رأس السنة كسر قيود كورونا في لبنان بحثاً عن جرعة إنعاش اقتصادي

رأس السنة كسر قيود كورونا في لبنان بحثاً عن جرعة إنعاش اقتصادي

02 يناير 2021
خالف كثير من المحتفلين القيود المفروضة لمواجهة كورونا رغم تزايد الإصابات (فرانس برس)
+ الخط -

كسر موسم الأعياد في لبنان، ولا سيما في احتفالات رأس السنة، الحواجز الصحية التي فرضتها السلطات في مواجهة انتشار فيروس كورونا الذي تجاوزت إصابات ذروته 3 آلاف يومياً، ومنها قرار إقفال البلد مع ارتفاع معدل الإصابات والوفيات وأزمة التشغيل في المستشفيات.

جاء ذلك بعد ضغوط شديدة مارستها المؤسسات السياحية كي تتمكّن من استئناف عملها وفتح أبوابها أمام الروّاد مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول كجرعةِ دعمٍ تنعش القطاع المنهار منذ أواخر العام 2019، مقابل تعهّدها بالالتزام بكافة التدابير والإجراءات الوقائية التي من شأنها أن تحمي المواطنين وعائلاتهم ومجتمعهم من الوباء القاتل.

قبيل ساعاتٍ من بدء حفلات رأس السنة في المقاهي والحانات والملاهي الليلية، تواصلت "العربي الجديد" مع عددٍ من أصحاب المطاعم في مناطق لبنانية مختلفة، ومنهم من حالفه الحظ وتمكَّن من بلوغ إشغال صالاته بسعة 50%، بينما لم تتخطَّ عند آخرين نسبة 30%، في حين أقفلت مؤسسات أبوابها بعدما خذلها الروّاد ولم تتعدَّ نسبة الحجوزات 10%، وهي نسبة إشغال غير مفيدة بالنسبة لرجال الأعمال إذ بالكاد تغطي المصاريف التشغيلية.

مالك مطعم شهير في جونيه، شمال بيروت، أكد لـ"العربي الجديد"، أن الصالة التي كان يُعدّ فيها للسهرة وتتسع لأكثر من 1500 شخص، امتلأت بنسبة 50% وهي النسبة الملزمة المؤسسات باحترامها تبعاً لتدابير الوقاية من فيروس كورونا، ورغم الخسائر التي يقول إنه مُنيَ بها من جرّاء تقليل العدد الى أكثر من النصف، إلّا أنه ينظر بإيجابية إلى أعداد من كانوا حاضرين لإحياء احتفالات رأس السنة في صالته.

ولفت هذا المستثمر السياحي إلى أن أسعار البطاقات لإحياء سهرة رأس السنة بدأت من 450 ألف ليرة لبنانية، أي 300 دولار وفق سعر الصرف الرسمي، لكنها لا تناهز سوى 53 دولاراً وفق السعر المعتمد في السوق السوداء، وهو طبعاً السعر الواقعي، ووصلت أسعار التذاكر إلى 600 دولار أميركي بالسعر الرسمي، أي نحو 900 ألف ليرة، وهي أقلّ من الأسعار التي كانت تعتمد في الأعوام الماضية خلال رأس السنة وخصوصاً عند إحياء فنانين من الصف الأوّل السهرة، بحيث كانت تتخطى البطاقات الألف دولار، وذلك نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها البلد، ما يدفع أيضاً بأصحاب المؤسسات السياحية إلى أخذ حالة المواطن المادية بعين الاعتبار وخفض الأسعار من أجل أن تتمكن من استقطاب الناس وتشجعهم على السهر ضمن ميزانياتهم التي باتت محدودة.

إلغاء لقلة الحجوزات

في المقابل، أشار صاحب مطعم عربي في بيروت لـ"العربي الجديد"، إلى أنه حدّد برنامج رأس السنة، لكنه عاد وألغى الحفل، بسبب قلّة الحجوزات، بعدما وجد أن لا مصلحة له في فتح صالة كبيرة لعددٍ قليل من الروّاد بما لا يغطي التكاليف التشغيلية التي سيدفعا لتأمين الأطعمة والمشروبات والفرقة الموسيقى.

ويقول الأمين العام لاتحادات النقابات السياحية، جان بيروتي، لـ"العربي الجديد"، إن لبنان هذه السنة يعيش أزمة حقيقية وخطيرة لم تتمكن عطلة الأعياد حتى من إخراجه منها، مضيفاً: "نحن بعيدون بالمقارنة أيضاً مع مصر ودبي في نسب الإشغال والحجوزات حيث الاستقطاب الأكبر".

