عام على كارثة العصر

عام على كارثة العصر

06 فبراير 2024
تركيا خرجت من أزمة الزلزال رغم تكاليفه (فرانس برس)
+ الخط -

لم يصب الزلزالان بشدة 7.7 و7.6 على مقياس ريختر، وما تبعهما من 2700 هزة ارتدادية مباشرة، في مثل هذا اليوم من العام الماضي تركيا بمقتل.

بل يمكن القول، بالنظر لنسبة الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 البالغة 4.7%، إن تركيا خرجت من أزمة الزلزال رغم تكاليف مقدرة ناهزت 100 مليار دولار بعد تهديم 850 ألف منزل وخروج الخدمات والمنشآت عن الإنتاج بالولايات المنكوبة جراء ما وُصف بأسوأ كارثة ضربت تركيا خلال القرن الأخير طاولت مساحة 120 ألف كيلو متر مربع في 11 محافظة و124 مدينة و6,929 قرية.

وينكأ السادس من فبراير/شباط اليوم جراحات الأتراك التي لمّا تتخثر جميعها، بعد مقتل 53,500 ألف شخص وإصابة 103,213 آخرين وخراب امتدّ على 120 ألف متر مربع طاول 124 قضاءً و6 آلاف و929 قرية ضمن 11 ولاية تركية، ليصل عدد المتضررين مما اتفق على تسميتها "كارثة العصر" 14 مليون شخص في تركيا، استدعت رفع حالة الإنذار إلى المستوى الرابع، الذي يشمل طلب المساعدة الدولية، لتستقبل البلاد بعدها مساعدات من 93 دولة.

وربما مناطق الزلزال التي وصفت بالولايات المنكوبة، من أقل مدن تركيا كثافة وغنىً، لكنها الأكثر إنتاجاً للزراعة بمساهمتها بنحو 14% من الإنتاج الزراعي جراء مساحتها التي تزيد على 31% من المساحة الزراعية للبلاد وغناها بالأنهار والسدود، والمساهمة بنحو 11% من الناتج الصناعي، على اعتبار جنوبيّ تركيا خزاناً للمواد الأولية.

ما زاد من الوجع والتصميم على بلسمة الجراح بأسرع ما يمكن، إن عبر تأمين مأوى للمنكوبين عبر 650 ألف خيمة أو بناء 215 ألف منزل مسبق الصنع، من دون إهمال الخدمات والتعليم اللذين جندت لهما تركيا موازنات خاصة، ومنحت سكان المناطق المنكوبة "كارت أخضر" ليسكنوا بأي ولاية يشاؤون مع كامل التسهيلات، وبمقدمتها المساعدات المالية التي زادت 106 مليارات ليرة.

قصارى القول، أنه لم يغب عن الذاكرة بعد، خطورة توقيت الزلزال بتركيا، فضلاً عمّا خلفه من قتل وخراب، فعام 2023 كان العام المنتظر للأتراك ليحتفلوا بمرور مائة عام على تأسيس الجمهورية الأولى على يد مصطفى كمال أتاتورك، وبلغت الأحلام أوجها وعلى الصعد كافة، لدخول نادي العشرة الكبار اقتصادياً والبدء باستثمار ثرواتهم المكتشفة وتدشين المشروعات.

وتعلن تركيا "أنها هنا" بعد زوال قيود الاتفاقات وبلوغها، لسنوات، المرتبة الثانية بالنمو ضمن مجموعة العشرين التي دخلتها قبل عقد من الزمن.

وكان عام الزلزال عام الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أي عام التحدي السياسي الداخلي بعد التحول إلى النظام الرئاسي وتوعّد المعارضة بالوصول إلى الحكم، إثر عزفها على مآسي الزلزال وبعد فوزها بالانتخابات المحلية بكبرى ولايات تركيا، من إسطنبول فأنقرة وصولاً إلى إزمير.

ما يعني في ما يعني، أن الرهان على هزة لتركيا، الدولة والمؤسسات والتطلعات، قد لا تقلّ عن شدة هزات زلزال قهرمان مرعش التي كانت الأقوى منذ قرن، وتعالت النبوءات بهزات ارتدادية بعد محاولات الاتهام بالتقصير وسوء العمران الذي أودى بمتعهدي بناء وموظفين إلى أقفاص المحاكم وغيابات السجون.

نهاية القول: السؤال اليوم، بعد مرور عام على الزلزال والهزة القوية التي دفعت مسؤولي تركيا، إنسانياً، ولهول المصاب والخسائر، إلى البكاء أمام شاشات التلفزة على الهواء، هو: أين تركيا اليوم، وكيف أثرت كارثة العصر فيها؟

ربما مقولة "عادت أقوى من ذي قبل" فيها شيء من المبالغة وأشياء من اللامسؤولية، لأن خسائر البشر، حوامل التنمية، لا يمكن تعويضها أو القفز عليها خلال حسابات التطور والخسائر وحتى الإعداد للمستقبل، كذلك لا يمكن القفز، بأي شكل، على استغلال الزلزال لتسويق القوة، ومن الأطراف جميعها واعتباره ورقة سياسية، رغم وجع التلويح بتلك الورقة.

لكن تركيا عادت قوية، ربما مقولة متوازنة ولا انحياز فيها، فاستمرار نسبة النمو وزيادة الصادرات إلى الأعلى بتاريخ البلاد وتسليم المساكن كما الوعود، بعد تكفّل الدولة ببناء 650 ألف وحدة سكنية و170 ألف محل تجاري، فضلاً عن التعويضات للمتضررين ليبنوا ويرمموا كما يشاؤون، وربما بزيارة الولايات المنكوبة اليوم، بعد إزالة جلّ علائم النكبة، جميعها أدلة على الحيوية والمسؤولية التي تعهدت بها تركيا.

كذلك يجدر هنا التطرق إلى اللحمة الداخلية والمسؤولية التي تبدت من الداخل التركي، فحملة "تركيا قلب واحد" وجمع 129 مليار ليرة، كان لها الدور في وقوف البلاد وتقليص عجز الموازنة.

وقد يتعاظم الدور التركي بجميع أطيافه، حين مقارنته بالدور السوري، على اعتبار الزلزال طاول بعض المدن.

فهنا يبكي المسؤولون على الهواء، بعد زياراتهم لجميع المناطق المنكوبة، وهناك يقهقهون خلال زيارة وحيدة لمناطق الكارثة. هنا تعهدوا بالبناء والتعويض وفعلوا، وهناك وجدوا بالزلزال فرصة لكسر العزلة الدولية والمتاجرة بمآسي السوريين، بل أنشأوا على عجالة مؤسسات ليسرقوا عبرها المساعدات ويبيعوا السوريين الكلام والخطابات المقاومة.

المساهمون