الجمهور على الشراء، في ظل أوضاع اقتصادية متردية يعاني منها الجميع.

وأرجع هاني عبد اللطيف، مدير دار نشر "أبو الهول"، ندرة شراء الجمهور للكتب عامة إلى تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار. مؤكدا أن كل زيادة في سعر الدولار، تضيف أعباء فورية على تكاليف إنتاج الكتب، بداية من سعر الورق الذي ارتفع بمعدل 300% خلال عام واحد، وما تبعه من زيادة أسعار الأحبار ومعدات الطباعة وقطع الغيار وجميع مستلزمات الإنتاج. 

عبّر عبد اللطيف، في مقابلة مع "العربي الجديد"، عن حزنه على ما آلت إليه مهنة النشر، التي تواجه طوفانا من الغلاء المستمر، مشيرا إلى أن مستلزمات المهنة بالكامل تأتي من الخارج، حيث لا توجد صناعات وطنية كافية لسد حاجة الناشرين أو البلاد من الورق، ولا تتوافر أية بدائل محلية للأحبار وماكينات الطباعة، وباقي خامات تصنيع الكتب.

معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023 (العربي الجديد)
الأسر بحثت عن فرص نادرة لاقتناء الكتب الرخيصة (العربي الجديد)

ويُبدي المتخصص في نشر كتب الأطفال والأعمال الروائية، مخاوفه من تراجع مهنة النشر، خلال المرحلة المقبلة، مع إقبال جمهور واسع من المصريين على القراءة، وظهور مؤشرات دولية تبين ارتفاعا مستمرا في عدد القراء وساعات القراءة، حيث يتنافس السعوديون والمصريون على احتلال المرتبة الأولى عربياً، منذ عام 2019، وتزيد معهما مكانة القراء العرب على مستوى العالم.

كما يُظهر عبد اللطيف تعصبا لنشر الكتاب الورقي، مؤكدا أن النسخة الورقية ما زالت هي الملاذ المفضل لمحبي القراءة، مشيرا إلى أن اشتراكه في المعرض استهدف التواجد أمام هذه النوعية من الجمهور، وتقديم تخفيضات تصل إلى 20% من السعر الأصلي، أملا في المحافظة على العملاء، وتشجيعهم على شراء الكتاب.

الدولار يرفع الأسعار

رصد "العربي الجديد" في جولة موسعة بصالات العرض التي ضمت 1074 ناشرا مصريا وعربيا وأجنبيا، على مساحة 4 صالات كبرى، عدم تقيد دور النشر بكتابة أية أسعار على الكتب المعروضة للبيع.

واكتفت دور النشر بحمل العارضين لقائمة أسعار يمكن أن يلجأ إليها المشترون في حالة تثبّتهم من رغباتهم في الشراء أو عمل مقارنات بين الكتب لتحديد أولويات الشراء والميزانية التي في حوزتهم.

يُبين أحد العارضين الشباب بإحدى دور النشر العربية أن اختفاء السعر المدون على الكتب يعود إلى تحديث دور النشر لأسعار الكتاب أسبوعيا، وفقا لسعر الدولار السائد في السوق السوداء.

وأقسم الشاب أنه لم يغير سعر الكتب التي شحنها منذ بدأت أعمال المعرض، مؤكدا أن سعر الكتاب محدد على أساس قيمة الدولار ليوازي 30 جنيها، ورغم ارتفاعه إلى 32 جنيها خلال الأسبوع الماضي، إلا أنه حافظ على الأسعار التي باع بها منذ 10 أيام. 

ويأمل الشاب المتخصص في بيع الروايات والأعمال الأدبية المترجمة، أن يجذب جمهورا واسعا من الشباب، إلى أعمال تحمل أسماء دولية لامعة، وروايات تحولت إلى أفلام عالمية، تباع بمبالغ تتراوح ما بين 80 و120 جنيها.

الكتاب الأخضر بديل أرخص

في وسط القاعة الثانية، وقفت شابة تشرح فضيلة اللجوء إلى "الكتاب الأخضر" الذي تسوّق لبيعه عبر تطبيق خاص لنشر الكتب على الإنترنت.

