تونس على أبواب انفجار اجتماعي: السلطة تخنق الفقراء

تونس على أبواب انفجار اجتماعي: السلطة تخنق الفقراء

07 يونيو 2022
4 ملايين فقير في تونس حسب بيانات رسمية (Getty)
+ الخط -

لم تكتف السلطة في تونس بتعكير الأجواء السياسية وإحكام قبضتها على جميع القرارات والمؤسسات، بل امتد الأمر إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية ستؤدي إلى تفاقم الأعباء المعيشية لملايين التونسيين الذين يقدمون على سنوات صعبة أخرى تنبئ بمزيد من تآكل الطبقة الوسطى وارتفاع الأسعار وتوسّع رقعة الفقر، بعد كشف الحكومة عن برنامج إصلاح تنوي بمقتضاه رفع الدعم عن السلع الأساسية. ويأتي ذلك وسط مناخ اجتماعي محتقن وجبهة وطنية صدّعتها الخلافات السياسية.

ومع انطلاق حوار وطني وسط تصدع الجبهة الوطنية ورفض أحزاب ونقابات المشاركة فيه، كشفت الحكومة التونسية عن خطتها لإصلاح الاقتصاد يفترض أن تكون وثيقته التي نشرت للعموم تمهيدا للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تعاون مالي بقيمة 4 مليارات دولار.

تحذيرات من انفجار اجتماعي
والسبت انطلق في تونس حوار وطني دعا إليه الرئيس قيس سعيد تمهيدا لتنظيم استفتاء على دستور جديد في 25 يوليو/ تموز المقبل، بهدف الخروج من الأزمة السياسية في البلاد.
وتونس التي لم تتوقف فيها الأزمات السياسية على مدى عقد من الزمن تجابه أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، وسط تحذيرات من انفجار اجتماعي وشيك نتيجة غياب الحلول لاحتواء الغلاء والحد من نسب البطالة وتحسين معيشة المواطنين.

ومنذ توليها المسؤولية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قالت حكومة نجلاء بودن إنها ستعد برنامج إصلاح اقتصادي يغيّر من حياة المواطنين، ويساعد الاقتصاد على استعادة عافيته عبر حزمة إجراءات تستهدف القطاع المالي وتحسين مناخ الاستثمار وتزيد من العائدات الجبائية، فضلا عن التحكم في كتلة الأجور وتوجيه الدعم نحو مستحقيه من الطبقات الضعيفة والمتوسطة دون غيرها.
وإصلاح منظومة الدعم من أهم الملفات التي تداولها حكّام تونس منذ أكثر من 15 سنة، غير أن هذا الملف الشائك اجتماعيا يقترب من تفكيكه نهائيا رغم مخاطره على السلم الاجتماعي وتحذيرات الاتحاد العام التونسي للشغل من المساس بقوت المواطنين.

إلغاء الدعم
تكشف وثيقة الإصلاحات التي نشرتها الحكومة على موقعها الرسمي على "فيسبوك" أن النية تتجه نحو إلغاء تدريجي لدعم المحروقات والغذاء في الفترة المتراوحة ما بين 2023 و2026، والاتجاه بالمواد المشمولة بالدعم الحكومي نحو الأسعار الحقيقية، فضلا عن إيقاف التوظيف في القطاعات الحكومية في إطار وصفته بالخطة الإصلاحية للحد من الإنفاق في البلد الذي يشهد أزمة مالية.
لكن وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي محسن حسن، يقول إن التونسيين غير مهيئين لتقبل الإصلاحات التي تثقل كواهلهم بمزيد من الأعباء، معتبرا أن برنامج الحكومة غير قابل للتطبيق لاعتبارات عديدة أهمها رفض الاتحاد العام التونسي للشغل المرور بالقوة إلى تطبيق سياسات اجتماعية توسّع دائرة الفقر في البلاد.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وقال حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" إن ما اقترحته الحكومة ليس الحل الأمثل، مؤكدا أن تحديد قائمة المنتفعين بالدعم مستقبلا يجب أن يكون عبر آلية عملية وليس عبر منصة يسجل عليها المواطنون وفق ما ورد في البرنامج الحكومي.
ويرى أن التسجيل على منصة للحصول على الدعم الحكومي سيؤدي إلى فتح باب الانتفاع بالدعم لكل الشرائح الاجتماعية، بما في ذلك تلك التي لا تستحق الدعم سيما وأن الحكومة لا تملك آليات التثبت من أحقية الانتفاع من عدمه.
وأشار وزير التجارة السابق إلى أن الحكومة لم تكشف عن آلية التحويل المالي التي ستعتمدها لتعويض المواطنين بعد رفع الدعم، معتبرا أن هذه المسألة مفصلية لإنجاح إصلاح منظومة الدعم.
وأضاف حسن أن الحكومة لا يمكنها إنجاح أي برنامج إصلاح دون أن يكون هناك تبنّ مجتمعي للمشروع، ولا سيما قبوله من قبل المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل.
واعتبر أن التقبّل المجتمعي للإصلاحات غائب تماما ولا يمكن أن يتحقق في ظل ظرف سياسي حالي تطغى عليه الانقسامات والتوتر وفي ظل تدني المقدرة الشرائية للمواطنين.
ورجّح الخبير الاقتصادي أن تفشل تجربة الحكومة الإصلاحية في ظل ظرف اجتماعي صعب يغطي عليه توسّع الفقر وتراجع مقدرات الطبقة الوسطى.
وحسب وزارة الشؤون الاجتماعية هناك نحو 4 ملايين فقير في تونس من مجموع 12 مليونا إجمالي سكان البلاد، في حين قدّر معهد الإحصاء الحكومي نسبة الفقر بنحو 15.2 بالمئة.
وطالب حسن بضرورة إشراك الكفاءات والمنظمات الاجتماعية في خطة إصلاح تحظى بالإجماع وتتم الاتفاق حولها سيما في ما يتعلّق بآلية التعويض للمواطنين.
لكن الحكومة قالت إنها بصدد استكمال خطة لتقديم دعم مالي للطبقات الضعيفة (الفقيرة) والمتوسطة لتعويض الزيادات في أسعار السلع المشمولة برفع الدعم، موضحة أنها بصدد إدراج 40 ألف أسرة جديدة ضمن برنامج الأمان الاجتماعي بما يسمح لـ310 آلاف عائلة بالحصول على مساعدات في إطار برنامج مساندة الأسر المعوزة.

