مزارعو ريف دمشق... معاناة في الإنتاج والتسويق

مزارعو ريف دمشق... معاناة في الإنتاج والتسويق

06 اغسطس 2022
عقبات عديدة تواجه المزارعين في سورية (فرانس برس)
+ الخط -

بعد كل محاولات التمسك بأرضه، قرر مفيد نايف، 51 عاماً، وهو مزارع من ريف دمشق، التخلي عن الزراعة وترك معظم محاصيله من الفواكه والخضروات دون قطاف بسبب عدم قدرته على بيعها وتسويقها.

ويقول المزارع الخمسيني لـ "العربي الجديد": "في بداية موسم الدراق بعت كمية أولى بسعر جيد من محصولي"، لكنه تفاجأ في اليوم الثاني بانخفاض سعر الدراق في سوق الهال بنسبة كبيرة جعلته يعجز عن بيع الدفعة الثانية بسعر معقول، حسب تعبيره، لكنه لم يكسب حتى أجرة نقل محصوله بالسيارة، إنما دفع الفارق من جيبه.

ويشتكي مزارعون في ريف دمشق من انعدام قدرتهم على تصريف منتجاتهم الزراعية، ومن خسارتهم المتكررة جراء صعوبة عملية الزراعة وارتفاع تكاليفها وسط شح المحروقات والجفاف وقلة الدعم الحكومي المقدم لهم.

ورغم تشكيل الصادرات الزراعية ما نسبته 65% من الصادرات السورية، بحسب تصريحات صحافية لرئيس اتحاد غرف الزراعة السورية محمد كشتو، إلا أن المزارعين يعانون من مشكلة تصريف وتسويق محاصيلهم الزراعية.

وهذا ما كشف عنه عضو لجنة تجار ومصدري الخضر والفواكه في دمشق محمد العقاد، في تصريح لصحيفة "الوطن" السورية، إذ قدَّر تراجع كميات الخضر والفواكه المصدرة إلى دول الخليج من معبر نصيب (جابر) مع الأردن المقابل لمحافظة درعا بنسبة تقارب 50%.

وأمام هذا الواقع الزراعي المتدهور، اختار النايف رهن ما تبقى من محاصيله الزراعية لأحد التجار مقابل حصوله على مبلغ محدد يخلصه من عناء وتكاليف نقل محاصيله إلى سوق الهال وبيعها بخسارة، وكذلك قيام التاجر بقطاف كامل المحصول وبيعه دون تدخل من النايف، الذي قال: "هي آخر سنة بزرع وبشتغل بالزراعة".

وتبلغ تكلفة نقل المحاصيل الزراعية من أرض المزارع إلى سوق الهال ما يقارب 650 ألف ليرة سورية، إذ تأخذ سيارات النقل أجرتها حسب الحمولة ووزنها، ويكلف نقل كيلو من الدراق حوالي 150 ليرة، وفي حال كان معبأ في عبوات صغيرة بين 600 و1700 ليرة لكل عبوة، بحسب إفادة المزارع نايف.

وفي حين وجد النايف نفسه مضطراً لتضمين محصوله لعدم قدرته على تحمّل تكاليف نقله، لجأ المزارع ياسين رحال إلى إتلاف ما يقارب الثلاثة دونمات من مادة الخس بسبب انخفاض سعره وتكاليف نقله العالية جراء عدم الجدوى من بيعه بخسارة.

ويقول المزارع الستيني لـ "العربي الجديد": "أكثر من مليون ونصف المليون ليرة تكلفة بين مازوت وسماد عضوي وسقاية لزراعة الخس في إحدى قرى جبل الشيخ ولم أجنِ منها ليرة واحدة"، مضيفاً أن ما يحدث في سوق الهال عبارة عن لعبة تجار.

ويخبر رحال "العربي الجديد" أنَّ ما حصل معه في موسم الخس، كان حدث في موسم الثوم الذي انخفض سعره فجأةً إذ وصل سعر الكيلو الواحد إلى أقل من ألف ليرة جراء قرارات حكومة النظام التي منعت تصديره حينها.

وكانت حكومة النظام السوري منعت في شهر آذار/مارس الفائت تصدير مواد غذائية مثل الثوم والبصل والبطاطا والسمن النباتي والحيواني، إضافة إلى الزبدة الحيوانية والزيوت النباتية والبيض وزيت الزيتون لمدة شهرين، ما كبد المزارعين ومنهم المزارع رحال خسائر كبيرة.

ويرى المهندس الزراعي، سائر بيضون، والذي يعمل في صيدليته الزراعية، أنَّ معاناة المزارعين من تصريف محاصيلهم ليست بجديدة، لكنها تفاقمت مع قرارات حكومة النظام التي تمنع التصدير.

ويقول لـ "العربي الجديد": "هناك مزارعون كثر اشتروا المبيدات الحشرية والسماد العضوي بالدين على أن يدفعوا بعد بيع مواسمهم، لكنهم خسروا مواسمهم وفقدوا حتى قدرتهم على الزراعة وخرجوا من العملية الإنتاجية".

وفي ظل تعرض مزارعين كثر لخسائر كبيرة جراء عدم قدرتهم على تسويق محاصيلهم، هناك من باع أرضه وتخلى عن الزراعة واتجه نحو الاستثمار العقاري. وهذا ما حدث مع سليم العص 44 عاماً، وهو من سكان الغوطة الشرقية، قائلا لـ"العربي الجديد" إن عدداً قليلاً ممن تبقى من سكان الغوطة يعمل في الزراعة اليوم، ومنهم من يزرع ما يغطي احتياجاته الغذائية فقط جراء ارتفاع كلفة الزراعة وعدم تحقيقها مردوداً عالياً كما كانت في السنوات السابقة.

أما المزارع سمير جنيد، 55 عاماً، يعيش حالة من الخوف على محصوله من التفاح، والذي تكلَّف عليه مبالغ كبيرة بين سقاية ورش مبيدات حشرية وسماد عضوي. ويقول لـ "العربي الجديد": "بيع المحصول في موسمه غير مربح لنا كمزارعين وتخزينه في البرادات لفترة الشتاء مكلف مادياً".

وفي العام 2018، قدّرت الأمم المتحدة تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية في سورية بنسبة أربعين في المائة بسبب التغيرات المناخية وتداعيات الحرب، إلا أن أسعارها لا تزال مرتفعة في مناطق سيطرة النظام.

المساهمون