رسائل غاضبة بين السلطة ورجال الأعمال في الجزائر

رسائل غاضبة بين السلطة ورجال الأعمال في الجزائر

11 سبتمبر 2023
أغضبت رسالة رجال الأعمال دائرة مستشاري الرئيس الجزائري (Getty)
+ الخط -

ردت السلطات الجزائرية بلهجة حادة وغير مسبوقة، على رسالة وجهتها هيئة رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية الخاصة، مقربة وداعمة من الرئيس عبدالمجيد تبون، تنتقد فيها الخيارات الحكومية وتسرد وقائع لممارسات قالت إنها تستهدف رجال الأعمال وتعطل حركية الاقتصاد الوطني وتنتقد غلاء الأسعار وصعوبة الأوضاع الاجتماعية، وتطالب الرئيس عبد المجيد تبون بالتدخل العاجل.

ويتفاعل في الجزائر جدل سياسي وإعلامي لافت، في أعقاب نشر رسالة لرئيسة كونفدرالية المؤسسات الاقتصادية (تجمع لرجال الأعمال) تشكو إلى الرئيس تبون ممارسات ووقائع وصفتها بالخطرة والمؤذية لرجال الأعمال والاقتصاد.

الرئاسة فضلت الرد على هذه الرسالة إعلامياً عبر تقرير نشرته "وكالة الأنباء الجزائرية" (واج) اتهمت فيه هيئة رجال الأعمال ورئيستها سعيدة نغزة  بـ"ممارسة الفولكلور، وتجاوز كل ما هو متعارف عليه في المراسلات الموجهة لرئاسة الجمهورية، والسعي لممارسة ضغوط على السلطات، ورفض للتغيير، والهوس المرضي لقوى الأموال القذرة التي لا تريد الاستسلام".

واعتبر الرد الرسمي أن مضمون رسالة هيئة رجال الأعمال المنشورة يُعد "تنكرا لكل الإصلاحات التي بادرت إليها البلاد منذ سنة 2020، من أجل تصويب مالية الدولة تجنباً للوقوع بين يدي صندوق النقد الدولي، والتي ساهمت في تعزيز الإنتاج الوطني لبلوغ قيمة 13 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات في آفاق العام 2024".

وسألت السلطات: "لماذا هذه الرسالة في هذا الوقت تحديداً إن لم تكن نسخة محسنة للضغوطات التي تذكر بزمن مضى حين كانت جماعات ضاغطة ولوبيات والأوليغارشية تبتز الدولة مثل الهيئات المفترسة كمنتدى رؤساء المؤسسات السابق الذي كان يتحكم به محيط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وغالبية رجالاته في السجن؟".

وكانت السلطات ترد على رسالة وجهتها هيئة رجال الأعمال إلى الرئيس تبون في الخامس من الشهر الجاري، تم تسريبها إلى وسائل الإعلام، تضمّنت تحذيرات من عراقيل وتحذيرات من الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ومن استمرار البيروقراطية وعرقلة المشاريع الاستثمارية.

وقالت إن الحالتين الاجتماعية والاقتصادية للبلد ومناخ الأعمال تعاني من انعدام الثقة، وكشفت عن شكاوى رجال أعمال من الاضطهاد والضغوط المختلفة من مختلف ممثلي الدولة.

ويشكو آخرون من الغرامات التي تفرضها لجنة من خمسة وزراء (لجنة للجدولة الضريبية) من دون إعطائهم الحق في الاطلاع على ملفاتهم وفرض غرامات ضريبية مفاجئة.

واتهمت بوضوح مستشاري الرئيس بإفادته بما وصفته تقارير كاذبة، مخالفة للواقع المرير الذي تعيشه المشاريع الاستثمارية والعراقيل التي يواجهها رجال الأعمال في الجزائر.

وبرأي السلطات، إن "هذه الرسالة تنبض بالحنين إلى النظام القديم بنوايا مؤلفيها الحقيقيين"، ووجهت اتهامات إلى رئيسة كونفدرالية المؤسسات الاقتصادية سعيدة نغزة "بميولها إلى كل أمر أجنبي ودولي والوقوف بمظهر المدافع عن الاقتصاد الجزائري ورجال الأعمال والمواطنين برمّتهم".

