عندما قالت السعودية وروسيا لـ"بايدن": لا

عندما قالت السعودية وروسيا لـ"بايدن": لا

10 نوفمبر 2021
تحالف الروس مع "أوبك" حصّن موقف المنتجين في مواجهة ضغوط الإدارات الأميركية (تويتر)
+ الخط -

طوال السنوات الماضية، كانت الإدارة الأميركية تُصدر تعليمات لدول الخليج النفطية تحدد فيها مطالبها بشأن اتجاهات أسعار الخام الأسود، صعوداً وهبوطاً بما يحقق المصالح الأميركية بالدرجة الأولى.

في مرات عدة كانت الأوامر الأميركية للخليج: "خفّضوا أسعار النفط عبر زيادة الإنتاج والصادرات النفطية والمعروض في الأسواق العالمية"، لأن زيادة السعر تؤدي إلى زيادة أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار ومازوت وغاز طبيعي.

وهذه الزيادة تثير، بالطبع، غضب الناخب ورجل الشارع الأميركي ضد إدارة البيت الأبيض، وهو ما يتم ترجمته في نتائج الانتخابات، سواء الرئاسية أو الكونغرس.

وفي مرات أخرى، كانت تعليمات واشنطن لدول الخليج: "ارفعوا أسعار النفط عبر خفض الإنتاج النفطي والحد من الصادرات وتعطيش الأسواق حتى ترتفع الأسعار".

لأن ذلك في صالح القطاع النفطي الأميركي، حيث إن زيادة الأسعار تنقذ شركات النفط الصخري وغيرها من شركات الطاقة من التعثر والإفلاس المالي وفقدان الأسواق الخارجية، بل وتملأ خزائنها بمئات المليارات من الدولارات.

كان كل ما يهم الإدارات الأميركية المتعاقبة تحقيق مصلحة الاقتصاد الأميركي، ومعه مصلحة المواطنين المستهلكين للمشتقات البترولية أصحاب الأصوات الانتخابية، وكذا مصلحة شركات النفط الصخري التي تتولى عادة دعم حملات المرشحين للانتخابات الرئاسية. وكانت دول الخليج تستجيب عادة للضغوط الأميركية التي تصل إلى حد الابتزاز.

وكان أبرز مثالين صارخين لذلك، الأول حينما سعت الولايات المتحدة لتفكيك الإمبراطورية الشيوعية وإسقاط الاتحاد السوفييتي في فترة الثمانينيات.

كان من بين الأدوات التي استخدمتها واشنطن لتحقيق الهدف هو الضغط على دول الخليج للدخول في حرب نفطية شرسة مع الإمبراطورية السوفيتية التي كان اقتصادها يعتمد بشكل رئيسي على إيرادات صادرات النفط.

من بين الأدوات التي استخدمتها واشنطن لاسقاط الإمبراطورية السوفيتية الضغط على دول الخليج للدخول في حرب نفطية شرسة مع موسكو

ساعتها ضخت السعودية كميات ضخمة من النفط في الأسواق العالمية أدت إلى تهاوي الأسعار، وهو ما أفقد الاقتصاد السوفييتي ومعه المركز المالي للدولة العظمى توازنه، وبعدها تسارعت عملية انهيار الاتحاد السوفييتي.

كما تكررت الحروب النفطية في 2014، حينما شنت السعودية حرباً شرسة على روسيا وإيران. وكذا في شهر إبريل/نيسان 2020، حينما اندلعت حرب نفطية ضارية بين الرياض وموسكو أدت إلى هبوط سعر النفط إلى أقل من 20 دولارا للبرميل، بل وبيع النفط الأميركي بأقل من تكلفة استخراجه. 

أما المثال الصارخ الثاني، فتم في عهد دونالد ترامب، والذي استخدم أساليب الابتزاز والضغوط ضد دول الخليج ليكون نفطها في خدمة الاقتصاد والمواطن الأميركي، بغض النظر عن الخسائر المالية الفادحة التي يمكن أن تتعرض لها هذه الدول، خاصة في ذروة أزمة كورونا وفرض العقوبات على النفط الإيراني.

وسار جو بايدن على نهج أسلافه، حيث طالب قبل أيام منظمة "أوبك" وتحالف "أوبك+" بزيادة الإنتاج النفطي، حتى تهدأ أسعار البنزين والسولار والغاز في الولايات المتحدة، ويتم تخفيف الضغوط المعيشية على المواطن الأميركي. 

لكن الجديد هنا هو رفض التحالف النفطي الخضوع لضغوط الإدارة الأميركية، وهو ما أثار غضب بايدن الذي هدد باللجوء إلى الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي لمواجهة زيادات الأسعار. كما حذّر من أنّ إدارته لديها سبل للتعامل مع ارتفاع أسعار النفط.

في رأيي أن تحالفا نفطيا قويا ظهر للعلن في السنوات الأخيرة قادر على التصدي للابتزاز الأميركي، وهو تحالف "أوبك+"، الذي تقوده روسيا بالتعاون مع السعودية، وهما أكبر دولتين منتجتين للنفط في العالم، والأكثر تأثيرا في قطاع الطاقة.

دول الخليج وروسيا ودول نفطية تنظر لارتفاع أسعار النفط على أنه فرصة ذهبية قد لا تتكرر لحصد الثروات وإعادة تكوين احتياطياتها الأجنبية

وهذا التحالف الذي نجح في وقف تهاوي أسعار النفط خلال جائحة كورونا يختلف عن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" التي تقودها السعودية منذ سنوات طويلة، وتضم في عضويتها عددا من دول الخليج والعراق وليبيا وغيرها من الدول المنتجة للنفط.

تحالف "أوبك+" بات له القول الفصل في تحديد حجم الإنتاج النفطي في الأسواق العالمية واتجاهات الأسعار، ومع قيادة روسيا له فإن تأثيره بات يقوى في قطاع النفط والطاقة العالمي.

الأمر الثاني هو أن دول الخليج وروسيا وغيرها من الدول النفطية تنظر للارتفاع الحالي في أسعار النفط على أنه فرصة ذهبية قد لا تتكرر لحصد الثروات الضخمة وإعادة تكوين احتياطياتها من النقد الأجنبي التي فقدت مئات المليارات خلال جائحة كورونا، والحرب النفطية في 2020، وتعويض الخسائر الفادحة التي تكبدتها منذ نهاية 2019.

كما باتت روسيا تنظر لملف الطاقة بشكل عام على أنه ملف سياسي بالدرجة الأولى يتم من خلاله الضغط على الغرب، خاصة مع القفزات التي تشهدها أسعار النفط والغاز الطبيعي.

المساهمون