ويلفت بيروتي إلى أن المطاعم والمؤسسات السياحية تضع أسعارها بالليرة اللبنانية، ولم تتمكن من رفعها بسبب الضائقة الاقتصادية، رغم الغلاء المستفحل والفارق الهائل في سعر صرف الدولار بين السوق الرسمي (1507.5 ليرات) والسوق السوداء (8350 ليرة)، وعدد الحفلات الضئيل جداً، معتبراً أنها "سنة كارثية بامتياز".

أما الذين أتوا إلى لبنان من الخارج، فغالبيتهم لبنانيون حضروا لتمضية العيد مع عائلاتهم، بينما هناك قلة أتت من مصر والأردن والعراق بصفة سائحين.

لجوء إلى المناطق الجبلية

من جهة أُخرى، كان لافتاً لجوء العديد من اللبنانيين إلى المناطق الجبلية لتمضية عيد رأس السنة وعطلة الأسبوع وحجز شاليهات حفاظاً على سلامتهم، إذ يقول أحد اللبنانيين القادمين من فرنسا لعدة أيام، لـ"العربي الجديد" أن الشاليه يبقى أكثر أماناً صحياً وأقل تكلفة، "فنحن نحجزها مع الأصدقاء الذين نثق بهم ونعرف أنهم غير مصابين بالفيروس وكلهم أجروا الفحوص للتأكد من خلوّهم من كورونا، وبالتالي لا اختلاط، كما أن أسعار الحجز وشراء المأكولات التي نعدّها بأنفسنا ونتشارك بها جميعنا، كما نستفيد من الطقس الجميل جداً وجبال لبنان الرائعة والمناخ الخلاب، والهواء النقي".

وأكد مالك عدد من الشاليهات في منطقة الأرز، شمال لبنان، لـ"العربي الجديد"، أن 2020 كانت من أكثر السنوات التي تحجز فيها الشاليهات وفاقت المطاعم والفنادق، لأنها تبقى أكثر أماناً من الناحية الصحية، وهذه الحجوزات لم تقتصر فقط على فترة عيد الميلاد، بل الإشغال كان مرتفعاً منذ أشهر في ظل التعبئة العامة والإقفال العام.

ديسمبر الأكثر استقطاباً

من جهته، يقول نقيب الفنادق في لبنان، بيار الأشقر، لـ"العربي الجديد"، أن ديسمبر/ كانون الأول لطالما كان الأكثر استقطاباً من الداخل والخارج، إذ كان القطاع يستقطب بين 90% الى 100% خلال هذه الفترة من السنة، وتحديداً من 20 ديسمبر حتى 5 يناير/ كانون الثاني 2021، مستدركاً: "لكن وضعنا اليوم للأسف سيئ جداً، ونسبة إشغال الفنادق خلال عيدي الميلاد المجيد ورأس السنة لم تتجاوز 10%".

ويربط الأشقر نسبة الـ10% بيوم العيد الذي صادف الخميس الفائت وتلاه يوم الجمعة كعطلة رسمية، واتصاله بعطلة نهاية الأسبوع (سبت وأحد)، ما شكّل حافزاً لدى الناس لحجز غرف والاستفادة من الإجازة، لافتاً إلى أن الحجوزات تعود بغالبيتها إلى لبنانيين مغتربين يزورون لبنان كل سنة لتمضية العيد مع عائلاتهم، إلى جانب جنسيات عراقية وأردنية، علماً أن هؤلاء أيضاً يتردّدون كثيراً إلى لبنان، ومنهم من لديه مسكن دائم يعيش فيه ولا يحتاج تالياً إلى النزول في فندق.

ومع التزايد الكبير في عدد الوفيات والإصابات اليومية بفيروس كورونا وارتفاع نسبة الإشغال لعدد الأسرّة في المستشفيات والتي تجاوز بمعظمها 90% بحسب وزارة الصحة العامة، ذكّرت وزارة السياحة في لبنان، المؤسسات السياحية والمطاعم كافة وجميع المواطنين الذين كانوا ينظمون سهرات وحفلات عامة وخاصة، بضرورة الالتزام بالمعايير والشروط الوقائية والصحية الصادرة عن الوزارات المعنية.

وأكدت أنها رفعت نسبة الجهوزية في قسم الضابطة السياحية وقسم الشرطة السياحية إلى حدها الأقصى، بحيث أنها حذرت من إقفال المؤسسات المخالفة من دون سابق إنذار.

كما أن "المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي"، التي سطّرت منذ فتح البلد خلال فترة الأعياد عدداً كبيراً من محاضر الضبط بحق المحال المخالفة ووصلت في أسبوع واحد إلى 70 محضر ضبط، حذرت أصحاب الحانات والملاهي الليلية والمطاعم، من أن أي مخالفة لقرار التعبئة العامة ستؤدي حتماً إلى ختم المؤسسة بالشمع الأحمر.

المساهمون