روسيا تعزيز نفوذها الشرق أوسطي عبر ثلاثة محاور

روسيا تعزيز نفوذها الشرق أوسطي عبر ثلاثة محاور

05 يوليو 2023
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدى زيارته بغداد في مايو الماضي (Getty)
+ الخط -

تركز استراتيجية موسكو الشرق أوسطية على الهيمنة على أسواق النفط ومبيعات الأسلحة، وتدريجيا تسويق بضائعها ودعم نفوذها العالمي، على خلفية تراجع الدور الأميركي في المنطقة.

على الصعيد النفطي، يرى محللون أن استراتيجية روسيا تصب في 3 مسارات رئيسية لخدمة نفوذها، إذ تستهدف أولاً الهيمنة على سوق النفط وإمداداته، عبر حصولها على امتيازات نفطية في العراق وشراكات طاقة كبرى مع إيران، واستخدام ذلك منصة إطلاق لمبيعات المعدات النفطية وتسويق البضائع الروسية في المنطقة.

وثانياً أخذ حصة من سوق السلاح العربية، عبر تعزيز مبيعات نظم الدفاع الجوي "أس - 400" و"أس ـ 300" والمقاتلات الحربية المتطورة.

وثالثاً، تعزيز النفوذ البحري، عبر التواجد بالممرات البحرية في المنطقة مثل مضيق هرمز والبحر الأحمر، لتسهيل عبور أساطيلها البحرية بين البحر المتوسط والمحيط الهندي.

ويرى محللون أن موسكو تعمل لتحقيق هذا الهدف، انطلاقا من القاعدة البحرية في طرطوس السورية عبر قناة السويس وخليج عدن إلى المحيط الهندي، ولهذا السبب تحرص روسيا على الحصول على تواجد بحري في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.

وتستخدم روسيا في تنفيذ هذه الاستراتيجية التحالف العسكري مع إيران وتواجدها العسكري في سورية والتحالف النفطي مع الرياض.

على صعيد منطقة الخليج، يلاحظ أن بعض دولها رفضت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا ومعاقبة موسكو، عدا الكويت وقطر اللتين أدانتا على الفور الغزو، في حين امتنعت الإمارات، التي تشغل مقعداً دورياً في مجلس الأمن الدولي عن التصويت على مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة لإدانة الغزو الروسي.

في هذا الشأن، يقول الخبير بمركز كارنيغي للسلام العالمي، أندرو أس ويس، في تحليل، إنّ الإمارات لم تتوقف عند حد الامتناع عن التصويت على إدانة موسكو، لكنها أصبحت ذات أهمية قصوى لموسكو في خرق العقوبات الغربية، إذ باتت الملاذ الآمن للشركات الروسية الخاصة وأصحاب الثروات الكبيرة التي تخدم مصالحهم التجارية والشخصية. وتعد الإمارات الآن ثاني أكثر الوجهات شعبية للمسافرين الروس في الخارج، وانتقلت أعداد كبيرة من الأثرياء والمهنيين إلى دبي بعد بدء الحرب.

على الصعيد النفطي تأمل موسكو، عبر عضويتها في تحالف "أوبك+"، في التحكم في أسعار النفط التي تخدم مصالحها المالية في تمويل الحرب الروسية في أوكرانيا، ومنع واشنطن من استخدام سلاح النفط السعودي ضدها مثلما حدث في ثمانينيات القرن الماضي.

وتعمل روسيا عبر تحالفها الاستراتيجي على تهدئة مخاوف دول الخليج من إيران، والإبقاء على أزمة الطاقة في أوروبا الغربية، والحفاظ على إمدادات الصين في حال زيادة التوتر بين واشنطن وبكين.

وتعتمد الصين على إمدادات الطاقة العربية وإيران إلى جانب روسيا. ولذلك تفضل روسيا التعاون النفطي على التنافس مع السعودية في أسواق الطاقة العالمية، رغم الحاجة الماسة للتمويل بعد تنفيذ العقوبات الغربية.

على صعيد التعاون بين روسيا وإيران في مجال الدفاع، تلقت موسكو مئات الطائرات المسيرة الإيرانية واستخدمتها في الحرب ضد أوكرانيا، في حين تعدّ طهران للحصول على المقاتلة الروسية المتطورة من طراز Su-35.

في المقابل، وحسب مجلة فورين بوليسي، نقلت موسكو أسلحة أميركية وغربية استولت عليها في أوكرانيا إلى طهران. وأشار البيت الأبيض إلى أن إيران يمكن أن تحصل أيضاً على "مكونات عسكرية متقدمة" وأسلحة روسية أخرى، مثل طائرات الهليكوبتر وأنظمة الدفاع الجوي.

