ما وراء أزمة الوقود السورية: عقاب إيراني وشروط روسية

20 سبتمبر 2020
+ الخط -

استفحلت أزمة شح البنزين في الأسواق السورية، ما أوصل سعر الليتر المسعّر رسمياً حسب البطاقة الذكية 250 ليرة سورية والحر 450 ليرة، لنحو 2000 ليرة في السوق السوداء، ووصلت طوابير الانتظار الممتعضة أمام محطات الوقود، بحسب مصادر من دمشق، لعدة كيلومترات "أمام الكازيّات الكبرى الأزبكية، الربوة وساحة التحرير".

وتؤكد المصادر لـ"العربي الجديد" أن تراجع مخصصات المحطات والخوف من نفاد البنزين، بعد ما يقال عن وقف استيراد المشتقات النفطية، زاد من الازدحام وبقاء أصحاب السيارات أكثر من 20 ساعة أمام المحطات، حتى يتسنى لهم الحصول على نصف حاجتهم بعد تخفيض الكميات المخصصة للسيارات.

وعدلت وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة بشار الأسد، فترة تعبئة مادة البنزين لجميع الآليات العامة والخاصة والدراجات النارية في المحافظات السورية، لتبيّن خلال تعميم أصدرته أمس السبت، أنه يحق للآليات الخاصة والدراجات النارية التزود بالوقود لمرة واحدة بفارق زمني سبعة أيام من آخر عملية بيع، سواء من الشريحة المدعومة أو غير المدعومة، وفقًا لمخصصاتها الشهرية، وسمحت لكل آلية عامة تعبئة الوقود بفارق زمني أربعة أيام من آخر عملية بيع وفق مخصصاتها.

وسبق تحديد وزارة النفط فترات تعبئة البنزين، تعميم لرئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، أول من أمس، خفّض خلاله مخصصات السيارات الحكومية من مادة البنزين خلال أيلول الحالي، في خطوة، بررها التعميم، لمعالجة أزمة البنزين، الناتجة عن الحصار والعقوبات ومشاكل فنية، على حسب التعميم.

وتفجرت أزمة نقص البنزين التي تعانيها سورية تدريجياً منذ ثلاثة أشهر، تفجرت في الرابع من أيلول الجاري وقت خفّضت وزارة النفط مخصصات البنزين للسيارات الخاصة مع كل تعبئة، من 40 إلى 30 ليترا، واصفة التخفيض وقتذاك، بالإجراء المؤقت، لكنه استمر وطاول السيارات الخاصة والحكومية وحدد لهم فترات للحصول على البنزين. بعد أن أوقفت في التاسع من أيار الفائت، تزويد شريحة البنزين المدعوم للسيارات الخاصة ذات سعة محرك تتجاوز 2000 سم مكعب.

ويصف الاقتصادي السوري، علي الشامي عذر صيانة محطة بانياس والأسباب الفنية بـ"الكذبة الكبيرة" لأن الأزمة برأيه تفجرت بعد مغادرة وزير الخارجية الروسي والوفد المرافق دمشق، ما يشير برأي الاقتصادي الشامي إلى خلاف وعدم قبول نظام الأسد بالشروط الروسية المتعلقة بإبعاد إيران وبعض الطلبات الاقتصادية، ما دفع روسيا للضغط ووقف إمداد نظام الأسد، عبر وسطاء، بالمشتقات النفطية.

وحول سبب عدم إسعاف إيران نظام الأسد بالمشتقات النفطية لطالما الخلاف مع روسيا يتعلق ببقائها، يقول الشامي، فضلاً عن الحصار الاقتصادي وصعوبة تسويق النفط لسورية، إيران هي الأخرى تريد ثمن المشتقات النفطية فورا وبالدولار، ونظام الأسد يعاني من أزمة عدم توفر الدولار، كما أن الضغوط على رجال الأعمال ليستوردوا ويكون ثمن الشحنات بمثابة ديون على الدولة، يبدو أنها لم تعد تفلح، بعد أن ألزم النظام ومنذ عام، بعض رجال الأعمال بالقيام بمهمة تأمين المشتقات النفطية.

وتوقع الاقتصادي السوري لـ"العربي الجديد" أن تؤدي الأزمة الحالية للبنزين والخبز، ولاحقاً للمازوت الذي خفضت حكومة الأسد أخيراً مخصصات الأسرة من 200 إلى 100 ليتر، إلى سحب الدعم وتحرير أسعار المشتقات النفطية وحتى الخبز، بعد أن انسحبت إلى حد كبير، من دعم المقننات "سكر وأرز وشاي" خلال الأشهر الماضية وتكتفي منذ عام، بتوزيع الحد الأدنى حسب البطاقة الذكية الذي طاول منذ أيام الخبز وباتت حصة الفرد السوري 4 أرغفة يومياً.

وتراجع إنتاج النفط بسورية من نحو 380 ألف برميل عام 2011 إلى نحو 35 ألف برميل يسيطر عليها نظام الأسد اليوم، علماً أن سورية التي كانت تصدر نحو 140 ألف برميل نفط تعود عليها بنحو 5 مليارات دولار سنوياً، تسعى اليوم لتأمين الاحتياجات الداخلية بواقع تراجع الإنتاج وزيادة الاحتياجات اليومية عن نحو 4.5 ملايين ليتر من المازوت، ونحو 4 ملايين ليتر من البنزين ونحو 6500 طن من الفيول.

ويرى الاقتصادي عبد الناصر الجاسم أن توقف إمدادات المليشيات الكردية التي تسيطر على أهم منابع النفط، شمال شرق سورية، نظام الأسد بالمشتقات النفطية، هي أهم أسباب توقف عمل مصفاة بانياس، التي تضافرت مع أسباب أخرى، كتوقف إيران عن تصدير النفط لسورية، لأسباب سياسية تتعلق بالضغط عليه لعدم القبول بشروط روسيا والولايات المتحدة المتعلقة بتحجيم دورها بسورية، وأسباب اقتصادية تتعلق برفضها البيع ديناً أو وفق خط الائتمان كما كانت تفعل بالسابق.

ويكشف الجاسم عن خلافات بين المحتلين انعكست سلباً على توفر السلع وغلاء المواد بالسوق السورية "روسيا تطلب من الولايات المتحدة الانسحاب من منطقة التنف القريبة من الحدود العراقية، مستغلة فترة الانتخابات، وروسيا تطلب تحجيم دور إيران، وإيران بالمقابل تطالب بدور أكبر وتطبيق الاتفاقات، وبالنتيجة نفاد المشتقات النفطية وغلاء جميع السلع في السوق".

وتوقع الاقتصادي السوري استفحال أزمة المحروقات خلال الفترة المقبلة وقدوم فصل البرد "القصة لا تتعلق بالبنزين وتخفيض المخصصات 40%، بل أيضاً بالمازوت والغاز خلال الأشهر المقبلة"، واصفاً النظام السوري بالمفلس وغير القادر على تأمين احتياجات الشعب، والمسيطرون على الأرض سيقتصون من الشعب لتمرير شروطهم، على حد تعبير الجاسم.

المساهمون