خبراء: الاقتصاد المصري مأزوم ويدور في حلقة مفرغة

خبراء: الاقتصاد المصري مأزوم ويدور في حلقة مفرغة

03 مايو 2024
مصر تعول على قطاع السياحة لحل أزماتها الاقتصادية - الجيزة 30 إبريل 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خبراء يؤكدون أن 55 مليار دولار من الدعم الخليجي والقروض الدولية لم تحل أزمة الاقتصاد المصري، مشيرين إلى فقدان الهوية الاقتصادية وتعميق الاعتماد على القروض.
- في ندوة بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، تم التأكيد على ضرورة إعادة الثقة في الاقتصاد المصري عبر إصلاحات شاملة تتجاوز الحلول المؤقتة وتعالج الأسباب الجوهرية للأزمة.
- الدراسة بالمركز تشير إلى أن الاقتصاد المصري يعاني من مشكلات هيكلية مزمنة، مؤكدة على الحاجة لإصلاحات مؤسسية وهيكلية لتحقيق نمو مستدام وتحسين البنية التحتية والاستثمار في التعليم والصحة.

قال خبراء أن الدعم الخليجي والقروض الدولية الهائلة لن تخرج الاقتصاد المصري من أزمة عميقة مستعصية أبقته عالقاً على شفا جرف هارٍ، يخشى ألا يبعد عنه، لأنه لم يبدأ السير بعيداً عن المسار الخاطئ الغارق فيه منذ سنوات، وذلك على الرغم من تدفق تمويلات دولية بنحو 55 مليار دولار لإنقاذ مصر من أزمة اقتصادية خانقة.

وتحدث خبراء سياسيون واقتصاديون في ندوة بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية في القاهرة، ورأوا أن الدولة فقدت هويتها الاقتصادية، منذ أربعة عقود، فهي ليبرالية، عندما تمدّ يدها للحصول على قروض من المؤسّسات الدولية، الداعمة للقطاع الخاص وحرية تداول المعلومات والرقابة الشعبية، بينما تمارس اقتصادا اشتراكيا عند التطبيق، فتبعد القطاع الخاص عن مسارها وتدفع بالجيش والهيئات العامة لتفرض قبضتها وسلطتها على حرية التصرف بالمال العام على مشروعات غير إنتاجية، تدفع إلى أزمات اقتصادية عميقة، تواجهها بمزيد من القروض والتخفيض المستمر بقيمة العملة، دون أن تتجه إلى إصلاح سياسي يمهد لإصلاح اقتصادي شامل ومستمر.

وأبدى الخبراء دهشتهم من إدارة الاقتصاد المصري بروح متشبعة بروح الدراويش "الصوفية"، لدى المسؤولين والوزراء، بعيدا عن القواعد العلمية، والاعتقاد أن مصر لن تقع لأنها "دولة محروسة لا يتحمّل العالم انهيارها"، والاعتماد المفرط على القروض والدعم الخليجي، وبيع الأصول العامة من الأراضي النادرة، وعقد صفقات يتعذر تكرارها، بما يدفعها إلى مزيد من الاستدانة، ويؤدي لتدهور مستويات التعليم والصحة وزيادة معدلات الفقر.

ناقشت الندوة، في حضور وزير التنمية الإدارية السابق أحمد درويش، والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، سبل إعادة الثقة في الاقتصاد المصري، وإخراجه من أزماته، التي تختزلها الحكومة في حالة الاضطراب الجيو- سياسي دوليا، من دون أن "تعترف بأنها تسير على نهج واحد، يعتمد على تخفيض قيمة العملة ومرونة سعر الصرف مقابل المزيد من القروض، دون امتلاك برامج إصلاح اقتصادي شامل يحل الأسباب الجوهرية التي جعلته اقتصاد ريعي، غير قادر على دعم الأنشطة الصناعية والزراعية، لإخراج المواطنين من الفقر". 

وقال رئيس المركز المصري، ومدير الندوة، عمر مهنّا، إن الاقتصاد المصري يسير منذ عقود بلا هوية، ولا يجد من يديره حاليا، فالحكومة تعتمد على تسييره عبر شخصياتٍ تملأ الفراغ، فتارّة تتركه لمحافظ البنك المركزي السابق، طارق عامر، الذي أوقعه في مشاكل عديدة، في وقت تعهدت الدولة فيه بفتح المجال أمام القطاع الخاص، بينما يقوم حاليا وزير المالية محمد معيط بالدور نفسه، حيث تسبّبت وزارته في أكثر من ثلثي المشكلات التي تعاني منها الشركات والقطاع الخاص.

