صُنع في غزة

صُنع في غزة

13 نوفمبر 2023
تتعرض غزة بأطفالها وشيوخها ونسائها لمجازر لعلها الأعنف في العصر الحديث (Getty)
+ الخط -

بدلّت المقاومة الفلسطينية، في ما بدلته من مخاوف وقناعات، أبجدية الصناعة والتفوق التكنولوجي، بعدما عرّت وأسقطت الأقنعة والشعارات، مؤكدة بدخولها غلاف غزة المحتل بعد تعطيل أجهزة المراقبة لأعقد التقنيات العالمية، عبر مسيّرات محلية الصنع، ومن خلال النتائج على الأرض ومواجهة السلاح الأميركي والإسرائيلي لنحو 40 يوماً، أن الإرادة هي عامل تطور الصناعة الحاسم، وربما من بعدها تأتي أدوار الموقع والطاقة والأيدي العاملة ورأس المال.

ودحضت المقاومة، أيضاً في ما دحضته، مقولات تفوّق العقل الغربي وسطوة التكنولوجيا الأميركية، لتضيف التصميم واسترداد الحقوق والكرامة، كأمهات جديدة للاختراع، غير الحاجة.  فمنذ ولادة "حماس" عام 1987 ومعادلة الحصول على القوة والندية نصب أعين قادتها، لتبدأ بعد وصولها لسلطة غزة بقوة الصناديق عام 2006، مشوار السعي للاكتفاء الذاتي وإيجاد البدائل المحلية، على صعيد حاجة نيف و2 مليون فلسطيني، ضمن المتاح والمستطاع، بواقع حصار مطبق ومراقبة مستمرة ومحاولات، القريب قبل الغريب، إفشال التجربة وجرها إلى حظيرة الخضوع والإذلال.

ربما التقييم وفق تطور الصناعات الزراعية والمنتجات الاستهلاكية، ظلم لمن حوصر بمساحة لا تزيد عن 1.5% من مساحة فلسطين، بعدما أطبق عليه، العدو والشقيق، جميع المنافذ وضنّ عليه حتى بمواد أولية يمكن أن يستفيد العقل المبدع من قيمها المضافة ويحيلها، بأقرب للإعجاز، إلى أدوات مواجهة أو أسلحة فعالة، فوجدنا منع توريد الحديد وتقنين دخول الأدوات الصحية ومنع الكيميائيات ومراقبة النفط.

بيد أن أمهات الحاجة مكنّت الساعين لامتلاك لغة العصر من تدوير الموجود وتطوير المتاح واختراع الجديد، الذي أحال عبور الحواجز واختراق تكنولوجيا السياج الفاصل، صدمة أبدية لإسرائيل والولايات المتحدة، لتضاف، في السابع من أكتوبر، إلى إذلال الجيش بعد سلسلة مقولات لا يقهر.

بجردة حساب سريعة ما بين عام 2014، وقت قالت إسرائيل إنها حطمت وحجمت قدرات حماس، والحرب اليوم، نرى مدى التطور بالصناعة العسكرية التي أعادت، أو يجب أن تعيد الرشد لكل يهرول للاستسلام ويرى في إسرائيل قوة يركن إليها ولو على حساب المغتصبات والحقوق والكرامة.

فحماس، ورغم القصف والرقابة ومحاولات الاختراق وحصار مصر المطبق، للمنفذ الوحيد، عرفت منذ بداية مسيرتها بالصناعة العسكرية عام 2001، كيف تنقل صواريخ القسام من كونها بدائية إلى ما تخترق دبابات الميركافا، فخر الصناعات الإسرائيلية وترفع عدد العربات المدمرة إلى أكثر من 160، إلى جانب تطوير الصواريخ التي طورت فعاليتها ومداها، من 3 أميال ليصل مداها اليوم إلى أكثر من 150 ميلا وتطاول جميع أصقاع إسرائيل.

وربما بصناعة الأنفاق إعجاز ولغز تحاول واشنطن إلى جانب تل أبيب حله، بعدما أعيتهما صناعة الطائرات الشراعية ومن دون طيار "أبابيل والزواري" وحاروا في مواجهة الأسلحة المضادة المحمولة، وما زالوا يتوقعون المفاجآت، من طوربيدات بحرية "العاصف" ومضادات جوية وأرضية "القسام 105"، والتي ستثنيهم، ولا شك، عن الهدف العنصري المدمر الذي أعلنه مجرم الحرب، بنيامين نتنياهو ليغطي، بطول فترة الحرب وزيادة القتلى المدنيين، عن الذل والضعف والاختراق الذي ألحقه الشاب الفلسطيني بطفلة أوروبا المدللة والنجمة الواحدة والخمسين للولايات المتحدة.

