زيادة الرواتب وتبخر مدخرات المصريين

زيادة الرواتب وتبخر مدخرات المصريين

22 مارس 2021
ارتفاع الأسعار يلتهم الزيادة الجديدة في الرواتب
+ الخط -

لا تنطلي على المصريين قصة ترويج الإعلام للقرار الخاص بزيادة الرواتب على أنه إنجاز تاريخي غير مسبوق، خاصة أنه يعقب تلك الزيادة مباشرة وقد يسبقها ارتفاع في أسعار السلع والخدمات العامة يلتهم ما طرأ من تحسين وقتى على الرواتب وتجميل لها.
فما تمنحه الحكومة باليمين تأخذه من المواطن باليسار وبسرعة، وما تضخّه الحكومة في جيوب موظفيها العموميين من زيادة رواتب وأجور وربما حوافز وعلاوات، تسترده من كل المواطنين، وليس من الموظف الحكومي فقط، في صورة زيادات متواصلة في أسعار السلع والرسوم والضرائب وغلاء المعيشة

وما كانت تفعله حكومات مبارك المتعاقبة على حكم مصر طوال 30 سنة من استرداد زيادات الرواتب بشكل غير مباشر يحدث الآن وبشكل أكثر وحشية. 
ولسان حال المواطن يقول: "يا ليت زيادة ما تمت على الرواتب"، لأنه سيتم التهامها مباشرة وربما قبل موعد استحقاقها عبر إجراء الحكومة زيادات في أسعار البنزين والسولار والغاز المنزلي والكهرباء ومياه الشرب للمنازل والمواصلات العامة وتكلفة خدمات المرور والشهر العقاري وغيرها. 
كما أن المستفيد من زيادة الرواتب الأخيرة هم موظفو الحكومة البالغ عددهم قرابة 5 ملايين موظف، في حين هناك نحو 24 مليون موظف يعملون في القطاع الخاص ولا تتحرك رواتبهم، بل قد يتم الخصم منها من قبل أصحاب الأعمال بحجة تداعيات كورونا الخطرة عليهم، وتراجع المبيعات والصادرات وكساد الأسواق.

قبل أيام أعلنت الحكومة المصرية عن زيادة رواتب جميع العاملين بالحكومة بنحو 37 مليار جنيه (ما يعادل 2.3 مليار دولار)، ورفع الحد الأدنى للأجور من 2000 إلى 2400 جنيه، نحو 154 دولاراً، وإقرار علاوتين كزيادة دورية للرواتب، بتكلفة نحو 7.5 مليارات جنيه، الأولى للموظفين المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 7% من الأجر الوظيفي، والثانية لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 13% من المرتب الأساسي. 
ووفق تصريحات الحكومة، فإن زيادة الرواتب تنطبق على العاملين في الجهاز الإداري للدولة والمحليات والهيئات الخدمية، وأنه سيتم تطبيق الزيادات مع الموازنة الجديدة أول يوليو/ تموز المقبل بعد إقرارها من البرلمان.
وسارعت وسائل الاعلام لتزف أنباء "رائعة" للعاملين بالجهاز الإداري للدولة، وتصف الزيادات "بالتاريخية التي تراعي المصريين وتضمن لهم حياة آمنة ومطمئنة، رغم أنها ستكلف الاقتصاد المصري قرابة الـ60 مليار جنيه" حسب تقديرات محلليها، وأنها "تعبر عن رؤية قوية وواضحة من الدولة تراعي من خلالها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للجميع، بخلاف أن الزيادة الجديدة أعلى بكثير من معدل التضخم في الأسعار الذي عانى بسببه المواطن، فيما كانت الزيادات السابقة تستهلك في معدلات التضخم المرتفعة ولا يشعر بها المواطن"، وذلك حسب ما نقلته وسائل إعلام عن خبراء ومحللين.