وطالب مهنّا بأن تبدأ الدولة بتغيير مسار الاقتصاد المصري الذي يوقعها في المشكلات نفسها منذ عام 1961، وقال إن مصر، رغم توقيع عدة اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، لم تشهد تحسنا أو يجد الناس تغييرا ذا أثر. وأضاف: "نواجه المشكلات نفسها التي عرفتها مصر منذ أكثر من 30 عاما، حينما بدأت الدولة تناقش سبل الخروج من أزمتها الاقتصادية في ثمانينيات القرن الماضي، وفي مقدمها فقدان الهوية، في ظل نسيان ملف الإصلاح المؤسسي، الذي يسمح بإصلاح هيكلي سليم ومستمر، ومشاركة البرلمان والرأي العام في التغيير، وفق قواعد واضحة يخضع الجميع فيها للمحاسبة، تهدف إلى حماية حقوق الشباب في العمل، والفقراء في الصحة والتعليم والحياة الكريمة. 

وعرضت المدير التنفيذي ومدير البحوث في المركز، عبلة عبد اللطيف، دراسة فنية حول سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة، استنتجت منها أن الأزمة الاقتصادية لم تنته بعد، وأن ما توصلت إليه الحكومة من اتفاق مع صندوق النقد والدول الداعمة، هو مجرّد حلول مؤقتة لمشكلات اقتصادية مزمنة، مبينة أنه على الرغم من التأثير الواضح للأوضاع العالمية المرتبكة على اقتصادنا، بداية من انتشار جائحة كوفيد 19 مرورا بحرب روسيا – أوكرانيا، وانتهاء بحرب غزّة، إلا أن الضعف الهيكلي المؤسّسي للاقتصاد المصري فاقم من هذه الأزمات وزاد من حدتها، وأدّى إلى دائرة مفرغة من ضعف الأداء. وأكدت عبد اللطيف بطء امتثال الحكومة لبرنامج صندوق النقد الدولي الموقع عام 2022، ما أدّى إلى تأخير برامج المراجعة، وانعدام الثقة، في ظل تمسك الحكومة باستمرار تنفيذ خطط المشاريع الضخمة، التي وضعتها من قبل على الرغم من نقص النقد الأجنبي، ولجوئها إلى زيادة مفاجئة في ضرائب الدخل والرسوم وأسعار الكهرباء والغاز، بينما آلة الإنتاج لا تزال مشلولة.

وتبيّن الدراسة التي أجراها المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن مصر واقعة في فخ حلقة مفرغة من أداء الاقتصاد المصري الضعيف، حيث تجري معالجة الأعراض على مستوى سطحي، بينما تظل المشكلات الأساسية كما هي، تبدأ دائرتها بصدمة داخلية أو خارجية، متلازمة مع نقص النقد الأجنبي، يعقبها سعر صرف مبالغ فيه، فانهيار لأساسيات الاقتصاد الكلي ومشكلات هيكلية مزمنة، فاللجوء إلى برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد والبنك الدوليين، ما يؤدّي إلى تخفيف مؤقت للأزمة، ولتتولى الحكومة التنفيذ الجزئي لعناصر الاتفاق، مع استمرار البنية الهيكلية للمشاكل المزمنة، إلى أن تتجدّد المزيد من الصدمات.

وتشير الدراسة إلى وجود عدة أسباب تزيد من عنف الحلقة المفرغة، تتمثل في ارتفاع البطالة الهيكلية ومحدودية الاستثمارات المحلية والأجنبية والصادرات ذات القيمة المضافة العالية، والاعتماد المفرط على الواردات، وارتفاع العجز التجاري ومستويات الاستثمار البشري المتواضعة في التعليم والصحة وانخفاض العدالة الاجتماعية والمساواة وزيادة الفقر.

كما تبيّن الدراسة اعتماد الدولة على اقتصاد ريعي، يبتعد عن النمو عبر زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي، مع اقصاء القطاع الخاص في زيادة معدلات النمو، وتركيز الحكومة الموارد المالية والبشرية العامة، في تحقيق النمو على قطاعات كبرى كالمشروعات العقارية وتمويل البنية الأساسية بالدين، والهوس بجلب الأموال الساخنة المتقلبة، والاعتماد على الودائع الخليجية كمكونات للاحتياطي النقدي الأجنبي، ما يجعل الحلقة المفرغة أشد شراسة. وأكدت بقاء نمو الاقتصاد المصري خلال الفترة من 2010-2022، في وضع متقلب عند مستويات ضعيفة، بمتوسط ما بين 3% -4.3%. وخلصت الدراسة إلى أن الدولة ملزمة بسداد أقساط ديون حكومية بقيمة 44 مليار دولار حتى عام 2040، ما يجبرها على اللجوء إلى مزيد من الاقتراض، بينما تزداد الاضطرابات الخارجية سوءا، وتبقى فرص التصدير محدودة. 

