"حوار المتوسط" الإيطالية: مصر عملاق بقدمين من طين

"حوار المتوسط" الإيطالية: مصر عملاق بقدمين من طين

15 مارس 2024
المواطن المصري ينتظر وصول تأثير المليارات المتدفقة إلى أسعار المواد الغذائية (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- نشرة "حوار البحر المتوسط" تصف مصر بـ"عملاق بقدمين من طين"، مشيرة إلى وضعها الاقتصادي الهش رغم المساعدات والقروض الدولية، وتبرز التحديات في تحقيق الإصلاح الاقتصادي مع تفاؤل حذر.
- الاتحاد الأوروبي يخطط لتقديم مساعدات بقيمة 7.4 مليارات يورو لمصر حتى 2027، بالإضافة إلى دعم من صندوق النقد الدولي والإمارات، لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
- خبراء يؤكدون أن المساعدات والشراكات الدولية وحدها لا تكفي لإنقاذ الاقتصاد المصري دون إصلاحات جذرية وتطوير القطاعات الزراعية والصناعية لتحسين مستوى معيشة المواطنين واستيعاب العمالة الشابة.

في إطار استعراضها للجهود الدولية الأخيرة لإنقاذ مصر من الإفلاس، وصفت نشرة "حوار البحر المتوسط" التابعة للخارجية الإيطالية، البلد الشرق أوسطي بأنه "عملاق بقدمين من طين"، مؤكدة أنّ مليارات الدولارات التي تدفقت وستتدفق على القاهرة لا تضمن تحقيق الإصلاح الاقتصادي المنشود.

وأكدت النشرة أنّ التفاؤل بشأن تحقيق تقدم ملموس في ما يخص الاقتصاد المصري يبقى حذراً، بسبب تاريخ البلاد في الفشل في الوفاء بتعهدات الإصلاح، وفي إبعاد الجيش عن الاقتصاد، وأيضاً في طرح رؤية متماسكة للمستقبل لتحسين سبل عيش المواطنين.

والتعبير "عملاق بقدمين من طين" مأخوذ من سفر دانيال في الكتاب المقدس، ضمن تفسير النبي دانيال لحلم الملك نبوخذنصر، ويستخدم لوصف شخص أو دولة تبدو مهمة أو قوية أو مهيبة في الظاهر، لكن لديها نقاط ضعف أو عيوباً أساسية تؤدي إلى تحطيم قوتها أو سلطتها.

وأشارت النشرة، في عددها الأخير، الصادر أمس الخميس، إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم حزمة مساعدات كبيرة بقيمة 7.4 مليارات يورو (نحو 8.1 مليارات دولار) لمصر، حتى عام 2027، تشمل منحاً وقروضاً.

وقالت إن زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، إلى جانب رؤساء وزراء إيطاليا وبلجيكا واليونان، المقررة لمصر يوم الأحد المقبل، للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومناقشة تعزيز الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، تؤكد سعي الاتحاد الأوروبي إلى استكشاف فرص التعاون في قطاعات الأمن والهجرة والطاقة مع مصر، والاعتراف بها كشريك محوري، لتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، وبصفة خاصة في سياق الحرب الإسرائيلية على غزة.

ولم يكن الاتحاد الأوروبي وحده المهتم باستقرار مصر، التي تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، وفقاً للنشرة، التي أشارت إلى حصول القاهرة أخيراً على قرض إضافي طال انتظاره من صندوق النقد الدولي، بقيمة تجاوزت خمسة مليارات دولار. وأكدت اشتراط الصندوق على مصر الالتزام بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، مثل الانتقال إلى نظام سعر الصرف المعوّم، ودعمه بالدعم المالي الذي قدمه استثمار ضخم من دولة الإمارات العربية المتحدة.

وسيضاف قرض الصندوق الجديد إلى قرض آخر، بقيمة 3 مليارات دولار، تمت الموافقة عليه قبيل نهاية عام 2022، إلا أن مصر لم تحصل إلا على 347 مليون دولار منها، بينما تعثرت الدفعتان الثانية والثالثة منه، بسبب تأخر مصر في تنفيذ أهم بنود تم الاتفاق عليها عن إقرار القرض.

وقرر صندوق أبوظبي ضخ أكثر من 35 مليار دولار أميركي في الاقتصاد المصري، موجهة في المقام الأول نحو تطوير منطقة رأس الحكمة، على الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط. وأكدت النشرة وجود مباحثات مع دول خليجية، بشأن تنفيذ استثمارات أخرى، بمليارات الدولارات، في مصر.

وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إنّ بلاده تتوقع اجتذاب نحو 150 مليار دولار خلال فترة تنفيذ المشروع الإماراتي في مصر.

