مصر: اقتناص "الدولار" من جيوب المغتربين يربك سوق السيارات

مصر: اقتناص "الدولار" من جيوب المغتربين يربك سوق السيارات

14 أكتوبر 2022
قفزة كبيرة بأسعار السيارات في مصر (Getty)
+ الخط -

شهدت أسواق السيارات في مصر حالة من الارتباك، عقب موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون جديد، ينص على إعفاء السيارات التي يستوردها مصريون مقيمون بالخارج، من رسوم الجمارك وكافة أنواع الضرائب، مقابل إيداع نقدي بتلك الرسوم بالعملة الصعبة، على حساب بنكي، لصالح وزارة المالية، بدون فوائد ولمدة 5 سنوات، تسترد بما يقابلها، بالعملة المحلية، عند انتهاء المدة.

حالة من الجدل الواسع اندلعت بين التجار والموزعين والزبائن على صفحات التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية، تباينت حولها الآراء، بينما فضلت وكالات استيراد السيارات الصمت لحين اتضاح الرؤية المستهدفة من القانون، حسمت الشركات المصنعة رؤيتها، بأن ما يحدث تصرفات وقتية، تسعى الحكومة من خلالها إلى جمع حفنة من الدولارات قد تؤثر على مستقبل هذه الصناعة.

وتمثل عوائد المصريين بالخارج أعلى مدخلات الدولة من العملة الصعبة، بلغ 32 مليار دولار عام 2021. ويبلغ عدد المصريين العاملين في الخارج نحو 10 ملايين مواطن، حسب بيانات رسمية.

اشترط مشروع الحكومة الذي اتخذته، عقب اجتماعها الأسبوعي مساء أول من أمس، أن يكون المصري راشدا ومقيما خارج البلاد، في تاريخ سداد المبلغ النقدي، وأن تستعمل السيارة في الاستخدام الشخصي.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويدفع المستفيد 100% من قيمة جميع الجمارك والضرائب والرسوم، المستحقة للإفراج عن السيارة، والتي تمثل عادة نحو 130% من قيمة السيارة التي تتراوح قيمتها ما بين 100 ألف إلى 700 ألف جنيه وسعة لترية للموتور 1600 سي سي. ترتفع تلك النسبة إلى 200%، للسيارات الأعلى فئة، وتصل إلى 300% في السيارات الفاخرة.

تتضمن الشروط أن يكون للمصري في الخارج حساب مفتوح منذ 3 أشهر، ويستثنى من ذلك الشرط الزوج المصري المقيم في الخارج وأبناؤه، المتوافرة به الشروط الأخرى، على أن يكون لهم إقامة قانونية سارية خارج البلاد. يحول المبلغ خلال مدة لا تتجاوز 4 أشهر من صدور القانون، بعد تمريره من مجلس النواب، للحصول على الموافقة بإتمام إجراءات الاستيراد والإفراج عن السيارة المستوردة لمدة عام، بعد تسجيل بياناته وبيانات السيارة المطلوب استيرادها ليمنح موافقة استيرادية تثبت تمام السداد وبيانات السيارة.

رفض وكلاء شركات تستحوذ على أكبر تعاملات في السوق المحلية، التعليق على القرار. أشار وكيل لسيارة أوروبية في اتصال لـ "العربي الجديد" إلى توقف 13 شركة صناعة سيارات أجنبية تتعامل مع السوق المصري، منذ 25 مايو/ أيار الماضي، احتجاجا على القيود التي وضعتها الحكومة على وارادات السيارات من الخارج، والتي شملت قطع الغيار ومستلزمات المصانع المحلية التي تعمل في صناعة وخدمات السيارات.

وأكد المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن الأمور لم تتغير حتى الآن، رغم تمكن بعض الوكلاء من إدخال السيارات التي وصلت إلى الموانئ المصرية، قبل 17 مارس/ آذار، بينما ما زالت جميع أمور الاستيراد معلقة للسيارات تامة الصنع وقطع الغيار، بما تسبب في ارتباك السوق بأكمله حتى الآن.

واعتبر موزعون لوكلاء أن مشروع القانون سيدفع بزيادة أسعار آلاف السيارات المستعملة، أسوة، بما شهدته البلاد، عقب الغزو العراقي للكويت، لا سيما في ظل زيادة أسعار السيارات عالميا، وارتفاع نفقات المصريين المقيمين بالخارج في الدول الخليجية وأوروبا والولايات المتحدة.

وفي المقابل، يرى البعض أن مشروع القانون، فرصة لضرب ما سموه "إمبراطوريات التجار والموزعين" الذين يتحكمون في سوق السيارات حاليا بوضعهم أسعارا تفوق قيمة كل سيارة والمعروفة بـ"أوفر برايس" تتراوح ما بين 50 ألفا إلى 200 ألف جنيه في السيارات الشعبية، وتصل إلى 500 ألف جنيه في المستويات المتوسطة، وتزيد عن مليون جنيه في المستويات الفاخرة (الدولار = نحو 19.7 جنيها).