اختناق اجتماعي
في ظل تصاعد الأزمة المالية، أعلنت الحكومة عن خطة للتحكم في كتلة رواتب الموظفين، تقوم على ترشيد الزيادات في الأجور وحصر التوظيف في القطاعات ذات الأولوية، إلى جانب اعتماد برنامج لتسريح الموظفين من القطاع الحكومي، وإلغاء أحكام لانتداب العاطلين عن العمل ممن تجاوزت مدة بطالتهم العشر سنوات الذي أقره البرلمان في يوليو/تموز 2020.
ومن جانبه، أكد المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، أن الاختناق الاجتماعي الذي تعيشه تونس سيؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات في ظل ارتفاع نسب الفقر وتدني الخدمات الأساسية.

وقال بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" إن السياسات الحكومة تخلق أجواء متوترة مع الشارع والفاعلين الاجتماعيين وعلى رأسهم الاتحاد العام التونسي للشغل، مؤكدا أن ظهور مؤشرات عن ارتفاع وتيرة الأشكال الاحتجاجية خلال الصائفة تزامنا مع المواعيد الانتخابية القادمة.
وتوقع بن عمر أن تتوسع الرقعة الجغرافية للاحتجاجات وأن تطاول كل القطاعات، منتقدا تواصل الغموض في السياسات الإصلاحية التي تنوي الحكومة تطبيقها.
واعتبر أن السلطة عاجزة عن معالجة مشاكل التونسيين وليس لها القدرة على تحسين ظروف عيشهم ما يفسر تصاعد كل المؤشرات، الفقر والبطالة وانفجار التضخم. وقال إنّ حالة الإحباط لدى التونسيين تتوسّع بشكل مخيف وخطير، وقد تكون لها تداعيات على الوضع الاجتماعي في البلاد في المرحلة القادمة.
ولا يخفي الموظف بدائرة حكومية، رامي بن علي، قلقا كبيرا من تداعيات خطة الإصلاح الاقتصادي على معيشته وقدرته على إعالة أسرته، معتبرا أن فحش الغلاء أصبح يهدد تماسك العائلات.
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن أغلب مشاكل الأسر مادية بحتة وباتت تؤثر على العلاقة بين أفرادها، ما يفسّر ارتفاع العنف والطلاق والتسرب المدرسي وغيرها من المظاهر الاجتماعية التي يسببها الفقر.

أعلنت الحكومة عن خطة للتحكم في كتلة رواتب الموظفين، تقوم على ترشيد الزيادات في الأجور وحصر التوظيف في القطاعات ذات الأولوية


وأشار المتحدّث إلى أن التونسيين سيحتاجون إلى مضاعفة رواتبهم من أجل مجابهة الزيادات التي ستنتج عن رفع الدعم، مرجّحا أن تكون التعويضات التي وعدت بها الحكومة قليلة جدا، مقارنة بما قد ينتج عن نقل المواد المدعومة إلى حقيقة الأسعار.

مطالب صندوق النقد
تمهد خطة الإصلاحات الحكومية لمفاوضات رسمية مع صندوق النقد الدولي، بهدف التوصل إلى اتفاق مالي، يفترض أن تنطلق الأسابيع القادمة، وفق ما أعلنته وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية.
تسعى تونس للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لتجنب إفلاس ماليتها العامة مقابل إصلاحات لا تحظى بشعبية، بما في ذلك تجميد الأجور وخفض دعم الطاقة ومواد غذائية.
ويرفض الاتحاد العام للشغل ذو النفوذ القوي هذه الحزمة من الإصلاحات، ودعا إلى إضراب وطني في الشركات العامة والوظيفة العمومية.
وتوقع البنك المركزي التونسي توسع عجز الميزانية التونسية إلى 9.7 بالمئة هذا العام، مقارنة بتوقعات سابقة عند 6.7 بالمئة، بسبب قوة الدولار والزيادة الحادة في أسعار الحبوب.
وقال محافظ البنك المركزي مروان العباسي إن تونس بحاجة إلى تمويل إضافي للميزانية يبلغ خمسة مليارات دينار (1.6 مليار دولار)، مؤكدا أن "الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد أصبح ضرورياً".

المساهمون