مصر بخير جميعنا بخير.. والعكس صحيح

مصر بخير جميعنا بخير.. والعكس صحيح

18 مارس 2024
يجب توظيف القروض بمطارح ومشاريع ذات عائد (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مصر، بموقعها الجغرافي والحضاري، تعد قاطرة العالم العربي وتواجه تحديات اقتصادية وسياسية لكنها تظل دولة قوية بمقوماتها.
- الديون الخارجية لمصر التي تجاوزت 165 مليار دولار والقروض والاستثمارات الأجنبية تثير تساؤلات حول أهدافها وتأثيراتها على الاقتصاد المصري.
- تبرز الحاجة إلى استراتيجية لاستخدام القروض في مشاريع تنموية مستدامة لتحقيق النمو والتنمية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأمثلة الدولية كالصين والهند.

مغرية الكتابة عن مصر، فهي بحق قاطرة المنطقة العربية مهما ساءت أحوالها. ومن مصر يمكن الاستدلال الأقرب للواقع عن أحوال المنطقة ومستقبلها.

والقصة لا تنحصر بلا حرب أو سلام من دون مصر، بل ولأن مصر تتمتع بجلّ مقومات الدولة القوية، سكانياً واقتصادياً وحضارياً، في حين لا تزال معظم أقطار المنطقة تتلمس ملامح الدولة.

فالبلد الذي امتلك منها المال تنقصه القوة ومن واءم بين القوة والمال تكسره الجغرافيا حيناً والتاريخ آخر، ليصطدم بالسكان والإرث الحضاري لتختّل مسيرته التنموية لفقدانه المتكأ والدافع كعامل أساس وشرط ضروري لبلوغ مصاف الدول القوية.

وسنقفز على وجع الدول وأشباه الدول بالمنطقة لأنها، ومهما تحوطنا، ستحيلنا للمؤامرة وربما تغرقنا بنظريتها.

كما أن نكأ الجرح سيسبب عظيم نزيف وبليغ ندم، إذ ومنذ سلام أنور السادات ولعبة تحييد مصر عام 1978 بدأ السوس ينخر بالجسد العربي، لينال منه على مراحل، خاصة أنه تزامن مع الفورة النفطية و"الصحوة الخليجية" وما يسمى الثورة الإسلامية بإيران، قبل أن تنحرف البوصلة وتتتالى المآسي التي كان أفقعها وأفجعها ربما احتلال العراق، قبل تسليمه مهدماً إلى إيران، لأن العراق أيضاً كان دولة ويمتلك معظم أسباب القوة.

وهكذا استمر التيه والانزياح لمنع الصحوة وبلوغ مرحلة الدولة، ولعله بما جرى بالثورات المضادة لحلم الربيع العربي ما بعد عام 2011، دليل على خطط تقزيم دول المنطقة وتغيير ملامحها، والتي ما كان ينقصها سوى ما نراه اليوم من "عهر واصطفاف" خلال الحرب على غزة.

طبعاً، مع وجود شواذ وأمثلة تمردت على مفهوم القوة النسبي وقفزت على عوامل المساحة والسكان، كما رأينا بنمور آسيا فترة، وبكوريا الجنوبية حتى اليوم، فأن لا يخلو منزل حول العالم من منتج كوري، فهذا شواذ عن القاعدة ومخالفة لصيرورة ومنطق التاريخ الذي نأمل جنوح دول المنطقة إليه.

قصارى القول: تشغل الديون الخارجية على مصر وتهافت الدول والمؤسسات المانحة اليوم لتكبيل مصر عبر القروض أصحاب الآمال على مصر، كونها قاطرة للمنطقة وبوصلة يمكن الاسترشاد بها أو الاستدلال منها إلى مستقبل المنطقة برمتها.

إذ وبالتوازي مع حرب الإبادة على غزة وأهلها، تبدل المزاج الإقليمي والدولي تجاه مصر المستدينة أكثر من 165 مليار دولار.

وبدأت الأموال بالتدفق لدرجة صعوبة ضبطها ومعرفتها، فبعد موجة الإيداعات الخليجية بدأت الإمارات، كمثال ومؤشر إلى البترودولار والأدوار الوظيفية، تسابق نفسها اليوم بصفقة "رأس الحكمة" بقيمة 24 مليار دولار والتنازل عن 11 مليار دولار للمصرف المركزي المصري مقابل تصريفها للجنيه المصري، بعدما استثمرت بنحو 14 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بزيادة بنسبة 300% عما كانت عليه عام 2021.