وهلل مذيعون بقنوات فضائية، للقرار على أنه مشروع حكومي يدعم المصريين بالخارج، بعد تصريح المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء نادر سعد في عدة برامج "توك شو" بأنه جاء استجابة لطلبات متكررة من أعضاء بالجاليات المصرية بالخارج، من وزيرة الهجرة السابقة نبيلة مكرم عبيد، مؤكدا تمريره من البرلمان خلال فترة وجيزة.

اعتبر رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، محمد المهندس في تصريح خاص لـ "العربي الجديد"، مشروع القانون حالة مؤقتة لتجميع "شوية دولارات" (بعض الدولارات) لأن الحكومة تحتاج إليها، خلال فترة زمنية محددة. وقال إن تلك الحلول المؤقتة لن تفيد سوق السيارات وخاصة الصناعة، معبرا عن دهشته من أن يأتي القانون بعد ساعات من موافقة مجلس الشيوخ على إنشاء مجلس أعلى لصناعات السيارات، يستهدف تمويل صناعة السيارات صديقة البيئة.

وشدد المهندس على ضرورة اهتمام الدولة بدعم المنتج المحلي، بعد أن تعثرت جميع المحاولات السابقة، لإنتاج سيارة مصرية شعبية خالصة، شملت وقف نشاط شركة النصر للسيارات، التي كانت توفر للمصريين بالخارج والداخل سيارة شعبية قليلة الثمن والتكاليف.

وأضاف: الأجدر بالحكومة أن تعمل على حل المعوقات التي تواجه الصناعة المحلية، وإزالة الصعوبات التي يلاقيها المصنعون المحليون والأجانب، مؤكدا أن التكاسل في حل تلك الأمور، دفع بالشركات الفرنسية للعمل بالمملكة المغربية بدلا من مصر، حتى تحولت الأسواق المصرية إلى الاستيراد من المغرب الذي أصبح منذ سنوات قليلة بوابة تصنيع السيارات لشمال وغرب أفريقيا.

اعتبر موزعون لوكلاء أن مشروع القانون سيدفع بزيادة أسعار آلاف السيارات المستعملة، أسوة، بما شهدته البلاد، عقب الغزو العراقي للكويت

قال المهندس: القرارات المؤقتة لن تغير من حالة السوق حاليا، فلغة التجار المؤقتة، لا تناسب لغة الصناعة التي تحتاج إلى تشريعات دائمة وخطوات جادة نحو التصنيع المحلي واستقرار السوق ودعم ميزانية الدولة بأنشطة اقتصادية دائمة العائد والقيمة.

وفسر المهندس اهتمام البعض بالترويج للمشروع على أنه سيكون المنقذ لأسواق السيارات، التي تشهد ركودا واسعا، وارتفاعا كبيرا في الأسعار، بأن الأمر يتعلق بعدم فهم من يروجون له ويعكس حالة الناس التي تجلس في بيوتها الآن من ندرة العمل، وتسعى إلى وراء أي شيء ولو كان سرابا، لتمضية الوقت والإحساس بأنهم يفعلون عملا ما.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي احتفى كثيرون من المصريين بالخارج بمشروع القانون، مطالبين الحكومة بمزيد من التفاصيل الشارحة له، ليفهموا الخطوات التنفيذية لتفعيله. وعبر البعض عن غضبهم من مشروع القانون، وخاصة أن الحكومة ستحصل على 15 ألف دولار في المتوسط على السيارات التي سيجلبونها، وسيحصلون على قيمتها بالعملة المحلية، بما يعني خسارتهم للقيمة السوقية الحقيقية للدولار، بعد نفاد المدة الزمنية المقدرة بخمس سنوات.

وتسبب القرار في ارتباك بسوق السيارات المستعملة، التي شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار، مع ندرة وجود السيارات الجديدة، وعدم تحديد سقف زمني لفتح باب الاستيراد، ورفع القيود التي وضعها البنك المركزي للاستيراد من الخارج.

تواجه الحكومة شحا خطيرا في النقد الأجنبي، دفعت بنوك الأهلي ومصر والقاهرة إلى إصدار شهادات ادخار بالدولار تصل أرباحها إلى 5.5% لمدة سنوات. وتخشى من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الجهات الدائنة، وشراء مستلزمات السلع والاحتياجات الاستراتيجية، في ظل تراجع الاحتياطي النقدي وندرة العملة الصعبة، مع تباطؤ إجراءات حصولها على قرض من صندوق النقد الدولي، منذ 6 أشهر.

المساهمون