شلل أسواق مصر... وتفاؤل حكومي

شلل أسواق مصر... وتفاؤل حكومي

02 فبراير 2023
الركود يضرب قطاعات عديدة (Getty)
+ الخط -

بين تفاؤل حكومي مفرط وواقع يراه الناس مفزعا، تسود الأسواق المصرية حالة من الشلل في البيع والشراء يتوقع خبراء أن تدفع إلى انفجار فقاعة معيشية واقتصادية، تتناثر شظاياها في كل الاتجاهات.

على مدار الأيام الماضية، بشر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في جولات ميدانية ومؤتمر اقتصادي موسع، بأن البلاد خرجت من أزمة البضائع المتراكمة في الموانئ وعادت المصانع للعمل بكامل طاقتها، بعدما توفر لديها مخزون من مستلزمات الإنتاج يكفيها شهرين. بينما يتراجع الجنيه في البنوك، ويرفع من معدلات التضخم.

يقول مدبولي: "إن الحكومة ملتزمة بالتحول الدائم لسعر الصرف المرن، لاستعادة التوازن في سوق العملة المحلية، وفقا للبرنامج الاقتصادي الموقع مع صندوق النقد، ليضمن انخفاض الدين العام، وحل أزمة نقص العملة التي ضربت البلاد في الأشهر الأخيرة".
"تدرك الحكومة أن المسار الذي تسلكه مسار طموح"، كما يذكر رئيس الوزراء المصري دفعها لتوجيه مليارات الدولارات للإفراج عن بضائع بقيمة 14.5 مليار دولار، والمدهش أن يعلن وزراء تمسكهم بتنفيذ مشروعات غير ذات جدوى، وكأنهم في دولة بترولية غنية تغرق في السيولة، بينما تسرع الخطى في كتابة النص النهائي لمشروع قانون "وثيقة ملكية الأصول العامة" ليوافق عليه البرلمان، ولتبدأ في بيع الشركات العامة للأجانب وأسواق المال.

تستهدف الحكومة التمهيد لبيع أصول بقيمة 10 مليارات دولار خلال العام الحالي، والموافقة على تمويل ثاني شريحة من القرض المخصص من الصندوق، تبلغ 350 مليون دولار، والالتزام بسعر الصرف المرن، قبل أن تأتي بعثة الصندوق في منتصف مارس/ آذار المقبل لمراجعة ما اتفق عليه.
تتصاعد أسعار السلع في الأسواق، بداية من الألبان والدجاج واللحوم، ومرورا بالحديد والإسمنت والأدوية وانتهاء بمستلزمات المصانع وقطع الغيار والسيارات.

ترتفع الأسعار يوميا، وبطريقة عشوائية، يقول عنها مسؤولون: إنها حالة مؤقتة ستنتهي بعد أن تظهر قيمة ما تفعله الحكومة من تسهيلات للموردين والمصنعين في السوق.
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية عماد قناوي، في بيان صحافي، إن الأزمة الحالية في أسعار وتوافر السلع ناتجة عن ضبابية المستقبل، وعدم وضوح الرؤية لكل من المنتج والمستهلك، بما يوجد تهافتا على السلع محدودة الكمية، ويضع تسعيرها خارج نطاق العرض والطلب.
ويراهن رئيس الغرفة التجارية بمحافظة القليوبية، شمال العاصمة، والقريب من الدوائر الحكومية، محمد عطية الفيومي، أن الاقتصاد المصري قادر على تخطي الأزمة الراهنة، مستشهدا في بيان وجهه لـ"العربي الجديد"، بتثبيت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني لمصر صدر الأسبوع الماضي، عند مستوى B/B، على الأجلين الطويل والقصير مع نظرة مستقبلية مستقرة.

ويأمل رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية بالإسكندرية حازم المنوفي، في تصريح لــ"العربي الجديد"، أن يؤدي استمرار توفير السلع والإفراج الجمركي إلى "توفير السلع وخفض الأسعار".
على الجانب الآخر، يذهب الناس للأسواق ولا يشترون. يدفع الغلاء المواطنين إلى تخفيض مشترياتهم إلى الحد الأدنى، وهو ما يظهر في كثرة العروض الخاصة التي تعلنها المحلات بالأسواق الكبرى، التي لا تشمل عادة الأطعمة والسلع الرئيسية، وإنما مواد الغسيل ومستحضرات التجميل، وأدوات المائدة، والملابس.
وزادت الشركات العقارية من الإعلانات عن تسهيلات في الدفع، ومدت فترات التقسيط، وتروج محلات لعروض بيع المأكولات والرحلات والكتب بالتقسيط عبر ضمانات ببطاقات الدفع الإلكتروني.

يؤكد خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس أن هناك حالة من الشلل التام في الأسواق، وتوقف في عجلة الإنتاج، فلا بيع ولا شراء. يوضح النحاس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك تراجعا في العرض وهدوءا في الطلب، وعلى الطريقة المصرية يقول: "الناس مش عارفة (لا يعرفون) رأسها من رجليها" لأن التجار إذا بادروا ببيع السلع التي استوردوها أو بحوزتهم، يخشون من تدهور الجنيه، ولن يجدوا من يوفر لهم الدولار لاستيراد بدائل أخرى.

ويشرح النحاس أن تجار الذهب خائفون من البيع لأنهم اشتروا خلال الأسبوعين الماضيين على أساس سعر الدولار بالسوق الموازية لامس 39 جنيها، بينما تراجع الدولار في السوق الموازية حاليا إلى 32.5 جنيها، ورسميا تجاوز 30 جنيها، ولذلك ينتظرون تحركه إلى أعلى من جديد، لا سيما أنهم يعلمون أن الحكومة تتجه إلى رفع سعر الدولار مقابل الجنيه، إلى معدل السوق الموازية، فلماذا يخاطر التجار بخسارة ما لديهم من ذهب أو دولار أو أي سلعة ذات قيمة؟

يقول خبير التمويل والاستثمار: "حالة الشلل التام مستحكمة بالأسواق، والكل ينتظر انفجار فقاعة، كما حدث مع الفقاعة السعرية التي بدأت تظهر في قطاع العقارات، وجلية في حجم التسهيلات من المطورين والبائعين، بينما تراجع الطلب على الشراء بشدة".
وتوقع النحاس أن تحدث ردود عنيفة بالأسواق نتيجة استمرار الموردين في الطلب على الدولار، مع تجدد رغبتهم في استيراد صفقات للأشهر المقبلة، مع فتح أسواق الصين المعطلة منذ فترة، واحتياجات رمضان والأعياد، واستكمال طلبات المصانع.
يؤكد خبير التمويل والاستثمار أن الحكومة لم تستطع السيطرة على سوق الدولار، رغم التحركات الأمنية الواسعة، مشيرا إلى تجميع تجار كميات هائلة من العملة الصعبة في السوق الموازية، دون أن يعيدوا ضخها في السوق مرة أخرى، انتظارا لما ستسفر عنه تصرفات الحكومة مع الواردات وبيع الأصول العامة خلال المرحلة المقبلة.
يكشف محللون ماليون أن الحل الأمني الذي تتبعه الحكومة لم يكن حاسما في مواجهة الأزمة الاقتصادية، وإن دفع إلى تثبيت الأسعار في السوق الموازية، لفترة محدودة، والتي تأثرت بتوجيه السيولة النقدية لشراء شهادات الادخار ذات العائد 25%.

المساهمون