والدليل بعد المؤشر الإماراتي يتأتى من صندوق النقد الدولي، والذي بالعادة يضنّ بالإقراض حتى تنفيذ وصفاته وخطط كبار أصحاب حصص أمواله، فقد رفع الصندوق قيمة قرضه لمصر من 3 إلى 9.25 مليارات دولار لتطاول حمى الرأفة بمصر واقتصادها البنك الدولي ومن ثم الدول الأوروبية، إذ لا يكاد يمر يوم من دون نبأ عن اتفاق أو قرض أو حزمة تمويل لجمهورية مصر العربية.

الأمر الذي يدفع كل حريص ومتابع للسؤال عن السبب، فهل الغاية تفتيت مصر عبر ملكيات خارجية ومشاريع نشاز عن الهدف والغاية المصرية، أم إبقاؤها بعجز متصاعد للتنازل عن الجغرافيا والإرث الحضاري.. وربما أكثر؟

أم ترى الهدف، كما يقرأ كثيرون هذا الكرم الدولي، إيصال ديون مصر إلى ما يوازي ما قيل عن لقاء توطين أهل غزة بسيناء، حين يصبح القبول بهؤلاء المقتلعين من وطنهم حلاً إجبارياً لمصر لإيفاء ديونها أو شطبها باتفاق دولي تتعهد جراءه واشنطن وتل أبيب بتعويض من لا يقبل بشطب ديونه.

نهاية القول: اقتصادياً، لا ضير بالقروض الخارجية ومهما بلغت نسبتها إلى الناتج الإجمالي، شريطة أن توظف القروض بمطارح ومشاريع ذات عائد، على الأقل، ما يوازي فوائد وأقساط الديون، وإلا سيكون القرض مصيدة جغرافية وسياسية من باب المال والاقتصاد.

الأمر الذي يحيلنا إلى المشاريع التي توطنها مصر من الديون، ما هي طبيعتها وقدراتها الإنتاجية والتنافسية، وهل ستعود على البلاد بأرباح تزيد عن أقساط القروض وتبتعد القاهرة عن التدوير والعجز وزيادة الدين. آخذين بالاعتبار ارتفاع إجمالي الالتزامات الخارجية هذا العام، أقساطاً وفوائد ديون، إلى نحو 42.3 مليار دولار.

أم تذهب القروض للخدمات والعقارات وتمويل شراء أسلحة تكدس، بعد حصص الفساد والإتاوات لتزيد نسبة ديون مصر عن 50% من ناتجها الإجمالي الذي لا يزيد عن 11 تريليون جنيه وتبلغ مصاف الدول العاجزة عن تسديد الديون، فيتراجع تصنيفها الائتماني وتغرق بوحل ما يرسم لها ولا يكون من بد للقبول بما لا بد منه.

مرة أخرى، ليس كامل السر بالديون وحجمها للناتج الإجمالي، ولنا بالتنين الصيني الذي تزيد ديونه عن 2.3 تريليون دولار مثالاً وبديون الولايات المتحدة الأعلى بالتاريخ والتي تزيد عن 31 تريليون دولار عبرة، لأن بقية السر بأن تلك الدول المستدينة تقرض وتشتري سندات، ربما بأكثر من ديونها.

بل وإن لم تكن دائنة كما الهند التي تبلغ ديونها الخارجية أكثر من 600 مليار دولار، فهي توظف القروض بمشاريع تنموية وتكنولوجية تزيد من الناتج والرفاهية وتحقق عائدات وأرباحاً تزيد عن الأقساط وفوائد الديون.

بيد أن مصر التي نحب ونخشى عليها للأسف، تغرق بخديعة الديون ووهم تحسّن سعر الصرف يوماً تلو آخر، من دون أن تحسب للفوائد والعجز وخط الرجعة.. إلا إن كان وراء الأكمة ما لا نعرفه أو لم يكشف الغطاء عنه بعد، كتوطين الفلسطينيين بسيناء أو بيع جديد وكبير للأصول والأراضي.. أو حتى مفاجآت جغرافية بواقع كسرتنا خلاله المفاجآت.

المساهمون