المصريون يترقبون تمرير البرلمان زيادات في أسعار السلع والرسوم والخدمات، وفرض ضرائب جديدة على سلع لها علاقة مباشرة بالمعيشة

وفي الوقت الذي يترقب فيه المصريون تمرير البرلمان الزيادات الجديدة في الرواتب، باتوا يترقبون تمرير نفس البرلمان زيادات كبيرة في أسعار السلع والرسوم والخدمات، وفرض ضرائب جديدة على سلع لها علاقة مباشرة بمعيشة المواطن.
فحسب مصادر في لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، فإن مشروع الموازنة الجديدة يتضمن زيادة في أسعار الكهرباء بنسبة تراوح بين 8.4% و26.3%، اعتباراً من فاتورة أول يوليو المقبل، وفي حال إقرار الزيادة الجديدة فإنها تُعد الزيادة الثامنة على التوالي منذ رفع أسعار الكهرباء للمرة الأولى، في عام 2014.

كذلك تبحث وزارة البترول زيادة سعر البنزين خلال الربع الرابع من العام المالي الجاري، أي خلال الفترة من إبريل إلى يونيو 2021، بقيمة 25 قرشا بذريعة الارتفاع الأخير في أسعار البترول في الأسواق العالمية. 
والملفت أن الوزارة لم تخفض أسعار الوقود من بنزين وسولار وغيره وقت تهاوي أسعار النفط إلى 20 دولارا للبرميل، وهو أدنى سعر له منذ سنوات طويلة.
وفي حال زيادة أسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز طبيعي، فإنه تعقبها مباشرة زيادات في فواتير الكهرباء والمواصلات العامة والقطارات ومترو الأنفاق وتكلفة الدروس الخصوصية والأطباء، وهي التكلفة التي يتحملها كل المواطنين وليس فقط من تم رفع رواتبهم قبل أيام. 

زيادات متوقعة في أسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز طبيعي، وكذا للكهرباء والرسوم الحكومية والضرائب

لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك أيضاً حديث يتداول داخل أروقة البرلمان عن زيادة مرتقبة في الرسوم والضرائب، فالموازنة العامة عن السنة المالية الجديدة 2021-2022 تستهدف تحصيل إيرادات بنحو 1.260 تريليون (80.76 مليار دولار)، بزيادة 13% مقارنة بالموازنة الحالية 2020-2021، وهو ما يعني زيادة مرتقبة في حصيلة الضرائب والرسوم في المؤسسات الحكومية الخدمية. 
تدعم ذلك تعديلات مقدمة من الحكومة للبرلمان على قانون الضريبة على القيمة المضافة بهدف تدبير الزيادة في النفقات بباب الأجور، في إطار خطة الحكومة بتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة العامة للدولة.
وفي حال تمرير التعديلات سيتم إخضاع المخبوزات والحلوى والمقرمشات والمنتجات المصنعة من الدقيق (عدا الخبز)، ومنتجات الصابون والمنظفات الصناعية لها ليطبق عليها نسبة 14%، بدلاً من خضوعها حالياً لضريبة الجدول بنسبة 5%.

مدخرات المصريين تتبخر، مرة بسبب تعويم الجنيه المصري وفقدان العملة المحلية نحو 50% من قيمتها في السنوات الأخيرة، ومرة ثانية بسبب القفزات التي لحقت بأسعار السلع والخدمات جراء تجاوز معدل التضخم 31% في مارس 2017، ومرة ثالثة عبر زيادات متواصلة في أسعار السلع بما فيها الغذائية والتموينية، ورابعة عبر زيادة الضرائب وتضخم الرسوم الحكومية خاصة المرتبطة مباشرة بالمواطن مثل المرور والشهر العقاري.
زيادة الرواتب تكون مفيدة إذا صاحبها استقرار في أسعار السلع والخدمات والرسوم الحكومية، أما فيما عدا ذلك فتذهب الزيادة مع أول قفزة في أسعار تلك السلع داخل الأسواق. 

المساهمون