عن أزمة الاقتصاد والحوار الوطني في مصر

11 مايو 2023
الحوار الوطني في مصر فرصة لوضع برنامج حقيقي للاصلاح الاقتصادي
+ الخط -

دعونا نتفق بداية على أن مصر تمر بأزمة مالية واقتصادية حادة، وأن جلسات الحوار الوطني الحالية قد تكون مناسبة لطرح الأزمة لنقاش موضوعي وجاد حتى يتم الوصول إلى حلول واقعية وقابلة للتنفيذ قبل فوات الأوان.

لكن علينا أولا ليس فقط الاعتراف بالأزمة القائمة، بل وعدم حصر أسبابها في عوامل خارجية أبرزها حرب أوكرانيا والتضخم العالمي.

فهناك أسباب محلية متراكمة لعبت الدور الأكبر في تفاقم الأزمة المالية منها سفه الاقتراض الخارجي، وتجاهل الحكومة للقطاع الإنتاجي خاصة المولد لفرص عمل وإيرادات دولارية، وإقامة مشروعات لا تمثل أولوية، كما أن هناك دولا كثيرة استفادت من الحرب الأوكرانية وأزمة الغلاء العالمي عبر زيادة الصادرات وتبني سياسات محلية لزيادة الإنتاج والحد من الواردات.

دعونا نتفق أيضا على أن الإصلاح السياسي هو مقدمة لأي إصلاح اقتصادي مرتقب في مصر، فلا يمكن إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقة دون حدوث توافق مجتمعي

ودعونا نتفق أيضا على أن الإصلاح السياسي هو مقدمة لأي إصلاح اقتصادي ومالي ونقدي مرتقب في مصر، فلا يمكن إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقة دون حدوث توافق مجتمعي على الحكومة التي تنفذ برنامج وخطط الإصلاح وتشرف عليه.

ولا يمكن إجراء مثل هذا الإصلاح الاقتصادي، وهناك خلافات سياسية حادة وعميقة بين أطياف المجتمع، أو أن جزءا من المصريين يخشى على أمواله من الضياع والتآكل بسبب التعويم المتواصل والتضخم، أو يخشى المصادرة والتحفظ على أمواله.

ولا يمكن إتمام مثل هذا الإصلاح الاقتصادي المرتقب وهناك برلمان صوري، وصحافة مقيدة، ولدينا إعلام الرأي الواحد، وغياب للحريات العامة، ولا يوجد احترام لحقوق الإنسان.

أو أن يشعر المواطن بأن القرارات الحكومية تخدم طبقة محدودة لا تتجاوز 5% من عدد السكان، أما الغالبية من الناس فمطحونة ومقهورة تواجه الغلاء والتضخم بمفردها.

ولا يمكن نجاح إصلاح اقتصادي حقيقي والسلطة الحاكمة تتبنى منذ 10 سنوات سياسات الغلاء والجباية والتوسع في فرض الرسوم والضرائب والنيوليبرالية المتوحشة التي تدهس الغالبية العظمى من المصريين وتلقي بهم في غياهب الفقر المدقع والغلاء والبطالة.

هذه قاعدة يجب الانطلاق منها قبل الحديث عن اصلاح اقتصادي حقيقي، وما دون ذلك نظل أمام حالة تيه متواصلة وحلول ترقيعية لن توصلنا إلى شيء جاد لصالح الوطن والمواطن، بل تأكل من رصيد الدولة على كل المستويات.

نأتي بعد ذلك إلى الخطوات العاجلة التي يجب القيام بها لوقف النزيف الحالي في موارد وثروات المجتمع والحفاظ على أصول الدولة.

يجب التوقف عن التعامل مع القضايا والأزمات الاقتصادية بمنظور أمني، أو تجاهل دراسات الجدوى عند تنفيذ المشروعات الكبرى، أو خنق القطاع الخاص لصالح الاحتكارات

هنا يجب تبني برنامج اقتصادي وطني قائم على معرفة صانع القرار بقدرات الدولة الحقيقية ومواطنيها، وليس قائما على اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وشهادات دولية يتم تسولها من هناك وهناك، أو على معونات وقروض خارجية، أو بيع أصول الدولة من بنوك وشركات وأراض.

هذا البرنامج الوطني يمكن أن يضع له خبراء وفنيين على مستوى عالى من الحرفية والوطنية خططا عامة يجري تطبيقها على الفور منها تحديد الأولويات، وتشجيع الإنتاج المحلي، والاهتمام بقطاعات الصناعة والتصدير والزراعة والسياحة والتكنولوجيا والتعليم المهني والاستثمار في التعليم والصحة والرعاية الصحية بما يعود على المواطن، وإعادة تشغيل أصول الدولة المعطلة بما فيها آلاف المصانع.

كما يتضمن البرنامج قواعد عامة يتم الالتزام بها منها التوقف عن التعامل مع القضايا والأزمات الاقتصادية بمنظور أمني، أو تجاهل دراسات الجدوى عند تنفيذ المشروعات الكبرى، أو خنق القطاع الخاص لصالح الاحتكارات القوية، وتجميد خطط الرفع المتواصل للضرائب لتأثيراتها الخطيرة على المواطن ومناخ الاستثمار.

كما يجب وقف الاقتراض الخارجي إلا للضرورة القصوى ولصالح مشروعات تدر عوائد دولارية، والتخلي عن سياسة الارتماء في أحضان الدائنين الدوليين، والتوقف عن الاعتماد على الأموال الساخنة في الدفاع عن الجنيه المصري وتقويته، وتجميد سياسة التوسع في بيع البنوك والشركات للأجانب، وعدم بيع أصول الدولة المنتجة والمدرة للربح والإيرادات، مع تشجيع الاستثمار المباشر والمستثمرين باعتبارهم المصدر الرئيسي لتوفير فرص العمل وزيادة الصادرات والحفاظ على النقد الأجنبي وعدم استنزافه في تمويل واردات يمكن إنتاجها محليا.

يجب وقف الاقتراض الخارجي إلا للضرورة القصوى ولصالح مشروعات تدر عوائد دولارية، والتخلي عن سياسة الارتماء في أحضان الدائنين الدوليين، والتوقف عن الاعتماد على الأموال الساخنة

كما يجب طمأنة المصريين أولا على أموالهم ومدخراتهم سواء كانوا مودعين وأصحاب مدخرات صغيرة أو مستثمرين ورجال أعمال أو مغتربين متأثرين بما ينشر سلبا عن الأزمة المالية في بلادهم خاصة من قبل الإعلام الأجنبي ومؤسسات دولية ووكالات تقييم.

لأن الطمأنة تؤدي إلى إخراج مليارات الدولارات من تحت البلاطة داخل بيوت المصريين وايداعها في البنوك مكانها الطبيعي، وبالتالي تتوقف ظاهرة المضاربات في العملة وحبس أموال ومدخرات المجتمع في الذهب والعقارات وتحريكها لأدوات إنتاج أخرى تساهم في زيادة الناتج المحلي وتوفير فرص عمل لملايين الشباب العاطلين من العمل.

المساهمون