محاولات متواصلة لكسر احتكار الدولار بقيادة الصين

31 مارس 2023
+ الخط -

استعرت الحرب بين الدولار واليوان بعدما نجحت الصين، صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، في ضم مزيد من الدول إلى دائرة البلدان المتعاملة باليوان والعملات المحلية في التجارة الخارجية رغم القوة التي تكتسبها العملة الأميركية في الوقت الحالي عبر زيادات متواصلة في سعر الفائدة بلغت 9 مرات على مدى عام، ما زاد من إقبال المستثمرين الأجانب على شراء السندات الأميركية ذات العائد المرتفع.

الجديد في هذا الاتجاه ما أعلنته الحكومة البرازيلية، يوم الأربعاء، من أنها توصلت إلى اتفاق مع الصين للتخلي عن الدولار واستخدام عملتيهما المحليتين في تبادلهما التجاري، بما يتيح للصين بوصفها أكبر منافس للهيمنة الاقتصادية الأميركية، وللبرازيل باعتبارها أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، إجراء صفقات تجارية هائلة مباشرة واستبدال اليوان بالريال وبالعكس بدلا من الاعتماد على الدولار.

الوكالة البرازيلية للترويج للتجارة والاستثمار (أبيكس برازيل)، قالت في بيان، إن "هناك توقعات بأن هذا سيخفض التكاليف ويعزز التجارة الثنائية أكثر ويسهل الاستثمار"، علما أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للبرازيل، حيث بلغت قيمة التبادل بينهما نحو 150 مليار دولار العام الماضي.

الإعلان عن الاتفاق تم خلال منتدى أعمال صيني - برازيلي رفيع المستوى عُقد في بكين، في أعقاب اتفاق مبدئي في يناير/ كانون الثاني الماضي. وكان من المقرر أن يحضر الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا المنتدى، لكنه اضطر إلى إرجاء زيارته للصين بعد إصابته بالتهاب رئوي، فيما قال مسؤولون إن "البنك الصناعي والتجاري الصيني" وبنك "بي بي إم" سينفذان التعاملات.

كما يأتي الاتفاق في إطار خطة تسعى بكين من خلالها، عبر التعاون مع دول عدة في العالم، للتخلص تدريجا من نظام الدولرة المهيمن على تسعير السلع الأساسية، ومنها النفط والغاز الطبيعي والمعادن.

وفي سياق هذه الرؤية الصينية، أعلنت "بورصة شنغهاي للبترول والغاز الطبيعي"، الثلاثاء الفائت، أن "شركة الصين الوطنية للنفط البحري" (كنوك) والفرنسية "توتال إنرجيز" قد أنجزتا عبرها أولى تعاملات الصين في الغاز الطبيعي المسال تجري تسويتها باليوان، وقد شملت نحو 65 ألف طن غاز مستورد من الإمارات، حسبما نقلت "رويترز" عن "توتال" من دون أن تتطرق لمزيد من التفاصيل.

وتركز الصين على تسوية معاملات النفط والغاز باليوان منذ سنوات، في محاولة لترسيخ مكانة عملتها دوليا وكبح سيطرة الدولار تجاريا. وخلال زيارة الرياض في ديسمبر/ كانون الأول، أعلن الرئيس شي جين بينغ أنه ينبغي لبكين أن تحقق "استفادة كاملة" من بورصة شنغهاي كونها منصة لتسوية تجارة النفط والغاز باليوان، بينما تتطلع عبر سياسة هادئة إلى إضعاف الدولار عن طريق اليوان ليحل محل العملة الأميركية في صفقات النفط، خاصة في ضوء زيادة تجارتها مع روسيا بعد غزوها أوكرانيا.

ومنذ عام 2009، انتهجت بكين سياسة جديدة تسعى من خلالها إلى تقليل اعتمادها على الدولار في معاملاتها التجارية، مع تسوية أكبر قدر من بضائعها في الأسواق الخارجية من خلال عملتها المحلية، إضافة إلى الدخول في خطوط ائتمان متبادلة مع العديد من المصارف المركزية حول العالم، ومنها البنك المركزي العراقي الذي أعلن في 23 فبراير/ شباط الماضي، عزمه على استخدام اليوان في تعاملاته وتبادلاته التجارية مع الصين، في خطوة كانت مرتقبة منذ فترة، في ظل أزمة الدولار التي شهدتها أسواق العراق في الآونة الأخيرة.

وينسحب هذا التوجّه على أكبر منتج للنفط في العالم، أي السعودية، التي أعلنت في يناير/ كانون الثاني الماضي، انفتاحها على التداول بعملات أخرى غير الدولار، وتنخرط في مفاوضات مع الصين من أجل استبدال الدولار باليوان في التجارة البينية، وسط أنباء عن احتمال تأسيس تحالف اقتصادي صيني سعودي روسي إيراني وانضمام طهران والرياض إلى مجموعة "بريكس" التي تضم 5 أعضاء حاليا.

