حزمة الدعم البريطانية تثير موجة انتقادات: مخاوف من تعميق الركود
أثار إعلان كواسي كوارتينغ وزير الخزانة البريطاني، أمس الجمعة، عن أكبر حزمة تخفيضات ضريبية منذ نحو 50 عاماً، ردود فعل واسعة في الأوساط الاقتصادية والمالية والسياسية في البلاد، وسط مخاوف من تعميق الركود في البلاد.
القرار، الذي جاء على شكل إعلان ميزانية مصغر ألقاه الوزير أمام البرلمان، شمل حوافز ضريبية غير مسبوقة ضمت خفضاً على الشريحة الأساسية لضريبة الدخل من 20 بالمائة إلى 19 بالمائة، وخفضاً على الشريحة العليا من أصحاب الدخل المرتفع من 45 بالمائة إلى 40 بالمائة، وهي التخفيضات التي تعني خفضاً ضريبياً يستفيد منه نحو 31 مليون مواطن بريطاني.
وضمت الحوافز إلغاء الحد الأقصى الذي كان مفروضاً على مكافآت مديري البنوك، إذ يرى وزير الخزانة أن "قوة الاقتصاد البريطاني كانت تعتمد دائماً على قطاع الخدمات المالية القوي"، مضيفاً أنه يريد أن تقوم البنوك العالمية "بخلق وظائف والاستثمار ودفع الضرائب هنا في لندن، وليس في باريس أو فرانكفورت أو نيويورك"، وشملت الحزمة أيضاً خفضاً على الضريبة العقارية المفروضة على شراء المنازل، وإلغاء زيادة كانت مقررة على أرباح الشركات بنسبة 6 بالمائة، وهو الإلغاء الذي سيكلف الخزانة العامة أكثر من 15 مليار جنيه إسترليني.
الإعلان عن التخفيضات الضريبية، الذي وصفته الحكومة بأنه "خطة النمو"، سُمِع صداه بشدة في أسواق المال والعملات بعد ساعات قليلة من بيان وزير الخزانة، فالجنيه الإسترليني هبط لأدنى مستوى له أمام الدولار منذ 37 عاماً، إذ تراجع بنسبة 3 بالمائة، مسجلاً 1.09 سنت، ليضيف إلى سلسلة التراجعات التي شهدتها قيمة العملة البريطانية في الآونة الأخيرة أمام الدولار، كما تراجعت الأسهم في بورصة لندن أمس بنحو 2 بالمائة على إثر إعلان الخطة.
انقسام المحللين
وتأتي هذه الحوافز الضريبية تطبيقاً لسياسة ليز تراس رئيسة الوزراء، التي تولّت مقاليد الحكم مطلع الشهر الجاري خلفاً لبوريس جونسون، وهي سياسة تقوم على مواجهة أزمة غلاء المعيشة والتضخم غير المسبوقة، واستباق دخول الاقتصاد في حالة ركود طويلة، بحزمة تخفيضات ضريبية لجميع الشرائح الضريبية، بما فيها الطبقة الغنية، ودعم حكومي لفواتير الطاقة للأفراد والشركات لحمايتهم من الزيادة الكبيرة في أسعار الغاز والكهرباء.
وخلافاً للحكومة المحافظة السابقة، التي كانت تعتمد زيادة الضرائب على الأفراد وأرباح الشركات، وزيادة استقطاعات التأمينات الاجتماعية لخفض الدين العام، تأتي سياسة حكومة تراس معتمدة بشكل أساسي على الاقتراض لسد العجز في الميزانية، وهو الأمر الذي سيرفع فاتورة الاقتراض الحكومي لمستويات غير مسبوقة.
وأحدثت خطة النمو انقساماً واسعاً بين المراقبين والمحللين الاقتصاديين والمؤسسات التي تقيس الأداء الاقتصادي في البلاد، ويقول بول جونسون أستاذ السياسات العامة في جامعة "يونيفيرسيتي كوليدج لندن"، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية: "إن حزمة التخفيضات الضريبية التي أعلنها وزير الخزانة تعد مخاطرة كبرى"، مشيراً إلى أن "ضخ أموال بهذا الحجم في الاقتصاد، في وقت ما زال فيه التضخم مرتفعاً للغاية، هو بمثابة مقامرة كبرى".
ويضيف أن وزير الخزانة يرغب في المغامرة بالاستدامة المالية لتنفيذ هذه التخفيضات الضريبية، غير مبالٍ بمخاطر زيادة التضخم وما سيتبع ذلك من زيادة في أسعار الفائدة.
غير أن كوارتينغ الذي تولى مقاليد الخزانة في حكومة تراس منذ نحو أسبوعين فقط رد على من وصفوا إعلان الحوافز الضريبية بأنها "مقامرة"، بالقول، في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية، إن ما أعلنه لا يدخل في نطاق "المقامرات"، مؤكداً أن "المقامرة الحقيقية كانت الاستمرار في اتباع النهج الذي كنا عليه"، وأن عدم خفض الضرائب والاستمرار في اتباع سياسة الحكومة السابقة كانت فيه مخاطرة أكبر.