تحاول الشابة تفسير التسهيلات المتاحة أمام القراء الباحثين عن المعرفة، والتخفيضات التي تصل إلى 75% من قيمة الاشتراك السنوي، بما يمكنهم من قراءة وسماع 2000 كتاب حديث، مقابل 10 جنيهات شهريا.

رغم بحث الأجيال الجديدة عن المعرفة عبر وسائل الإنترنت، فإنهم لا يقبلون بسرعة على شراء الكتب الرقمية، فبعضهم ما زال يفضّل الكتب الورقية، وآخرون يعترضون على قلة المتاح في العرض الإلكتروني، مع تعدد الجهات التي توفر تلك الخدمة مجانا، في المكتبات العامة، والتابعة للجامعات والمرتبطة بالمكتبات الكبرى عالميا، وعلى رأسها مكتبة الكونغرس الأميركي التي توفر لروادها ملايين الكتب باللغات العربية والإنجليزية، من أنحاء العالم. 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

يدعم البعض فكرة "الكتاب الأخضر"، تأييدا لبرامج الحفاظ على البيئة ومحاربة قطع الأشجار مقابل إنتاج المزيد من الورق، ولكنها لم تصب حتى الآن في صالح الشباب الذي يعاني من صعوبة في التواصل الدائم مع شبكات الإنترنت، خاصة في المناطق النائية بالمدن والريف، وارتفاع أسعار الاشتراكات الشهرية، وقيمة أجهزة الكمبيوتر وقطع الغيار.

لم تسدّ الوسائل الإلكترونية حاجة الأجيال الجديدة، بسبب القصور التقني وقلة المال، كما يقول أدهم حامد، 13 عاما، بالصف الثاني الإعدادي.

جاء أدهم إلى المعرض، وفي حوزته 400 جنيه، هي كل ما تمكن من جمعه خلال الأشهر الماضية، في إطار تحضيره لرحلته السنوية إلى معرض الكتاب، لكنه اكتشف أن المبلغ الذي يحمله يمكّنه من شراء 3 مجلات مخفضة القيمة من مجلة "مانغا" التي تنشر روايات يابانية مصورة" أنيميشن".

يُبدي أدهم فرحته بجولته السنوية داخل المعرض، مكتفيا بما ناله من عدد محدود من المجلات، وقسط وافر من رؤية الأعمال الفنية والنزهة العائلية بين صالات العرض.

تبحث أسرة أدهم وأمثالها عن فرص نادرة لاقتناء الكتب الرخيصة، وفّرت بعضها هيئة الكتاب المصرية، التي أتت بكل ما لديها من كتب قديمة لبيعها بسعر يتراوح ما بين جنيهين و20 جنيها، اعتبرتها وجيدة رضا، مدير إدارة المبيعات في الهيئة تغطي تكلفة شحنها فقط.

لم تكف 1751 نسخة من كتب الهيئة في إطفاء ظمأ العطشانين للمعرفة، فرغم أن الأسر المتوسطة تتعرض لموجات غلاء ساحقة تهدد 68% من سكان مصر بعدم القدرة على توفير حاجتهم الشهرية من السلع الأساسية وفقا لمؤشر البارومتر العربي، الصادر في سبتمبر/أيلول 2022، فإن أغلبها يضع التعليم مشروعا استراتيجيا لمواجهة مستقبل ضبابي يهدد استقرارهم المالي والوظيفي.

معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023 (العربي الجديد)
الكتاب الأخضر محاولة للتغلب على ارتفاع أسعار الكتب المطبوعة (العربي الجديد)

تدرك تلك الفئة أن التعليم والمعرفة هما السبيل الوحيد لإنقاذ أبنائهم من الانهيار الاجتماعي، لذلك يدخرون من قوت يومهم للمشاركة في معرض الكتاب، وشراء ما يستطيعون حمله، مقابل مدخرات بسيطة، خاصة من الكتب العلمية التي تُعرض في دور النشر العالمية، غير المتوافر التواصل معها على مدار العام.