وسبق ذلك تخلي الصين عن التعامل بالدولار مع روسيا وباكستان ودول أُخرى. وفي سبتمبر/ أيلول 2022، وقعت شركة "غازبروم" الروسية اتفاقا لبدء تحويل مدفوعات إمدادات الغاز الروسية إلى الصين إلى اليوان والروبل بدلا من الدولار، في خطوة تُعد أيضا جزءا من خطة روسية لتقليل اعتمادها على الدولار واليورو والعملات الصعبة الأخرى في نظامها المصرفي وفي التجارة، وهو دافع سرعته موسكو منذ أن تعرضت لعقوبات مالية واقتصادية، وباتت تسعى لاستخدام اليوان للحصول على ضمان مالي من الصين. وفي الاتجاه عينه، كثفت دول مثل بنغلادش وكازاخستان ولاوس مفاوضاتها مع الصين لتعزيز استخدام اليوان، كما بدأت الهند منذ أشهر قليلة في تأمين آلية دفع ثنائية مع الإمارات بالروبية.

وتتظهر سريعا جدوى حراك الصين لكسر احتكار الدولار، حيث أوردت وكالة أنبائها الرسمية (شينخوا) أن اليوان حافظ على موقعه كخامس أكثر العملات نشاطا في المدفوعات العالمية من حيث القيمة في فبراير/ شباط الماضي، وفقا لتقرير صادر عن "جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك" (سويفت).

وبالأرقام، بلغت الحصة العالمية لليوان 2.19% في فبراير/ شباط الماضي، مقابل 1.91% في الشهر السابق له. وفي ما يتعلق بالمدفوعات الدولية، باستثناء منطقة اليورو، احتل اليوان المرتبة الثامنة بحصة 1.48%. وبحسب قاعدة البنك الدولي لعام 2021، بلغ الناتج المحلي الصيني 17.7 تريليون دولار، بما يمثل حصة 18.4% من إجمالي الناتج العالمي البالغ 96.1 تريليون دولار آنذاك.

كما بلغت الصادرات السلعية الصينية 3.36 تريليونات دولار عام 2021، فيما بلغت وارداتها السلعية 2.68 تريليون دولار، ما يعني أن الميزان التجاري حقق فائضا لصالح الصين بقيمة 676 مليار دولار.

وفي السنوات القليلة الماضية، اتجهت "بريكس"، التي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ودولا أُخرى مثل إيران والأرجنتين، إلى تسوية المزيد من معاملاتها التجارية بالعملات المحلية، وصولا إلى عملة مستقرة مدعومة بالذهب وعملة احتياطية جديدة، وفقا لموقع "بزنس إنسايدر" الأميركي.

وفي هذا المجال، كشف تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في يوليو/ تموز 2021، أن الصين لديها خطة أكبر لتقليل اعتمادها على الدولار نظرا إلى الرقم الذي تمثله في التجارة العالمية، من خلال تهيئة البنية المالية التحتية التي تسمح في نهاية المطاف باستخدام العملة الصينية في العمليات التجارية بدلا من الدولار الذي ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، تراجعت حصته في احتياطات البنوك المركزية العالمية الأجنبية في نهاية الربع الثالث من العام 2021، إلى 59.15% من إجمالي احتياطات النقد الأجنبي المقدرة بأكثر من 11 تريليون دولار مقارنة بنسبة 59.23% في نهاية الربع الثاني.

الصين ليست وحدها

ولا تقف محاولات كسر موقع الدولار عالميا عند سور الصين، فقد اتخذت دول أخرى خطوات على هذا الصعيد، حيث أعلنت البرازيل والأرجنتين استعدادهما لإطلاق عملة مشتركة تُسمى "SUR" (جنوب)، ويمكن أن تصبح مشروعا شبيها باليورو تتبناه كل أميركا الجنوبية، وفقا لـ"بزنس إنسايدر".

أيضاً، تعمل روسيا وإيران معا على إنشاء عملة مشفرة مدعومة بالذهب لاستخدامها في التجارة العالمية. بيد أن مشروعا من هذا النوع قد لا يُكتب له النجاح إلا بعد تنظيم سوق الأصول الرقمية في روسيا تماما، وفقا لما سبق وأكده أحد المشرّعين في موسكو.

وعلى خط مشابه، وقعت الإمارات والهند اتفاقية تجارة حرة في العام الماضي، بهدف زيادة المعاملات غير النفطية إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2027، مع طرح فكرة إجراء تجارة غير نفطية بينية باستخدام الروبية.

المساهمون