وأوضحت عبلة عبد اللطيف أن الحكومة وضعت الموازنة الحكومية الجديدة المعلنة للعام المالي 2024-2025 بالطريقة القديمة نفسها، مستهدفة معدل نمو 4% وفائضاً أولياً 2.5%، من دون توضيح فلسفتها ومصادر الإيرادات ومنطق الإنفاق وغيرها. وبثت الحكومة كثيراً من الوعود المتأخّرة حول تنفيذ طرح الأصول العامة، مركزة على توظيف الإعلام تمرير الرسائل الإيجابية لتحسين صورة النظام، في ظل الأزمة التي يشعر بها بوضوح مجتمع الأعمال والمنظمات الدولية ووكالات الائتمان.

وأشارت إلى توقيع مصر سبعة اتفاقات رئيسية مع صندوق النقد الدولي لإخراج الاقتصاد المصري من أزماته، خلال الفترة 1987-2024، ظلت متعلقة بالحصول على قروض مقابل تنفيذ إصلاحات اقتصادية، بينما ظهرت الحلول لجميع المشاكل دائما من خلال السياسات النقدية والمالية مع بقاء كل شيء آخر دون تغيير، والتركيز على سيناريو واحد يجري عبره استخدام سعر الصرف وأسعار الفائدة، واتخاذ إجراءات مفاجئة لتخفيض قيمة العملة، الذي يصبح أمرا لا مفرّ منه عندما تصل الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء إلى مستويات تصيب الاقتصاد بالشلل.

ورأت عبلة عبد اللطيف أن اتباع الحكومة السيناريو نفسه عند كل أزمة للتخفيف المؤقت للمشكلة الاقتصادية، أدى خلال السنوات العشر الأخيرة إلى الانكماش الاقتصادي الذي لا مفر من حدوثه مرّة أخرى، لتعود الأعراض القديمة إلى الظهور، وهي على وجه الدقة التثبيت المبالغ فيه لسعر العملة، والديون المتراكمة المستحقة والاعتماد المفرط على الاقتراض في إدارة الاقتصاد المصري بكفاءة. وأشارت إلى أن الدولة تقوم بإجراءات تستهدف الحل المؤقت للأزمة، لحين الحصول على القروض، مع تجنب الإصلاحات المؤسسية والهيكلية الأعمق، بينما السياسات الاقتصادية تبقي الأمر على ما هو عليه.

وأشارت عبد اللطيف إلى وجود صعوبات لتحقيق أي اصلاح دائم، حيث يتطلب الوضع الحالي دراسة إجراء إصلاحات اقتصادية مؤسسية، يكون لها مردود سريع، لمواجهة التضخم وإنقاذ الجنيه من التدهور، ما يدفع المشاركين في الإصلاح إلى مواجهة المشاكل عبر تنفيذ سياسات مالية ونقدية تتجاهل كل ما له تأثير على جذور الأزمة، ويسند تنفيذها إلى المسؤولين عن أسباب وجودها، بما يسفر عن نتائج تظل مسؤولة من جديد عن تجدد نفس الأمراض القديمة، وعلى رأسها خفض العملة، وبقاء من لديهم سلطة التغيير داخل الدائرة التنفيذية، بما يهدر أية فرص للقيام بإصلاح مؤسسي حقيقي.

وشدّدت الدراسة على أن الخروج من الأزمات الاقتصادية بشكل دائم يتطلب تنفيذ إصلاح مؤسّسي كامل وتغييرا بالسياسات، بالتزامن مع تنفيذ برنامج صندوق النقد الأخير الذي اعتبرته الدراسة بجانب اتفاق رأس الحكمة فرصة جوهرية لن تتكرّر بسهولة لطبيعة ظروفها، لافتة إلى أن الإصلاحات المؤسّسية المطلوبة ليست بالضرورة إجراءات طويلة المدى ولكن هناك إصلاحات يمكن تنفيذها على المدى القصير وتؤدّي إلى نتائج إيجابية سريعة، لأن هذا هو الطريق لتحقيق معدلات نمو تتناسب مع قدرات مصر الاقتصادية.