شراكة مصر والاتحاد الأوروبي.. أي جدوى؟

وفي السياق، قالت مارينا أوتاواي، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط بمركز ويلسون للأبحاث بواشنطن، إنّ الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي "لن تساعد مصر في التغلب على أزمتها الاقتصادية العميقة مثلما لم تفلح الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة في منعها من الانحدار إلى المستوى الحالي".

وأضافت، وفقاً لنشرة "حوار البحر المتوسط": "من المؤكد أن مصر تحتاج إلى المساعدات والاستثمارات حتى تتمكن من انتشال نفسها من الأزمة. ولكنها أولاً وقبل كل شيء، تحتاج إلى إصلاحات اقتصادية وقيادة قادرة على وضع أهداف، وقيادة البلاد لتحقيقها".

وأشارات أوتاواي إلى أنّ مصر قاومت المحاولات المتكررة من جانب صندوق النقد الدولي لتوجيهها نحو برنامج إصلاحي، ولم تعتمد أي برنامج خاص بها. وقالت إنه "بعد عقد من الزمان في السلطة، لم يطرح نظام السيسي رؤية للمستقبل، ولا خطة حول كيفية المضي قدماً، ولن تساعد أي شراكة خارجية حتى تقوم مصر بترتيب بيتها الداخلي".

الصورة
قروض مصر من صندوق النقد الدولي في عهد السيسي (صندوق النقد الدولي)
قروض مصر من صندوق النقد الدولي في عهد السيسي (صندوق النقد الدولي)

بدوره، أكد ماتيو كولومبو، الباحث المشارك في المعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية ISPI أن هناك حاجة ماسة للحفاظ على الاستقرار الداخلي في مصر خلال الأزمة الاقتصادية. وقال: "تواجه مصر عقبات اقتصادية كبيرة، تتفاقم بسبب تراجع عائدات قناة السويس والحرب في غزة. وبالتالي، من الضروري توفير التدفقات المالية الفورية. ونظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وعدد سكانها الكبير، فإن أوروبا تشعر بالقلق من المخاطر المحتملة المرتبطة بعدم الاستقرار في مصر، وبالتالي تميل إلى التخفيف منها".

وأشار ألدو ليجا، الباحث في المعهد نفسه، إلى أن الحرب على غزة وأزمة البحر الأحمر ساهمتا في تسريع إعادة ضبط موقف مجلس التعاون الخليجي تجاه مصر. وقال: "بعدما مثلت دول الخليج لفترة طويلة مصدراً أساسياً لدعم النظام المصري، شرعت تلك الدول العام الماضي في إظهار إحجامها عن تقديم أموال إضافية للبلاد، حيث اشترطت صرف الأموال الجديدة بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية".

وأضاف: "لكن الحرب، وامتدادها المحتمل إلى الوضع الاقتصادي غير المستقر في مصر، دفعا دول الخليج إلى إعادة ضبط نهجها، حيث إن تلك الدول لا تستطيع تحمل فشل الدولة الأكثر سكاناً في المنطقة، وما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية واقتصادية".

لكن ليجا أكد أنه "إذا كانت الاستثمارات الجديدة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر ستساعد مصر على المدى القصير على تخفيف النقص في العملات الأجنبية، والحفاظ على استقرار العملة والوفاء بالتزامات ديونها، فإن هذا النهج لا يخلو من آثار جانبية"، مشيراً إلى "انطوائه على خطر تأخير الإصلاحات الهيكلية التي تشتد الحاجة إليها، ومن ثم تمهيد الطريق لمواجهة متاعب اقتصادية جديدة في المستقبل".

كما نقلت النشرة الإيطالية عن عماد حرب، مدير الأبحاث في المركز العربي بواشنطن، قوله إنّ الاستثمارات الإماراتية تقوي قبضة السيسي، إلا أنها لن تؤدي إلى إصلاحات اقتصادية حقيقية.

وقال حرب: "هذه ليست المرة الأولى التي تستثمر فيها دولة الإمارات العربية المتحدة في الاقتصاد المصري؛ وفي الواقع، كانت الاستثمارات الإماراتية ضرورية للحفاظ على النظام المصري الاستبدادي. ومع ذلك، فإن هذه الأنواع من الاستثمارات المرتبطة بالسياحة ومراكز الترفيه والأماكن، والتي من المرجح أن تلبي مصالح البرجوازية المصرية، ليست ما يحتاجه الاقتصاد المصري".

وأضاف: "علاوة على ذلك، من المرجح أيضًا أن تؤدي مثل هذه المشاريع إلى تعزيز مكانة ومصالح القوات المسلحة المصرية في الاقتصاد العام، وهو ما يساعد بدوره على استقرار النظام العسكري لعبد الفتاح السيسي".

وأكد حرب أن مصر تحتاج إلى "تطوير زراعتها وصناعتها للمساعدة في استيعاب مئات الآلاف من العمالة والشباب العاطلين عن العمل، مع إنتاج السلع اللازمة لتحسين مستوى معيشة الملايين من البشر".

المساهمون