عقوبات فنزويلا وسوق النفط.. تأرجح أميركي مؤثر في اقتصادات دول الخليج

عقوبات فنزويلا وسوق النفط.. تأرجح أميركي مؤثر في اقتصادات دول الخليج

17 ديسمبر 2023
فرض العقوبات أو تخفيفها ينعكس على أسعار النفط (Getty)
+ الخط -

يلقي التأرجح الأميركي بين تخفيف العقوبات واستمرارها على قطاع الطاقة الفنزويلي بظلاله على أسعار النفط، ومن ثم اقتصادات دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير حتى الآن على إيرادات الطاقة.

وأعلنت الإدارة الأميركية، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن تخفيف العقوبات المفروضة على فنزويلا في قطاعي النفط والغاز، بعد اتفاق بين الحكومة والمعارضة لتنظيم انتخابات رئاسية في 2024.

ثم عادت وأعلنت، في وقت سابق من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، عن دراسة إمكانية التراجع عن هذا التخفيف، في ظل عدم تحقيق أي تقدم باتجاه الإفراج عن الأميركيين المعتقلين لدى كاراكاس وملف "السجناء السياسيين" في فنزويلا بوجه عام. 

وبدا أن واشنطن تتعمد هذا "التأرجح" في موقفها، فالتلويح بالعقوبات يؤثر بالأساس في النفط، وهو خام التصدير الأول لفنزويلا، خاصة في ظل تصاعد التوتر بين الأخيرة وجمهورية غويانا.

وأجرت كراكاس استفتاء شعبيا بشأن "فرض السيادة وضمّ إقليم إيسيكويبو الغني بالنفط، الذي تسيطر عليه غويانا ويمثل ثلثي مساحتها"، وانتهى بتأييد كاسح للضم، حسب ما أورد بيان لجنة الاستفتاء بفنزويلا في 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري. 

وفنزويلا هي عاشر أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، فيما تضم غويانا "مربع ستابروك"، الذي تُقدَّر احتياطياته بنحو 11 مليار برميل من النفط، ما يعني أن مستقبل التصعيد بين فنزويلا والولايات المتحدة من جانب، وبينها وبين غويانا من جانب آخر، سيمثل عامل تأثير قوياً على السوق النفطية.

يأتي ذلك في ظل تصاعد المخاطر الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومنع الحوثيين حركة السفن المتجهة إلى دولة الاحتلال.

واتهم الرئيس الفنزويلي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كلًا من غويانا والولايات المتحدة وشركات النفط بسرقة أراضي فنزويلا، عبر ما وصفه بـ"الاستعمار القانوني"، حسب ما أوردت وكالة "رويترز"، وذلك بعد ارتفاع عدد اكتشافاتها النفطية إلى 46، وهو ما أثار حفيظة المسؤولين في فنزويلا، التي تهاوى اقتصادها رغم أنها صاحبة أكبر احتياطيات نفطية في العالم.

سقوف نفطية 

ويشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي علي أحمد درويش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن المرحلة الحالية تعطي بعض الإشارات إلى أن واشنطن قد تعيد النظر في تخفيف العقوبات المفروضة على فنزويلا، مشيرا إلى ارتباط ذلك بسقوف جديدة ربما تفرضها الولايات المتحدة على تصدير النفط الفنزويلي. 

ويوضح درويش أن فنزويلا من دول منظمة أوبك وتملك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وبالتالي فإن رفع سقف العقوبات الأميركية سيستهدف النفط بالأساس، ما سينعكس بالضرورة على سوق النفط بوجه عام، والذي تلعب فيه دول الخليج العربية دورا رئيسيا. 

ويضيف درويش أن كميات النفط المصدرة من أوبك والدول المتحالفة معها في إطار تكتل "أوبك+" هي التي تحدد الأسعار في السوق بنسبة كبيرة، وفق معيار العرض والطلب على مستوى العالم، وهو المعيار الذي أسفر عن تراجع في أسعار النفط مؤخرا، في ظل حالة الركود على المستوى الاقتصادي العالمي.

وعليه، فإن تأثر فنزويلا، كمصدر نفطي كبير، يؤثر على كميات المعروض النفطي في السوق، ما ستتأثر به دول الخليج، التي لا تزال تبني تعادل موازناتها على سعر النفط بالأساس، بحسب درويش، مشيرا إلى أن أوبك عادة ما تحاول أن يكون الحد الأدنى لسعر البرميل في حدود 80 دولارا.

وفي هذا الإطار، يرى درويش أن رفعا أو تشديدا جزئيا للعقوبات على فنزويلا سيكون ذا تأثير على كميات تصدير النفط مقارنة بالمرحلة السابقة، خاصة أن فنزويلا جغرافيا قريبة من الولايات المتحدة والشركات الأميركية مستهلك رئيسي لنفطها، ما يعني أن الوصول إلى اتفاق هو في صالح الطرفين، ما ينعكس لاحقا على دول منظمة أوبك بوجه عام، ودول الخليج العربية بوجه خاص. 

ورغم أن العديد من الدول الخليجية تسارع ليكون لديها تنوع في الإنتاج وعدم الاعتماد بشكل كبير على النفط موردا أساسيا، إلا أن النفط لا يزال هو المصدر الأول لمداخيلها، وعليه، فإن الاتفاق الأميركي الفنزويلي يظل ذا تأثير مباشر على اقتصاديات دول الخليج. 

وعلى التوازي، سيكون لحجم النمو في الاقتصاد العالمي تأثير مهم في أسعار النفط واقتصادات دول الخليج، إذ يؤثر مباشرة على حجم الاستهلاك النفطي في العالم، بحسب درويش. 

استراتيجية فاشلة

ويشير الخبير في الاقتصاد السياسي الأستاذ بجامعة لونغ آيلاند في نيويورك بكري الجاك، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن تخفيف العقوبات الأميركية عن فنزويلا جرى أصلا بعد فشل سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي قامت على التشدد والتشكيك في شرعية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ولذا، فإن تراجع الولايات المتحدة عن تخفيف كهذا هو عودة لما ثبت فشله. 

وفي ما يتعلق بتأثير النزاع الحدودي بين فنزويلا وغويانا، يلفت الجاك إلى أن الولايات المتحدة تدعم غويانا بشكل كامل، خاصة أن قرارات الشرعية الدولية بتت في هذا النزاع بقرار يعترف بسيادة غويانا على إقليم إيسيكويبو.

ولا يتوقع الجاك تطورا لصالح فنزويلا في ملف الإقليم، لكن تأثير تخفيف العقوبات عنها "يمكن أن يكون له تأثير غير مباشر على دول الخليج، إذ إن زيادة ضخ فنزويلا النفط وفتح بعض الأسواق العالمية لها يمكن أن يؤدي إلى تراجع أسعار النفط عالميا نتيجة لزيادة العرض"، حسب قوله. 

ويتوقع الجاك أن يكون لتطور كهذا تأثير على دول الخليج "في المدي البعيد"، خاصة أن اقتصاداتها ما زالت مرتبطة بالنفط بشكل مباشر.

المساهمون