وقال نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية، طارق توفيق، إن اتفاق صندوق النقد وبيع رأس الحكمة منحا الحكومة فرصة لالتقاط الانفاس، مبديا خشيته من استمرار السير في الاتجاه الخاطئ، بينما يحتاج المستثمرون إلى إعادة بناء الثقة، وإزالة الحالة الضبابية عن اقتصاد تديره الحكومة بدون رؤية والنظر تحت أقدامها لتحصيل الريع، دون أن تشجع المستثمر الصناعي والجاد.

وحذّر توفيق من تعثر اقتصادي جديد في المرحلة المقبلة، إذا لم تحدد السلطة الهوية الاقتصادية للدولة، وتوقف تدخل الحكومة والجهات الرقابية في منافسة المستثمرين، قائلا: "لا حياد تنافسياً في ظل استمرار تحكم الحكومة وجهازها البيروقراطي في التنفيذ والرقابة والمنافسة على تقديم السلع والخدمات للجمهور". وطالب توفيق بضرورة توقف المسؤولين عن طرح حلول للمشاكل الاقتصادية عبر نزعات صوفية تدعي أن مصر محروسة لا يمكن أن تقع لأنها في رعاية الله، مؤكدا أن الإيمان بالله لا يعني أن نترك القرار لغير العارفين به، وأن تتوقف أعمال المحاسبة والرقابة والشفافية.

واقترح الخبراء خطة طوارئ لتنفيذ برنامج إصلاح مؤسسي شامل في البلاد، يستهدف تحسين قدرات صنع السياسات ومعايير اختيار صناع القرار، ويبدأ بتسهيل الإجراءات المرتبطة بسهولة ممارسة الأعمال، وإعادة هيكلة الجهات الرئيسية للأنشطة التجارية والاستثمارية، ثم يتبعها الانتقال إلى إعادة هيكلة مجلس الوزراء، وإشراك الأطراف المعنية في عملية صنع القرار وتحقيق الضوابط والتوازنات والربط بين التخطيط والتنفيذ والتقييم والاعتماد، لنزع فتيل الأزمة الاقتصادية التي أصبحت قنبلة تحتاج إلى قرارات سريعة على مختلف المستويات لإنهاء حالة إصابة الاقتصاد المصري بالشلل.

وحذر الخبراء من استمرار الحكومة في الاعتماد على مواجهة الأزمة الاقتصادية، بالضغط على الغرف التجارية لخفض الأسعار وزيادة أجور العاملين بالدولة والقطاع الخاص، بالتزامن مع رفع أسعار المحروقات والكهرباء، والتركيز على البناء والعقارات وتوسيع المدن، بينما تبقى السياسات العامة ثابتة، ولا تهتم بالتعليم والصحة وتوجد شكوك في نواياها نحو تحقيق الإصلاح المؤسسي، بما يهدر الفرص المتاحة، بعد توفير الدعم المالي من صندوق النقد وصفقة "رأس الحكمة" والاتحاد الأوروبي، لتبقى مصر في الدائرة المفرغة من جديد.

كذلك حذرت الدراسة من محدودية الرغبة السياسية في تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، منذ عام 1987، ما أدى إلى خروج صندوق النقد الدولي عن دبلوماسيته في التعامل مع الدولة، حتى أصبحت لغته أكثر خشونة، واضطر لفرض شروطه لإحداث التغيير بقوة، لأول مرة، مع إصراره على مشاركة البرلمان وحرية تداول المعلومات ومراجعة دورية للميزانية والأداء الحكومي، ووضع سقف للنفقات والاستثمارات العامة، ووضع إصلاح مؤسسي شامل وعميق طويل الأمد. 

وأرجع وزير التضامن الاجتماعي السابق، جودة عبد الخالق، استمرار الأزمة الاقتصادية في مصر إلى عدم وجود رؤية أمام النظام للخروج منها، وعدم استجابته للتوصيات التي وضعها الخبراء على مدار العامين الماضيين، لتحقيق إصلاح شامل، مكتفية بوضع ما أسفرت عنه اجتماعات الحوار الوطني داخل أدراج الثلاجة الحكومية. وشدد عبد الخالق على أهمية تحقيق إصلاح سياسي شامل، وإبعاد الشلة المنتفعة المستفيدة من بقاء الأوضاع الحالية على ما هي عليه، والدعوة إلى تحديد موعد لإجراء انتخابات المجالس المحلية، وتعديل نظام انتخاب البرلمان الحالي، وإبعاد الجيش عن المنظومة الاقتصادية، على أن يدار الاقتصاد برجاله وخبرائه.

المساهمون