تونس: قلق شعبي من مقصلة للرواتب

تونس: قلق شعبي من مقصلة للرواتب

10 يونيو 2022
يعاني المواطنون من ضغوط معيشية وتضخم قياسي يقارب 8% (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أثار برنامج الإصلاح الاقتصادي للحكومة التونسية القلق مجددا بشأن إمكانية مرور السلطة إلى مرحلة خفض الرواتب في القطاع الحكومي متجاوزة بذلك الرفض التام للنقابات العمالية لكل إصلاح يمس مكتسبات الموظفين.
وزادت المخاوف من المرور بالقوة إلى مرحلة خفض كتلة الرواتب بعد كشف حكومة نجلاء بودن عن خطة إصلاح اقتصادي تضمنت بنودا تحدّثت عن "ترشيد" الرواتب وتجميد التوظيف في القطاع الحكومي إلى جانب اعتماد برنامج جديد لتسريح الموظفين ما دون السن القانونية للتعاقد وإلغاء أحكام قانون انتداب من طالت بطالتهم.
ويمثل بند التحكم في كتلة الأجور حجر أساس في مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي الذي يعتبر هذه الكتلة من بين الأعلى عالميا مقارنة بالناتج الداخلي الخام للبلاد.
ومنذ عام 2016، تاريخ توقيع الحكومة التونسية السابقة برئاسة الحبيب الصيد على برنامج تعاون مالي مع صندوق النقد الدولي، تطالب المؤسسة المالية سلطات تونس بإيجاد حلول للحد من تضخم كتلة الأجور التي بلغت العام الحالي 15.6 بالمائة من الناتج المحلي مقابل 10 بالمائة فقط سنة 2010.

المساس بالأجور
ولا ينكر الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلاً للعمال في تونس)، نيّة الحكومة المساس بأجور موظفي القطاع الحكومي، إلى جانب تجميد الزيادات التي يفترض أن تصرف في إطار اتفاق التفاوض بين الحكومة واتحاد الشغل.

ويؤكد المتحدث الرسمي باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري أن حكومة نجلاء بودن تخلّت عن فكرة خفض الرواتب، غير أنها قادرة على استعمال وسائل أخرى لتقليص كتلة الرواتب، ومنها تجميد الترقيات والتقدم الوظيفي والتحكّم في الساعات الإضافية التي يتمتع بها الموظفون إلى جانب تأخير مفاوضات الزيادة في الأجور.
وقال الطاهري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "كل السيناريوهات متوقعة من الحكومة التونسية بما في ذلك مساسها بالحقوق المكتسبة للموظفين"، مؤكدا جاهزية النقابات العمالية من أجل التصدي لهذه الخطط التي تستهدف قوت التونسيين، وأضاف: "قريبا سننفذ الإضراب العام في الوظيفة العمومية احتجاجا على رفض السلطة فتح مفاوضات اجتماعية وانفرادها بخطة إصلاح تستهدف أكثر من 600 ألف موظف".
وكانت الحكومة قد اقترحت "إجراءات عاجلة ضمن ميزانية 2023، للتحكم في كتلة الأجور وترشيدها من خلال تجميد التوظيف في القطاع الحكومي وحصر الانتدابات في الحاجيات اللازمة.
واعتبرت الحكومة، في منشور حول إعداد ميزانية الدولة للسنة المقبلة وجهته إلى الوزراء ورؤساء الهياكل والهيئات الدستورية المستقلة والولاة ورؤساء البرامج أن نفقات الأجور وصلت إلى مستوى قياسي خلال سنة 2022 في حدود 15.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 10 بالمائة سنة 2010، ما قلص من الاعتمادات ذات الصبغة التنموية وحدّ من قدرة الميزانية على تعزيز الاستثمار العمومي.

ويعد تخفيض كتلة الأجور أحد أبرز الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي تونس حتى تتمكن من إبرام اتفاق معه والحصول على تمويلات، إلى جانب الحد من نفقات الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية والمنظومة الجبائية.

ضغوط للمغادرة الطوعية
ويعاني التونسيون من ضغوط معيشية وتضخم قياسي يقارب 8 بالمائة، ما يزيد من تدحرج طبقة الموظفين نحو الفقر والدخول في دائرة الاستدانة المفرطة والمزمنة.
ويتوقع الخبير الاقتصادي خالد النوري أن تبذل الحكومة جهودا من أجل تشجيع الموظفين على المغادرة الطوعية في إطار خطة التحكّم في الأجور، مرجّحا أن تصطدم الخطة الحكومية بمعارضة نقابية شاملة.
كما رجّح النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تتحكّم الحكومة في نفقات الأجور والتسيير بالأساس عبر إيقاف المفاوضات المباشرة بين النقابات والإدارة حول زيادات الرواتب والترقيات ووضع أطر جديدة التفاوض مع الأطراف الاجتماعية
وتقدر كتلة الأجور التي ضبطت في قانون مالية 2022 بنحو 21.5 مليار دينار (الدولار = نحو 3 دنانير)، مقابل 20.3 مليار دينار سنة 2021.
وأخيرا أصدرت وزارة المالية مذكرتها الدورية حول تنفيذ ميزانية الدولة في نهاية شهر مارس/ آذار الماضي. وأبرزت المذكرة تسجيل فائض في رصيد ميزانية الدولة بقيمة 314 مليون دينار، كما عرفت نفقات ميزانية الدولة خلال الفترة من مارس/ آذار 2021 إلى مارس 2022 شبه استقرار وذلك عند 8902.2 مليون دينار، ويرجع ذلك بالأساس إلى تراجع نفقات التأجير بنسبة 1.4 بالمائة وذلك لأول مرة منذ سنة 2011.

يعاني التونسيون من ضغوط معيشية وتضخم قياسي يقارب 8 بالمائة، ما يزيد من تدحرج طبقة الموظفين نحو الفقر


وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، نهاية مايو/ أيار الماضي، أن مؤسسات حكومية ستنفذ إضراباً عاماً يوم 16 يونيو/ حزيران الحالي، استجابة لتوصيات الهيئة الإدارية للاتحاد، وذلك احتجاجاً على تنصل الحكومة من مبدأ المفاوضات حول الزيادة الدورية في الرواتب، وترميم القدرة الشرائية للموظفين.
وقالت المنظمة النقابية إن موظفي 159 مؤسسة ومنشأة حكومية سينفذون الإضراب الذي يشمل خدمات حيوية، ومن أهمها النقل البري والبحري والجوي والمطارات والموانئ التجارية.
ويأتي قرار الإضراب العام على خلفية تباطؤ الحكومة في فتح جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية لتمكين الموظفين من تعديل الأجور على امتداد السنوات الثلاث القادمة، فضلاً عن مطلبه بإشراك النقابات في عملية الإصلاح التي تنوي الحكومة تنفيذها بتوصيات من صندوق النقد الدولي.

المساهمون