على صعيد التعاون النفطي، يرى تحليل بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني، تشاتام هاوس، أن الشركات الروسية إذا تمكنت من الوصول إلى موارد المنطقة، فإن ذلك سيعزز وجود موسكو في سوق الطاقة العالمية.

ويقول إن الطاقة تعد جوهر نشاط شركات النفط الروسية في إيران والعراق وإقليم كردستان.

ووقّع البلدان مذكرة لاستثمارات روسية بقيمة 40 مليار دولار في مشروعات الغاز الإيرانية وشرعت بالفعل في تنفيذ هذه الاتفاقات.

ويلاحظ أن شركات الطاقة الروسية كانت أولى الشركات العالمية التي عادت إلى إيران بعد رفع العقوبات الغربية في عامي 2015-2016.

وحسب معهد تشاتام هاوس، يقول خبراء روس قريبون من شركات النفط الروسية إن بإمكان إيران تزويد روسيا بنفط إضافي للتصدير إلى الصين.

وقررت شركة لوك أويل الاستحواذ والمشاركة في مشروعين للتنقيب عن النفط والغاز في محافظة خوزستان الإيرانية.

وفي فبراير عام 2016، كانت شركة ليتاسكو السويسرية المملوكة لشركة لوك أويل أولى الشركات الأوروبية التي تعاقدت على شراء النفط الإيراني بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1".

وفي منتصف عام 2016، أطلقت روسيا برنامج "النفط مقابل البضائع" لمبادلة النفط الإيراني بالآلات والاستثمارات الروسية.

وكان من المفترض أن يساعد البرنامج إيران على التهرب من الحظر التجاري النفطي المفروض من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وشركائهم بعد عودة الحظر الأميركي. وفي نوفمبر 2017، تلقت موسكو مليون برميل من النفط من إيران كدفعة لمعدات السكك الحديدية.

ومن المتوقع أن تستحوذ موسكو سنوياً على نحو 5 ملايين طن من النفط من إيران. في المقابل، يخطط الكرملين لمنح إيران تمويلا قيمته 45 مليار دولار، لكن الحرب والعقوبات الغربية على موسكو حالا دون تنفيذ العقد. كما تنوي كل من موسكو وطهران استثمار 20 مليار دولار في ممر الشمال الجنوب التجاري. 

هدف روسيا في العراق

وفق صامويل راماني، في تحليل بمنتدى الخليج العالمي، فإن الهدف الأساسي لروسيا في العراق هو ضمان أن تظل استثماراتها الواسعة في قطاع الطاقة محصنة قدر الإمكان من العقوبات الغربية.

ويلاحظ أن هذا الهدف واجه انتكاسات خطيرة في الأشهر الأخيرة، إذ واجهت استثمارات الشركات الروسية صعوبات الدفع والاضطرابات التجارية، خاصة في كردستان العراق.

وبعد فرض عقوبات غربية قاسية على الطاقة، سعت روسيا إلى تأمين مستقبل أصول الطاقة الأساسية الثلاثة في العراق: وهي استثمارات لوك أويل في غرب القرنة 2، وغازبروم في بدرة، وروسنفت في كردستان العراق. وتبلغ قيمة استثمارات الطاقة الروسية في العراق 10 مليارات دولار.

وحسب التحليل، كان المسؤولون الروس واثقين بشأن استثماراتهم في العراق، ولكن في بداية مارس/آذار الماضي سلط السفير الروسي لدى العراق، إلبروس كوتراشيف، الضوء على التكاليف الأمنية المرتفعة التي تدفعها الشركات الروسية للقيام بأعمال تجارية في العراق والتي تصل إلى 25% من ميزانيات هذه الشركات.

وفي مارس الماضي، حث البنك المركزي العراقي مؤسسات الدولة على وقف التعاملات التجارية مع الشركات الروسية بسبب مخاوف بغداد من العقوبات الغربية الثانوية.

وعلقت شركة روسنفت التجارة في مزيج خام كركوك، وبحلول يونيو/حزيران 2022، حلت شركة BGN الدولية ومقرها دبي محل روسنفت في تسويق خام كركوك.

وكانت روسيا قد شهدت بعض النجاح في مواجهة تهديد العقوبات الغربية على مصالحها التجارية في العراق.

وحسب تحليل منتدى الخليج العالمي، واصلت بغداد تشجيع شركة لوك أويل على التنقيب وتطوير حقل إريدو النفطي الذي يقع على بعد 75 ميلا من البصرة في العام الماضي.

كما حافظت لوك أويل على حصتها البالغة 75% في حقل "ويست كورما 2".

على الصعيد العسكري، يقول صامويل راماني في تحليله بمنتدى الخليج العالمي، في حين أن تعاون العراق في مجال الطاقة مع روسيا تمكن من الصمود أمام العقوبات الغربية، فقد ضعف تعاون العراقي الأمني مع موسكو بشكل كبير.

المساهمون