أبدى الجمهور تذمره من إبعاد إدارة المعرض لمكاتب "سور الأزبكية" عن قلب صالات العرض، وإجبارها على بيع الكتب القديمة التي مر على إصدارها عامان، بما حرمهم من الحصول على كتب بسعر مخفض.

قروض لتشجيع شراء الكتب

الأسعار نار ولن نسمح للقروض بأن تحرقنا مقابل فرحة مؤقتة باقتناء ما نريده من كتب، كما يقول رجل سبعيني، في حديث مع عارضة بدار نشر "أنباء روسيا" الذي جاء وكله أمل في أن يجد بالدار الروسية كتبا بأسعار زهيدة، أسوة بما كان يفوز به في سبعينيات القرن الماضي، حينما كان الاتحاد السوفييتي يوزع كلاسيكيات الفن الروسي مجانا على رواد المعرض.

ضحكت الفتاة المسؤولة، وقالت للرجل، التكاليف تحرق الناشرين أيضا، مشيرة إلى لجوء الدار إلى تخفيف عدد الباعة بنحو 50% من قوة العمالة، بعد 4 أيام فقط من افتتاح المعرض، مع ندرة البيع رغم الأسعار المخفضة للكتب.

ورصد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ارتفاعا بلغ 33.8% في أسعار الصحف والكتب والأدوات الكتابية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في إطار تصاعد مستمر لمعدلات التضخم بلغت 21.9%، خلال تلك الفترة عن مثيلتها عام 2021.

ويتوقع الخبراء تصاعد معدلات التضخم خلال الأشهر المقبلة متجاوزا 25%، بما يرفع المزيد من الأعباء على الجمهور الباحث عن حقه الدستوري في التعليم والمعرفة.

وسجل الجهاز ارتفاعا في حجم التمويل الاستهلاكي من القطاع المالي غير المصرفي، وصل إلى 16.4 مليار جنيه، من يناير إلى يونيو 2022، مقابل 8.1 مليارات جنيه خلال الفترة المقابلة لها عام 2021، وجهت لشراء أجهزة إلكترونية وكهربائية. 

تعتمد الأسرة عادة في إنفاقها على الكتب والمواد الثقافية على الادخار الشخصي، الذي انضغط في الأشهر الماضية، مع تصاعد تآكل ميزانية الأسرة، التي توجه في أغلبها إلى الصرف على المأكولات والمسكن والدروس الخصوصية، وما تبقى للملابس والالتزامات الأساسية.

لجأت كثير من دور النشر إلى مخاطبة جمهور المعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لعرض مبيعات لطبعات شعبية لأمهات الكتب وأعمال المشاهير، اتهمها عارضون بأنهم "لصوص لحقوق الملكية الفكرية"، حيث يطبعون الأعمال بعيدا عن الرقابة وبدون استئذان من أصحابها.

لا يهتم الجمهور كثيرا بحرمة شراء كتب تباع سرا طالما جاءت إلى منازلهم بأسعار رخيصة، فالجمهور الباحث عن المعرفة يعلم صعوبة تدبير قيمة المشتريات في عصر عزّت فيه النقود الرخيصة، مقابل المزيد من ساعات العمل، أو ارتفاع معدلات الفائدة، التي بلغت على القروض الشخصية نحو 23% شهريا، التي خصصتها البنوك للأسر التي ترغب في الاقتراض الشخصي لشراء الكتب وغيرها من القطاع المصرفي.

جاءت مبادرة شراء الكتب بالتقسيط عبر مبادرة دعمها سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، مع بنك مصر الحكومي، لتوفير ماكينات الدفع النقدي للناشرين، تسمح للجمهور بالحصول على مشترياته من الكتب بالتقسيط، على مدار 9 أشهر، بدون رسوم أو فتح حساب بفائدة 1.5% على المبيعات.

ومنح محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، العارضين اللبنانيين، فرصة قيمة سداد اشتراكهم بالجنيه، بعد انتهاء المعرض، مقابل منحهم خصومات تصل إلى 60% للجمهور.

أكد عارضون أن التسهيلات لم تسفر عن زيادة حقيقية في حجم المبيعات، لوجود مخاوف من الجمهور من الاقتراض والوقوع في فخ الديون من أجل المعرفة.

المساهمون