تونس: غموض مصير خطة الإصلاح الاقتصادي

تونس: غموض مصير خطة الإصلاح الاقتصادي

19 ابريل 2023
الحكومة تعيد النظر في ملف الدعم (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يكتنف الغموض مصير برنامج الإصلاح الاقتصادي لتونس بعد إعلان الرئيس قيس سعيد رفضه تطبيق إصلاحات "تفرضها دوائر القرار الخارجي تهدد السلم الاجتماعي" على حد تعبيره، بينما تتواصل الضغوط على الموازنة العامة مع اقتراب آجال تسديد أقساط ديون خارجية بما يزيد عن ملياري دولار.

والخميس الماضي، قال سعيد في لقاء جمعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن، وتناول الوضع الاقتصادي والمالي إن "الذوات البشرية ليست وحدات رياضية أو مجرّد أرقام".

ويأتي تشديد سعيد على رفض خطة إصلاح اقتصادي تهدد السلم الاجتماعي في البلاد، حسب تعبيره، بعدما أعرب في السادس من إبريل/ نيسان الحالي عن رفضه "إملاءات" لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، داعيا إلى "الاعتماد على النفس".

ومنذ عدة أشهر، تعثر اتفاق بين تونس والصندوق لتمكينها من قرض، وسط دعوات دولية لبدء إصلاحات فورية تشمل خفض دعم سلع غذائية ودعم الطاقة وإعادة هيكلة الشركات العامة وخفض فاتورة الأجور العامة. في الأثناء، تواصل الحكومة التي تشارك في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي مساعيها لحسم ملف الدعم المالي لفائدة تونس التي تحتاج إلى تمويلات لا تقل 7.5 مليارات دولار لردم فجرة تمويلية في موازنة العام الحالي.

قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جهاد أزعور، خلال مؤتمر صحافي، الخميس الماضي، على هامش اجتماعات الربيع بواشنطن، إن الصندوق يشتغل مع الحكومة التونسية على تخفيف سلبيات البرنامج الإصلاحي ودعم إيجابياته.

ويرى الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن تونس قادرة على تخفيف سلبيات البرنامج الإصلاحي عبر تأجيل البند الخاص برفع الدعم عن الغذاء والمحروقات والاستفادة من تراجع أسعار النفط في السوق العالمية، مؤكدا أن قبول الصندوق بتعديل خطة الإصلاح هو رهن قدرة الفريق الحكومي المفاوض على الوصول إلى اتفاق بحلول تحافظ على الاستقرار الاجتماعي في البلاد.

وقال الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تأجيل رفع الدعم وتفعيل آلية تعديل أسعار المحروقات في اتجاه الخفض سيساعد على كبح التضخم ويزيد من القدرة الإنتاجية للعديد من القطاعات، وأضاف أن "تحسين نسب النمو وكبح التضخم سيساعدان لاحقا على تنفيذ إصلاح منظومة الدعم بسلاسة وتجنّب البلاد الأزمة الاجتماعية".

ووفقا لقانون الموازنة كانت حكومة نجلاء بودن تنوي خفض نفقات دعم أسعار المحروقات بنسبة 26.4 بالمائة مقارنة بسنة 2022 وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد. وخلال سنة 2022 خصصت سلطات تونس 12 مليار دينار لدعم المحروقات والكهرباء والنقل والغذاء مقابل نفقات دعم بقيمة 8.8 مليارات دينار خلال العام الجاري.

لكن حكومة نجلاء بودن وعدت أيضا بتعويض ما لا يقل عن 8 ملايين تونسي عن رفع الدعم عبر التحويلات المالية المباشرة.

ويرى الخبير المالي ووزير التجارة السابق محسن حسن أن إنقاذ المالية العمومية والابتعاد عن حالة عدم القدرة على السداد في تونس يتطلبان إجراءات عاجلة لتمويل ميزانية 2023 التي تحتاج إلى ما لا يقل عن 5 مليارات دولار من القروض الخارجية، معتبرا أن تحقيق التوازنات المالية الكبرى يتطلب حلولا عقلانية بعيدا عن الشعارات الجوفاء.

وقال حسن في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن سلطات تونس لا تملك هوامش مناورة كثيرة، مشيرا إلى إمكانية الاعتماد على فرضيتين للإنقاذ المالي في تونس لا ثالثة لهما.

وأفاد بأن الفرضية الأولى التي تعد أقل مخاطرة تتمثل في برمجة الإصلاحات الاقتصادية المقدمة إلى صندوق النقد والتوصل لاتفاق سريع مع مؤسسة التمويل بتعبئة موارد مالية في إطار التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف وهو ما سيمكن البلاد من سداد أقساط الدين الخارجي المستوجبة وتمويل الشراءات من الخارج بيسر.

ويشير الخبير المالي إلى أن الاعتماد على الفرضية الثانية عبر قطع العلاقة مع صندوق النقد وعدم التوصل إلى الاتفاق المنشود سيكون السيناريو الأصعب، وهو ما قد يفرض خطة حكومية للإنقاذ المالي تقوم على دعم رصيد البلاد من العملة الصعبة عبر دفع صادرات القطاعات الحيوية، ومنها الفوسفات والنسيج والصناعات الكهربائية والميكانيكية والتحكم في الواردات لتقليص العجز التجاري ودعم تحويلات التونسيين بالخارج وإنجاح الموسم السياحي وسن قانون للعفو عن جرائم الصرف.

في المقابل، يقول حسن إن غلق أبواب التعاون المالي مع صندوق النقد سيؤدي إلى إنهاك رصيد العملة الصعبة وتراجع سعر صرف الدينار إلى جانب إضعاف الصلابة المالية للجهاز المصرفي الذي سيتولى توفير التمويلات بالعملة المحلية.

وتوصلت تونس، التي تعاني أسوأ أزمة مالية تهدد بتخلف البلاد عن سداد ديونها، إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد العام الماضي حول قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.

وتعول تونس بشدة على هذا الاتفاق لتعبئة مواردها المالية لهذا العام، إذ سبق لمحافظ البنك المركزي مروان العباسي أن أكد أن "الوضع سيكون صعبا إذا لم تتوصل تونس إلى اتفاق مع الصندوق".

المساهمون