وكان لافتاً أن الرد الرسمي لم يتعرض بشكل مركز للوقائع والقضايا التي وردت في رسالة هيئة رجال الأعمال، وبرر ارتفاع أسعار المواد التموينية بارتفاعها في السوق الدولية، كما اعتبر أن اللجنة الوزارية المشكّلة من خمسة وزراء تقوم باستدعاء رجال أعمال لمطالبتهم بدفع فوري للضرائب، مرتبط بمسعى استرجاع الأموال الشعب.

وتساءل: "ما الذي يزعج نغزة وأتباعها لما تقرر الدولة استرجاع أموال الشعب؟ أليس استرجاع هذه الأموال إحدى المهام الرئاسية، حيثما كانت ولدى أي كان؟ّ هذا المال يجب أن يسترجع وسيتم ذلك ولو كره رؤساء المؤسسات الرافضون والمعاندون".

رد على رد في الجزائر.. لا للتخوين

لكن نغزة سارعت مجدداً إلى الرد على تقرير الوكالة الرسمية التي تدار من الرئاسة، ودانت استخدام الوكالة في مناقشة قضايا اقتصادية وتحويلها إلى "ملك لكمشة من المتنفذين يستغلونه في تصفية حساباتهم الضيقة"، ووصفت ذلك بأنه "حماقة وانتهاج أسلوب الكذب والشعبوية وتزوير الحقائق".

ونغزة عُرفت عنها مواقف مناوئة في عهد الرئيس السابق بوتفليقة، ودعمت الرئيس تبون منذ استحقاق 2019، واستقبلها في الرئاسة وساهمت في تكتلات سياسية واقتصادية داعمة للرئيس، وكانت ضمن الوفد الرسمي الممثل للجزائر المشارك في قمة البريكس أخيراً في جنوب أفريقيا.

وقالت في ردها الجديد: "كنت الوحيدة في مواجهة منظومة الفساد وعصابة الحكم خارج الأطر القانونية" قبل العام 2019، وأوضحت أن رسالتها التي وجهتها إلى رئيس الجمهورية "فرضها علينا الواجب الوطني والخوف على المصلحة العليا للوطن وعلى أمن واستقرار بلادنا وليس السعي لمكاسب خاصة أو منفعة ذاتية، وجاءت من واجب الصدق مع المسؤول الأول للبلاد وليس الكذب عليه وخداعه، لأننا وجدنا فيه الرجل الصادق في نياته الملتزم بتنفيذ ما وعد به، والتزاماً منا بالوقوف معه".

وطالبت رئيسة هيئة رجال الأعمال السلطات بفتح نقاش جدي حول الواقع الاقتصادي بدلاً مما وصفته بالهروب والتخوين، وقالت: "كنت أتمنى لو نوقشت رسالتي المباشرة إلى السيد رئيس الجمهورية مناقشة شفافة صريحة واضحة وموضوعية وليس الهروب نحو المجهول، كنت وما زلت أنتظر فتح نقاش مع أهل الاختصاص من خبراء اقتصاديين ورجال مال وأعمال عبر منابر إعلامية خدمة للوطن والمواطن، لكن بعضهم لم يكتف بتغليط الرئيس وحجب الحقيقة عنه، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حين باتوا يخوّنون كل من يقول الحقيقة".

وأكدت نغزة في ردها أن "الهدف من رسالتي إلى الرئيس هو وضعه في الصورة وإعلامه بالحقيقة المُرّة، من أجل إصلاح الوضع الذي بات يُهدّد بالخطر العظيم أمن البلاد واستقرارها"، مضيفة أن "دق ناقوس الخطر من جراء ندرة المواد الغذائية الأساسية وما يترتب عليها من تداعيات مع ضرورة معالجة الأزمة التي تمسّ بالأمن الغذائي هي أساس تحذيرنا وتنبيهنا للرئيس من خلال رسالتنا المباشرة".

ومن شأن هذا الجدل القائم بين السلطات وهيئة رجال الأعمال أن يُعمّق القلق إزاء الخيارات الاقتصادية والسياسية التي تنتهجها الحكومة، خاصة أن جزءاً من الوقائع التي تضمّنتها رسالة هيئة رجال الأعمال واقعي ولا يمكن نفيه، خاصة ارتفاع الأسعار والوضع الاجتماعي".

المساهمون