قصارى القول: أمام ما أتينا عليه من تطور صناعة حماس العسكرية، وإن لنا تساؤلات ومآخذ على بعض نهجها أو تحالفاتها، أمام تلك النهضة أو الثورة الصناعية، ألا تنتفي، الحاجة لاستيراد الدول العربية أسلحة، إلا، إن كان هدف وغاية زيادة الاستيراد، كما رأينا خلال ثورات الربيع العربي، هما قمع الشعوب وقتلهم، إن اقتضى الأمر واقترفوا إثم التطلع للدولة والحرية والكرامة، أو العدالة بانتقال السلطة وتوزيع الثروة ، كما في سورية وليبيا واليمن؟

أو، إن يتم التحضير لعدوان عربي عربي، كما رأينا في اليمن، أو لحرب داخلية بين أبناء الوطن، كما في السودان واليمن حتى اليوم، وفي ليبيا بالأمس وقبلها أمثلة لا تنتهي بأمة قحطان.

أما أن يأتي تبرير استيراد الأسلحة للتوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، كما يطرح حتى اليوم بسورية ولبنان، أو سابقاً بمصر، فهذا ما دحضه التفرّج على قتل الفلسطينيين منذ نحو 40 يوماً، والاكتفاء، كأعظم الإيمان، بالإدانة والشجب والاستنكار والتي لا تحتاج مليارات الدولارات سنوياً يجوع بذريعتها الشعب وتأتي فواتير التسليح، على حصة الزراعة والتعليم والصحة.

وبنظرة سريعة على فواتير التسليح للمنطقة العربية، والخليج على نحو خاص، نرى أنها الأعلى بالعالم، قياساً للناتج الإجمالي أو الكمية والقيمة، فالمملكة السعودية، على سبيل الذكر، تحتل المرتبة الأولى عربياً والثانية عالمياً في شراء السلاح بعد الهند، وتبلغ نفقاتها العسكرية لعام 2023 نحو 259 مليار ريال (69 مليار دولار)، بزيادة قدرها 6.4% عن عام 2022.

وتحتل الإمارات، على سبيل الذكر أيضاً، ثاني أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث الإنفاق العسكري بعد السعودية، وتمثل هذه النفقات نحو 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي، لتكون قطر ثالث أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث الإنفاق العسكري بعد السعودية والإمارات، تبلغ قيمته 13.1 مليار دولار والكويت رابعاً بنفقات عسكرية لعام 2023 بنحو 12.6 مليار دولار وسلطنة عمان خامساً.

ولا تغيب مصر، التي تتلقى سنوياً 1.3 مليار دولار من الولايات المتحدة كمساعدات عسكرية، عن قوائم الأكثر استيراداً للأسلحة، إذ تستورد ما نسبته 4.5 من تجارة السلاح بالعالم، وإن كانت الحصة الأكبر من الأسلحة الروسية بنحو 34% من وارداتها.

نهاية القول: لسنا من السذاجة أو الاندفاع لندعو دول الخليج أو الدول العربية بشكل عام، لوقف استيراد الأسلحة بالمطلق، لأن الحفاظ على أمنها، من مخاطر الجوار، بالنظر لموقعها الجيوسياسي المهم وثرواتها الباطنية المغرية، يفرض امتلاكها ترسانة تحمي الحدود وأمن السكان وتلجم تطلعات الطامعين.

لكننا ندعو إلى الاقتداء بغزة المحاصرة، إن بصناعة الكرامة أو توطين هذه الصناعة، أو على الأقل، متسارعة التطور، كالمسيّرات والمتممات التكنولوجية، فهي تمتلك المواد الأولية والأموال الكافية لجذب كبار الباحثين والصناعيين، فتخفف عبء فاتورة استيراد سنوية، تضطر تلك الدول لتجديد الترسانة وملاحقة المستجدات وإرضاء المصدرين، نظراً للبقاء بمستنقع الضعف وقدم وعدم استخدام الأسلحة.

المساهمون